( بقلم أ.م.د. علي عظم محمد )
حتمية الصراع في تاريخ البشر أمر يختلف عليه المؤرخون عند تعرضهم لدراسة فلسفة التاريخ وبين الفلاسفة من هو مؤيد ومعارض لهذه الفكرة, وبالتالي فالصراع بين حزب الله اللبناني وإسرائيل يدخل في ذلك الجدل الذي اشرنا إليه, فالبعض يؤكد أن الصراع قائم فعلاً وان لم تكن مستعرة, وآخر يتحدث عن إمكانية تفادي ذلك الصراع الدموي, وعن هذا الطريق وذاك يغيب التصور الواسع لذلك الصراع, فهو لا يرتبط بين طرفي الصراع المباشر حيث اهدافهما معروفة للجميع واستراتيجيتهما البعيدة المدى واضحة للمتتبع, فهو صراع بقاء, وهذا مصطلح هو الآخر لا يتفق عليه المثقفون هل الصراع للأقوى أم للأفضل خاصة في عصر أصبح مفهوم القوة لا يقتصر على الجانب العسكري, فهنالك الجانب الاقتصادي والفكري والاجتماعي.. الخ.
من هذه المقدمة نريد أن نبين المصالح المتداخلة بالنسبة لأطراف دولية بعيدة جغرافيا عن منطقة الصراع العسكري وهي الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي وايران من ناحية والدول العربية التي أعطت غطاءً للعدوان الإسرائيلي من جهة ثانية. فالحكومة الأمريكية تريد تصفية الحساب مع حزب الله الخصم اللدود لها في منطقة الشرق الأوسط والذي ألحق هزيمة عسكرية فيها عام 1982 بقتل أكثر من ثمانين عنصر من المارينز مما اضطر الرئيس الأمريكي رولاند ايفان إلى سحب مشاة البحرية من السواحل اللبنانية, وهذا ما أكده الرئيس بوش بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول بأنه يريد القصاص من حزب الله, وتكرر ذلك الموقف أكثر من مرة, إلا انه من الناحية العسكرية الولايات المتحدة غير قادرة على ذلك الأمر, فعمدت إلى استخدام هيأة الأمم المتحدة وسيلة ضغط على المقاومة فأصدر مجلس الأمن القرار 1559 وكان أهم بنوده نزع سلاح حزب الله متخذة من إنهاء المليشيات وبسط سيطرة الدولة ذريعة لذلك, وهذه السياسة هي الأخرى قد فشلت فجاءت هذه الحرب وسيلة لتصفية الحسابات مع حزب الله وسوريا وإيران بنفس الوقت بعد فشل قانون محاسبة سوريا, وعدم خضوع إيران إلى الضغط الأمريكي فيما يخص برنامجها النووي, فهذه الحرب الإسرائيلية على لبنان في واقعها حرب أمريكية بيد إسرائيلية.
كما أرادت الحكومة الأمريكية من هذه الحرب أن تكون رسالة إلى الحركات الإسلامية في العالم العربي خاصة والإسلامي عامة, بان الحكومة الأمريكية لا تمانع من استخدام القوة ضد هذه الحركات في حالة تعرض مصالحها للخطر وبوسائل مباشرة وغير مباشرة. أما الدول الأوربية لاسيما الغربية وروسيا تريد من هذه الحرب وسيلة لتعزيز وجودها في منطقة الشرق الأوسط لما تمثله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية بالنسبة لاقتصادها بعد أن أصبحت محكومة بالوجود الأمريكي, فهي تحاول انتهاج سياسة معتدلة ظاهرياً مع كل أطراف الصراع حتى لا تشكل هذه الأطراف وسائل ضغط عليها مستقيلاً بعد انتهاء الحرب من جهة, والتسلل التدريجي للمنطقة من جهة ثانية, ومن ذلك التصور جاءت دعوة إشراك سوريا وإيران وحزب الله في ايجاد حل لهذا الصراع المشتعل. أما موقف الحكومات العربية فهي تسير في اتجاهين الأول عقائدي حيث إن ذلك الموقف يمثل الخلاف السياسي بين الأنظمة العربية نفسها, بل يتعدى ذلك إلى الموقف الطائفي لاسيما الموقف السعودي والكويتي والإماراتي من إجهاض الثورة في إيران من خلال الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات, دفعت خلالها السعودية والكويت والإمارات أكثر من 85 مليار دولار للعراق مجانا, ناهيك عن الفروض, وهذا الموقف الحالي لهذه الدول يصب في ذلك الاتجاه الذي يمثل الشق الأول من السياسة العربية تجاه الأزمة والشق الثاني من السياسة العربية يتمثل بمسايرة السياسة الأمريكية التي تعدها, الكثير من الحكومات صمام الأمان لوجودها في الحكم, وبقاء هذه الأنظمة السياسية العربية مرهون بموافقة الحكومة الأمريكية, والا ستتعرض إلى الانهيار مستقبلاً ومن هذه الحكومات السعودية والأردن ومصر. وفيما يخص الأردن ومصر يبدو لي, إن موقفها جزء من الاتفاقات السياسية والعسكرية غير المعلنة مع إسرائيل.
بعد اتفاقيات السلام الموقعة بين الطرفين. وموقف سوريا وإيران هو الآخر موقف مصالح, فموقف البلدين يرتبط بطبيعة الصراع السياسي القائم مع الولايات المتحدة فالعلاقات الإيرانية الأمريكية متدهورة منذ عام 1979 بعد نجاح الثورة الإسلامية هناك ووصول الإسلاميين إلى السلطة, وشهدت العلاقات مراحل شد وانجذاب كانت تهدد بوقوع الصدام المسلح بينهما من قتل واحتجاز الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية بطهران, وفشل عملية إنقاذ الرهائن, ومسالة الحصار الاقتصادي الأمريكي على إيران, ومنع الشركات الأمريكية من الاستثمار هناك وأخيراً أزمة البرنامج النووي الإيراني القائم لهذا اليوم وإمداد الحرب الطائفية بالعراق. وفيما يخص سوريا على الرغم من التحسن الملحوظ بعد عام 1991 ومشاركة سوريا عسكريا مع الأمريكيين في الدفاع عن السعودية بعد غزو الكويت والاتصالات السورية – الإسرائيلية برعاية أمريكا أواخر القرن الماضي, إلا إن العلاقات تدهورت بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد, وأصبحت سوريا دولة راعية للإرهاب, ثم جاءت الخطوة الثانية إخراج سوريا من لبنان بموجب قرار مجلس الأمن 1559, وقانون محاسبة سوريا, واتهام سوريا برعاية الإرهاب بالعراق, ويأتي الصراع المسلح في لبنان في سياق كل هذه الأحداث فهي حرب المصالح المتداخلة وتصفيات الحسابات بين هذه القوى.
https://telegram.me/buratha