( بقلم المحامي طالب الوحيلي )
لايمكن لمراقب سياسي الحديث عن الحرب المدمرة التي يشهد غمارها الشعب اللبناني ،مالم ينصرف ذهنه الى وقائع الحرب الارهابية التي يتعرض لها الشعب العراقي ،والتي تفوق بخسائرها الغير معلنة اقسى حرب شهدها العالم ،فكل يوم يشتمل التقرير الامني على خلاصات تدور بين العثور على عشرات الجثث المذبوحة او المشوهة من جراء التعذيب او التمثيل ،او اختطاف العشرات من المواطنين العزل الذاهبين او الآيبين من والى اماكن اعمالهم او اسفارهم ،حيث يكون مصير معظمهم القتل على الهوية ،ولكل قصة من هذا المنوال ما يشيب من هولها الاطفال ،او جرائم التفخيخ التي يشهدها ويشهد عليها الشارع العراقي وهذه لاتحتاج الى تورية او اخفاء ،ناهيك عن جرائم الاغتيالات ،جرائم لاتخرج عن مفهوم الابادة الجماعية او الارهاب المستبد على القانون والنظام السياسي ،وذلك مفهوم يتعدى معنى التمرد على الدولة بكثير ،لان وبكل اسف قد تجاوزت تلك الجرائم الاوصاف القانونية والقضائية واستخفت كثيرا بالمؤسسات الامنية والعسكرية وتوابعها التي طالها الترهل والضعف العام حتى استحالت الى محل للرثاء من بناء الشعب العراقي الذين طالتهم تلك الكوارث شخصيا او ضمنيا.
اذا كانت اسرائيل قد استمدت شرعة القتل للشعبين اللبناني والفلسطيني من وصايا حاخاماتهم التي تامرهم بقتل النساء والاطفال ،كونهم (موالون للعدو)كما ورد ذلك اثر انعقاد مجلسهم قبل مجزرة قانا ،فان شرعة قتل اتباع اهل البيت في العراق قد خرجت من ذات الوعاء القذر حين اباح حكماء الارهاب قتل الجيش والشرطة والعمال والموظفين والطلبة وزوار العتبات المقدسة والنساء والاطفال ،بتهمة انهم (موالون للعدو)فيما جلس اعداء العراق الحقيقيين مطمئنين منتشين على صوت الهلع اليومي ومشهد غزير الدم والدمع العراقي .
لقد صار هذا الواقع المر هاجس القوى الوطنية العراقية ،ومصدر قلق المرجعية الدينية العليا ،مما حدى بالامام السيستاني الى اصدار بيان متفرد في نوعه وموضوعه وزمانه جاء فيه( بقلبِ يعتصر حزناً وألماً أتابع أنباء ما يتعرض له أبناء الشعب العراقي المظلوم يوميّاً من مآسٍ واعتداءات : ترويعاً وتهجيراً , خطفاً وقتلاً وتمثيلاً , ممّا تعجز الكلمات عن وصف بشاعتها وفظاعتها ومدى مجافاتها لكل القيم الإنسانية والدينية والوطنية. ولقد كنت ـ ومنذ الأيّام الأولى للإحتلال ـ حريصاً على أن يتجاوز العراقيّون هذه الحقبة العصيبة من تاريخهم من دون الوقوع في شرك الفتنة الطائفية والعرقية, مدركاً عظم الخطر الذي يهدّد وحدة هذا الشعب وتماسك نسيجه الوطني في هذه المرحلة, نتيجة لتراكمات الماضي ومخططات الغرباء الذين يتربصّون به دوائر السوء ولعوامل أخرى . وقد أمكن بتضافر جهود الطيبين وصبر المؤمنين وأناتهم تفادي الانزلاق إلى مهاوي الفتنة الطائفية لأزيد من سنتين, بالرغم من كل الفجائع التي تعرّض لها عشرات الآلاف من الأبرياء على أساس هويّتهم المذهبيّة. ولكن لم ييأس الأعداء وجدّوا في تنفيذ خططهم لتفتيت هذا الوطن بتعميق هوّة الخلاف بين أبنائه, وأعانهم ـ وللأسف ـ بعض أهل الدار على ذلك, حتّى وقعت الكارثة الكبرى بتفجير مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام وآل الأمر إلى ما نشهده اليوم من عنف أعمى يضرب البلد في كل مكان ـ ولاسيّما في بغداد العزيزة ـ ويفتك بأبنائه تحت عناوين مختلفة وذرائع زائفة , ولا رادع ولا مانع).
الامرّ والادهى في هذا الواقع ان لقوات الاحتلال او (المتعددة الجنسيات ) تؤكد يوما بعد يوم عدم صدقيتها في ماتعلنه ادارتها من ادعاء بالتحضر والدفاع عن حقوق الانسان والبحث عن خارطة للعالم الجديد ،وقد استغرق ذلك ابسط مايمكن ان يتوهمه المواطن العراقي من ملامح الثقة بتلك القوات في بعض المناطق الساخنة من حيث تدري او لاتدري ،فوضعت اتعس خطة امنية ادت الى تدهور كبير في الامن ،فترى مثلا تحكمها بالقوات المسلحة الغير منطقي من حيث التوزيع والانتشار ،من ذلك مايجري في المحمودية ومناطق ناحية الرشيد واليوسفية وما يجاورهما ،حيث تمكنت القوات العراقية من بسط الامن فيها بشكل كبير من خلال وضع نقاط السيطرة والتفتيش في عمق تلك المنطقة الاستراتيجية التي يمتد تاثيرها الى منطقة الصويرة اذا يتحشد فيها الآن اكثر من الف ارهابي على حد قول المسؤولين في ذلك القضاء الذي يشرف على الطريق الرابط بين بغداد والمحافظات الجنوبية ،ولكن الغريب هو سحب تلك القوات من منطقة نفوذها ،مما فسح المجال للزمر الارهابية المسلحة بالسراح والمراح دون حسيب اورقيب مما حول بساتين تلك المناطق الى معاقل ومجازر للمختطفين .
ستيفن غرين (21 عاما) الجندي السابق في الفرقة المجوقلة 101 معتقل حاليا في كنتاكي ارتكب جريمة اغتصاب وقتل فتاة عراقية اضافة لفتل ثلاثة من افراد عائلتها في منطقة المحمودية ، في مقابلة اجريت معه قبل شهر من ارتكابه هذه الجريمة ان قتل الناس في العراق يشبه "سحق نملة".وقد كتب الصحافي اندرو تيلغمان المراسل السابق للصحيفة العسكرية الاميركية "ستارز اند سترايبس" في صحيفة "واشنطن بوست" الاحد انه اجرى معه عدة مقابلات في شباط جنوب بغداد. ونقل عنه قوله في احدى المقابلات "اتيت الى هنا لانني اردت ان اقتل الناس". واضاف غرين "الحقيقة ان الامر لم يكن كما كنت اتوقع ، اعني انني كنت اعتقد ان قتل شخص سيكون تجربة تغير حياة الانسان ، لكنني قتلت شخصا ولم اشعر بشيء). وتابع غرين ( قتلت شخصا رفض التوقف اثناء وجودنا عند نقطة تفتيش ولم اشعر بشيء). واوضح (هناك قتل انسان يشبه سحق نملة ، اعني انك تقتل شخصا ثم تقول ،حسنا لنذهب لتناول البتزا).
لقد شن نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي أعنف انتقاد، يوجهه مسؤول رفيع المستوى في الحكومة عربية، إلى إسرائيل واتهمها بارتكاب "مجازر" في لبنان.جاء ذلك اثناء القائه كلمة بالحفل التأبيني للشهيد الحكيم ، وقال عبد المهدي في هذا السياق "ماحدث في العراق يحدث الآن في لبنان.. اليوم هناك مجازر ترتكب في لبنان وفلسطين، هذه المجازر البشعة تنفذ عبر العدوان الإسرائيلي) وفعلا فان الجرائم التي ترتكب في العراق بايدي قوى الارهاب وعبر الاجتياح اليومي للمناطق الامنة في مدينة الصدر والشعلة وغيرها من الاماكن التي استقرت امنيا ،والجرائم التي ترتكبها اسرائيل في لبنان وفلسطين ، هي من سنخ واحد اساسه استباحة قتل المسلمين اينما وجدوا في عالم مبتلى بالهيمنة المطلقة للقوى الدولية التي تنظر بازدواجية بشعة للجنس البشري ،ففي الوقت الذي تتعاطف مع اسيرين اجتازا الخط الازرق وتلبسا بخرق دولي ضد السيادة اللبنانية ، تطلق يد اسرائيل لابادة شعب كامل بمباركة وتنسيق وغض نظر عما يجري من مآسي بحق الانسانية.الامر الذي دعى المرجع الاعلى الامام السيستاني الى ادانته لتلك الجدرائم وطالب المجتمع الدولي بفرض وقف فوري لا طلاق النار في لبنان فيما حذر الاطراف التي تعرقل الوصول الى تحقيق هذا الهدف من عواقب وخيمة ..فمتى يعي المنقادون الى الفتنة الطائفية والمتحالفين مع ايتام النظام البائد ،حقيقة الحقد والحملة الشرسة على الاسلام ،والتحرر من وهم الجاهلية العمياء ووهم إعادة الدكتاتورية والاحزاب الشمولية ،والتوحد بصدق نية مع الشعب بعد ان فتح احضانه للجميع ومد يد المصالحة ،كما تتجه الانظار الآن الى حزب الله لبنان الذي حمل على عاتقه مكابدات حرب عجزت (الامة العربية) عن الصمود فيها بضعة ايام،وتناسى الكثير من اولي الفتيا الانتماءات الطائفية ،متوحدا ولو عاطفيا مع قضية الشعب المبتلى بالهيمنة الاسرائيلية !!
https://telegram.me/buratha