( بقلم حمودي جلاب الزبيدي )
بين صبحة وسمية وشائج من الود. وشهود دفاع كاذبون في جلسة درامية ظهرت على الشاشة.. الوجوه الكالحة لصدام وزبانيته وهم مسمرون إلى منصة القاضي الذي ما فتيء يغمر نجده الأيمن احتقاراً أو تعففاً لما يراه من تلك الوجوه.
وبين الفينة والفينة يقفز ذلك الصعلوك " برزان" يعقب على كل صغيرة وكبيرة تهمه أو لا تهمه فقط لمجرد اللفظ غير المفهوم الا لاربابه وكأنه يريد أن يبعد وصمة العار التي شبهته "بزياد بن أبيه" ذلك العاهر الماكر اللاهث وراء المطامع والذي أسعده أن يكون ابن عدو الإسلام الأول أبي سفيان.
ورغم إن الفرق بين الزمنين بعيد لكنه لم يكن كبيراً بين سلوك "سمية" والدة زياد و" صبحة" والدة صدام. ولم يكن بعيداً بين صاحبة الرايات الحمر والسود في جزيرة العرب يوم لم يكن الإسلام قد ظهر بعد وبين بساتين العوجة وأغصان البردي التي ما برحها " إبراهيم الحسن" الزوج الثاني لصبحة حين كان يطرد أغنامه عن شرها ولا يكاد الناظر يفرق بين قذارة قدميه ولون تراب الأرض التي يمشي عليها.
وكما يعرف الكل النسب غير المحمود لصدام فان الألسن ما توقفت يوماً عن ذكر عثرات " صبحة" والدته حتى عندما كان في سدة الحكم لتعيد خاطرة الطيبين ما فعله بالفريق الركن عمر الهزاع حين اسمع في جلسة مخملية صحبته وما كان يدور بينه وبين "صبحة" ليصل الخبر لصدام ليجمع قومه الذين غمرهم بالمال والجاه والسلطة فيحتفل بقطع لسان الرجل لأنه قال الحقيقة وعندما يستنجد بولده النقيب محمد فيهرع الفتى لنجدة أبيه إلا إن رصاصات مسدس صدام تصرعه قبل أن يصل إليه.
هي مقارنة ليست جميلة لكنها الحقيقة, عندما كانت " سمية" تسقي عطاشاها خمراً فإنها تعرف الأذرع التي تتلقفها بعد أن يحل السكون وتهدأ النفوس, لكن " صبحة" كانت تتخذ من طريق تكريت – نينوى موقعاً لها لتركب أي مركبة عابرة ولتقضي تلك الليلة لكن عند الصباح تنسى بعد سويعات من كان خليلها وصاحبها, " وسمية" أنجبت زياداً لينجب شيطاناً يرتكب افضع مجزرة لأشرف بيت في الكون... وصبحة أنجبت رهطاً من الأشقياء لينجبوا شياطيناً يعبثوا في ارض الرافدين فساداً ومن يتصفح وريقات الكسيح " عدي" يرى العجب العجاب مما كان يدور والشواهد كثيرة ولعل تدمير هذا البلد الآمن وتحطيم نفوس الطيبين وإفساد ضمائر الناس وما حل من كارثة فوضوية زينت بمفهوم الديمقراطية الذليلة في ارض المقدسات لهي الدليل على ما فعله شياطين "صبحة" وهكذا فإنهم لم يدركوا (إن من غربل الناس نخلوه), وفي محاكمتهم استنجدوا برعاع القوم فقد أيقنوا إن الجميع قد لوثته أفكارهم ولذا فان الجميع من صنف واحد وتمسكوا بالمثل " إن النهر يشرب منه الكلب والأسد" وعندما ظهر على الشاشة..... ذلك الوجه المكسو بالشيب وتلك الشوارب البيضاء والعيون الزائغة التي تلوح لحاملها ما يحمله من خبث ورياء حين بدأ حديثه بالسلام على " الرفاق" ويستمر في حديثه حين يطلب من القاضي وبعبارة لم أجد لها في القواميس معنى حين قال " ياسيدي القاضي من باب الانطلاقية أريد أن اسلم على ...." فاستنجدت بالمعجم اللغوي لعلي أجد لهذه الانطلاقية معنى أو ربط فلم استطع حتى سمعته يقول للقاضي " إني أمي لا اقرأ ولا اكتب" حينها حمدت الرب لأني وجدت الجواب من لسانه لكني لم أجد معنى لتلك الشيبة التي تطرز ذلك الوجه المملوء خبثاً إلا " بشيبه " يوم بدر حين صرعه الحق...لكن ما يدميه القلب هو شهادة سبعاوي الأخ غير الشقيق لصدام ومن حالفه الحظ واطلع وشاهد فلم الأيام الطويلة والذي يسطر فيها شقاوات صدام وعنترياته في صباه وفي مشهد هروبه ودخوله قصور الطين في العوجة ثم يتجه للمدرسة الوحيدة فيها حيث يستنجد بالحارس لينجده .. إن ذلك الحارس في عام 1959 هو سبعاوي شقيق صدام والمدير العام في دائرة المخابرات بعد ثلاثين عاماً والذي يكاد أن يأكله الكرسي الوثير الذي يجلس عليه رعباً وجزعاً.
وبفضل القائد الملهم والذي خنقه الله في جحر جرذ حصلت الرؤوس العفنة لأهله وأصحابه على الشهادات العليا ابتدءً من عبد حمود سكرتيره الذي نال الدكتوراه في العلوم السياسية إلى كسيح الشباب "عدي" وحتى صدام نفسه نال عدة شهادات وهو الذي اجتاز الإعدادية في مصر بعد هروبه من العراق بعد محاولة اغتيال زعيم العراق المرحوم الشهيد عبد الكريم قاسم وقد منحت له الشهادة من باب التقدير..كذلك نالها ازلامه القابعين في الزوايا المظلمة بعد ان لفظتهم طيبة العراق وأهل العراق...إن ما يدور الآن من حوادث يسجلها شهود الدفاع هي النتيجة لتلك التربية الخاطئة المبنية على حب الذات وهضم حقوق الآخرين ثم تأتي الشاهدة الثالثة جاهرة بصوتها تسرد وقائع مقاومة العراقيين لذلك الكابوس الرهيب والذي تعتبره في شهادتها سلوك غير مقبول وتحد للسلطة, وبعد التحية على " الرفاق" وخصوصاً رفيقها رفيق جرذان مزارع تكريت تعترف بأنها تعمل في المخابرات, ويعرف العراقيون ماذا يكون عمل المراة في المخابرات.
لكن الشاهد الرابع يفغر أفواه المشاهدين حين يكتشف ويعلن القاضي انه يعمل في امن سجن أبو غريب " قسم الإعدامات" وما فعله هذا القسم بالمواطنين حتى وصل اعداد الذين يعدمون بعد منتصف الليل إلى أربعمائة مواطن لربما تكون تهم بعضهم لا تستحق الحجز ليوم واحد.
هذه السطور حفنة بسيطة من جبال من الظلم جثمت بمظلوميتها على صدور العراقيين.. لكن لابد لكل شيء من نهاية, وما أحلاها حين تكون مغفرة وسكون وهمهمة رحمة لا أن تكون لعنة تطلقها كل الألسن..
حمودي جلاب الزبيدي
https://telegram.me/buratha