( بقلم سلام السراي )
كثيرا ما يتداول بعض القادة السياسيين والإعلاميين ورجال التحليل السياسي مفردة (الوطنية) فينعتون الشخصيات السياسية والدينية بل والمشاريع المتعددة بهذه الصفة.. فزيد من الناس شخصية وطنية، وهذا المشروع مشروع وطني، وتلك فكرة وطنية، إلى ما لا حد له من (الوطنيات)!.. تاركين المتابعين والقارئين والسامعين لهم تحديد دلالة هذه الكلمة التي اصبحت لا تفارق ألسنة حتى الذين حذفوها من قواميسهم.. أتعني الوطنية ان يتخلى السياسي الإسلامي الطرح عن اسلاميته بحجة ان طرحه طرحا طائفيا؟! ام ان يتخلى الليبرالي عن مشروعه بدافع ان فكره فكرا مستوردا من خارج الحدود؟! ام ان يترك الرديكالي ما يتبناه من عقيدة ومبدأ كونه يخالف هذا وذاك؟! هذا ما يرفضه التاريخ اولا، وما ترفضه الشرائع السماوية والوضعية ثانيا، وما يرفضوه ذوو العقول ان كانوا لها يختصمون.
فالتاريخ الحديث-ولكي لا نذهب بعيدا- قد خلَّد الثائر جمال الدين الافغاني حتى جعل الدول تتصارع على مواراة رفاته قبره والى اية دولة ستذهب، ولم يحدثنا هذا التاريخ عن الافغاني انه كان طائفيا لانه تبنى الاسلام فكرا ومنهجا وعملا، ولم تمنع الشرائع السماوية والوضعية المهاتما غاندي من تبني هندوسيته ان كان يعتقد بها وتحقق له مكسبا تُحترم فيه ارادة شعبه وامته ومريديه، ولم يحاكم العقل واصل بن عطاء يوم اعتزل حلقة استاذه ليكوِّن له مذهبا خاصا به ما دام له دليلا منطقيا على موقفه هذا.
من هذا يمكن لنا ان نعرف ان الوطنية ليست مذهبا او لونا او عرقا او طرحا سياسيا او فكريا محددا، انما هي تلبية لصرخة طفل فقد ابويه وذويه، نواح ثكلى فجعت بإبن لها تحت قمع الحديد، وانَّة رجل هرم بات يصارع آلامه بعد ان اشتعل رأسه شيبا.
الوطنية ان تعمل لبلدك عمل من انقذ غريقا من بحر هائج فلا يسأل عن جنس الغارق ولا عن شكله ما دام يعتقد ان واجبه يحتم عليه ذلك. فنحن واذ نعيش هذه الظروف العصيبة في بلدنا العراق نرى انه لا داعٍ للحديث عن هذا الطرف بأنه وطني وذلك الطرف بأنه غير وطني، لان الحديث في الموضوع اصبح غير مجدٍ.. فالسياسي البارع والوطني هو الذي يمتلك عقول الجماهير قبل قلوبهم، ويعيش واقع الشعب قبل احلامه، عند ذاك ستتلاشى جميع الطروحات والتحليلات السياسية.
https://telegram.me/buratha