المقالات

الصدريون ومغامراتهم... نظرة محايدة


كمال ناجي

سئل أحدهم ذات يوم عن حياد الكاتب فقال : بوسعك أن تكون محايدا مرموقا إما بإنكار الحقائق أو ذكرها لقارئك مثلما هي لكن إياك و أنصافها .. و لأننا في زمن يصعب فيه إنكار الحقائق و عدم الاعتراف بها لأن وسائل الإعلام و الاتصال الحديثة لم تترك بابا لحياد كهذا ، فالخبر و رائحة الخبر أو ما يشبه الرائحة تفوح بسرعة الضوء وصولا إلى أنوف القراء رغم أنوفهم و أنوف الكتّاب معهم أيضا . لأننا في زمن كهذا فليس بالطاقة و الوسع أن تنكر الحقيقة و لا مجال ولا مناص من الاعتراف بها . تحتل المواجهة بين الصدريين و الحكومة و كل الأحزاب المشاركة فيها مساحة للحديث سواء فيما يكتبه الكتّاب أو يتحدث به الناس . و كان الكثيرون من ذوي الوطنية و الإخلاص قد الحوا على ضرورة تجنب الخوض في هذا الأمر الذي ينتهي إلى إضعاف اللحمة الوطنية و توسيع الهوة بين الأطراف لاسيما التي كانت منضوية جميعها تحت ظل الائتلاف العراقي ، فالإلحاح على قضية الخلافات بين الأخوة سيسهم في تعميقها و توطيدها و ترسيخ مفاهيم لن تسهم في بناء الوطن و لا خدمة أبناء البلد لا سيما المكون الشيعي الذي عانى الأمرين على يد الحكومات السابقة منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة بصفقة مشبوهة بين البريطانيين و القوى الطائفية . و لكن للأسف الشديد لم يستمع الأخوة في التيار الصدري لهذا النداء العقلاني الذي كان اختياره ضرورة ملحة لأجل مستقبل الشيعة و خوفا من أن تنتهي الأحداث إلى كارثة أن يهدم الشيعة مكتسباتهم السياسية بأيديهم ، فراحوا يلحّون على إبراز خلافهم بل و عدائهم الشديد للأحزاب الأخرى التي لا تشاطرهم الرؤية السياسية ذاتها وهو أمر كان من المفترض أن يكون حالة صحية و طبيعية في أجواء النظام الديمقراطي .. بيد أنهم جعلوا من أحزاب السلطة لا سيما الشيعية و المجلس الإسلامي الأعلى على وجه الخصوص عدوهم رقم واحد . بتتبع بسيط للإعلام الصدري و خطابه و بالمقابل الإعلام و الخطاب للمجلس الأعلى يقف المرء على بون شاسع في أفق الرؤية و سعتها و تفاوت رهيب في أسلوب إدارة أزمة الخلاف و الوعي الذي تتطلبه . فالمرور السريع لأي قارئ الآن على مواقع و صحف و قنوات المجلس الإسلامي الأعلى لا و لن يجد كلمة واحدة تنال من الصدريين و رموزهم و لا تتعرض للنيل من شخصياتهم الدينية و السياسية أو تحاول وصمهم بصمة أو نعتهم بنعت لا يليق و لا يجدر صدوره ممن يتعالى عن سفاسف الأقوال و هذرمات اللسان و لغة الشارع و السوقة . و بالمقابل ليقم القارئ بقراءة و مطالعة أو الاستماع إلى منابر التيار الصدري و لير بنفسه ما وقفنا نحن و غيرنا عليه و هو ليس سرا ولا لغزا و لا حقيقة نكتشفها اللحظة . لن يظفر بغير لغة حادة و جافة تنحط إلى ألإسفاف و الابتذال و الوقاحة أحيانا كثيرة ، الشتم و السباب و اللعن و التشكي و التظلم و البهتان و الرمي بما لا يحسن بالمسلم رمي أخيه به .. لا توجد كلمة محترمة و لو مجاملة بحق رمز ديني أو سياسي لحزب مهما يكن حجم خلاف الصدريين معه فهو في النهاية مكون له جذوره و شعبيته و مريدوه و من يرغب في ولائه حتى الرمق الأخير و هو حزب إسلامي شيعي ناضل اغلب قادته نظام المقبور صدام و حملوا أرواحهم على أكفهم .. هذه حقائق إن أنكرها البعثيون و العفالقة و الصداميون و العلمانيون المتطرفون تطرف البعث و ... أخيرا الصدريون فهي لن تخرجنا عن الكلمة السواء و الحياد الذي اشرنا إليه في صدر المقالة لأنها محض حقائق كان الصدريون أنفسهم يقرونها في عهد صدام و أجزم بذلك لأنني كنت نفسي صدريا آنذاك ، مَن مِن العراقيين صدريين و غيرهم سيقوى على إنكار أنه كان يوما ما يجهد في متابعة إذاعة صوت العراق الثائر و يترقب نشرات الأخبار فيها ليستمع ولو لعملية واحدة تهدئ قليلا من ناره المتقدة في صدره ضد صدام و زبانيته .. ؟! الصدريون لا يترددون في النيل و الطعن من الرموز السياسية و الدينية للمجلس في مقابل أنك لم و لن تسمع كلمة واحدة تصدر في وسيلة إعلامية مهما كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية تابعة للمجلس الأعلى تتهجم على مقتدى الصدر أو على شيخ صغير من أصاغر الصدر نذر خطبته للشتم و السباب ضد الرموز السياسية للمجلس ولو كان ثمة شيء من ذلك فليتحفنا به الأخوة و نحن له من الشاكرين . أما ما تكتبه الناس – و أنا واحد من هؤلاء – فلا علاقة للمجلس بهم و لا علاقة لهم بالمجلس فهو تعبير عن مشاعرنا و تنفيسا عما يعتلج من دواخلنا و قد ظلمنا من قبل الصدريين و مليشياتهم .. أفلا يحق لنا حتى الشكوى مما فعلوه بنا ؟؟ ألا يحق لنا أن نسخط على من أوقع صواريخه على بيوتنا و هدم دكاكيننا و أحرق أسواقنا بحجة سخيفة هي مقاومة المحتل ؟ و أقول سخيفة بل هي السخافة بعينها فهذا المحتل هو الذي خلصني من نير العبودية لصدام .. هذا المحتل هو دون غيره من منحني حرية أن أكتب على هذه الصفحات .. المحتل هذا هو عينه الذي جعل الصدري يأخذ كامل حريته في فعل كل ما يراه بينما كان زمن الرهبة و الرعب يلوذون بالحيطان و أشباهها خوفا من قزم بعثي صغير .. أما سيمفونية الزيارات التي دعا إليها السيد الصدر رحمه الله و صلاة الجمعة فليتركوا الطبق مستورا كما يقال .. !أخيرا أحال الصدريون حتى المنابر في المناسبات الدينية إلى منابر استعداء و تعميق للعداء و الفرقة . و جزء مما دفعني لكتابة هذا المقال ما حدث أخيرا في السماوة من شجار في حيّنا المترامي الأطراف بين الناس الذين حضروا أكثر من احتفالية بمناسبة ولادة الإمام علي "ع" ففي ثلاثة مواكب نشب الشجار على اثر اعتلاء خطباء و شيوخ من الصدريين و راحوا ينظّرون على هواهم حدّ أن اعتبروا الحكومة الحالية و الأحزاب السياسية الشيعية – إلا هم بالطبع فهم قوم ذوو عصمة – أعداء لعلي بن أبي طالب ..!! فنفض بعض الناس أيديهم و قاموا يلعنون الساعة التي جاءوا بها إلى منابر أصبحت للشتم و التلفيق و كيل التهم بالباطل و شحن النفوس بالحقد و الضغينة مع أن أغلب هؤلاء من الناس البسطاء المستقلين الذين لا ينتمون لهذا الحزب أو ذاك .. يبدو أن الصدريين مازالوا يصطحبون الحالة السابقة لهم مع صدام و شعورهم بالنقص و الذلة و وفقا لبعض معايير علم النفس فإن شعاراتهم تعتبر تغطية لا واعية على الواقع النفسي لهم من قبيل الشعار الذي يدمنونه ليل نهار هيهات منا الذلة .. مع أنه شعار إنساني بمعنى أو بآخر يقوله أي إنسان و يردده أي شخص في شرق الأرض و غربها و هناك من أحالوا هذا الشعار إلى حيز التطبيق على عكس ما يفعلونه من تكريس نمطي ممل لشعار باهت نتيجة التكرار بلا فعل منتج سوى المزيد من الذلة و الصغار بامتياز . اعتقد إنه لا مجال للمقارنة بين المجلس الأعلى و الصدريين من جهة بعد النظر و الوعي المحنك المدعم بالتجربة و الممحص بفاعلية العمل السياسي الأكثر إدراكا للواقع الذي يتحلى به المجلس الأعلى و يعرف كيف يسيّر الأمور بشكل محسوب و دقيق في حين يفتقده بكل جدارة التيار الصدري الذي بدأ يدير لعبة الانتخابات من الآن بسذاجة متناهية حيث أقدم على خطوة متغطرسة في رأينا و غاية في المغامرة حين اتفق كل خطبائه و شيوخه على كسب ناخبين لهم بالطريقة الآتية التي تقوم على أساسين الأول : مقارنة الحكومة الحالية التي حققت النجاحات تلو النجاحات باعتراف حتى خصومها السياسيين بنظام صدام المقبور وهم لا يدركون الخطأ الفادح الذي يقعون فيه ، فبمنأى عن حقيقة أنها مقارنة لا تستند إلا على الوهم و الخيال و ليس سوى تلفيق و دعاية فأين حكومة صدام من أقدام حكومة السيد المالكي مهما كانت للبعض من ملاحظات على أدائها ، فإن الأهم هو ترسيخ ثقافة استعداء السلطة و التمرد ضدها لمجرد التمرد و التي رزح تحت وطأتها الشيعة قرونا عدة و كلفتهم الكثير و الكثير .. و الثاني : تصوير أنهم سوبرمان الفتح الخدماتي العظيم الذي ما أن سيجلس على كراسي المناصب الإدارية حتى تتحول الشوارع إلى ذهب مطعم بأرصفة من الماس النقي .. مع أنهم ذوو التجربة البائسة في المناطق التي سيطروا عليها و العمارة شاهد حي على ما نقول ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك