المقالات

العراقيون بين ثقافة البيعة وثقافة الإنتخاب


( بقلم : علاء الخطيب )

يدور جدل حاد هذه الأيام حول قانون إنتخاب المجالس المحلية في العراق, وقد حمل القاموس السياسي العراقي مفردات جديدة مثل القوائم المغلقة والقوائم المفتوحة والدائرة الإنتخابية الواحدة والمتعددة وغيرها, فيما يجد المواطن العراقي نفسه في خضم بحر لم يسبر غوره من قبل وثقافة تكاد تكون جديدة من حيث الممارسة والتطبيق , فعلى مدار عقود مضت تعرف العراقيون على ثقافة البيعة التي كرستها أنظمة الغلبة والأستبداد الدكتاتورية و (القصد هنا البيعة بمعناها السياسي لا معناها الحقيقي) ولم يحفل القاموس السياسي العراقي سابقا ً بمفردات كـ الأنتخاب والبرنامج الأنتخابي و المرشح والناخب وغيرها, فلكل ٍ من هذه المفردات معنى يكاد يغيب عن بال الكثير من المصوتين, وذلك لسببين الأول كوَّن َ هذه المفردات نابعة من صميم النظام الديمقراطي الذي لم يعرفه العراق منذ عقود طويلة, والثاني تراكم ثقافة البيعة في اللاوعي بأعتبارها عملية إنتخاب. والواقع أن هناك بون شاسع بين البيعة والانتخاب , فالبيعة هي علامة وإمارةٌ على معاهدة المُبايِـع للمُبايَع له ان يبذل له السمع و الطاعة فهي بمثابة العبودية والتسليم والمبايع يبايع سواء أكان المبايَع له يستحق أو لايستحق القيادة كما حصل في التاريخ الأموي على سبيل المثال, أو ما كان يجري إذبان حكم المقبور صدام فكانت النتائج 99% ففي عملية البيعة لا يحق للفرد رفض البيعة فالرفض يعني الموت, فالبيعة مأخوذة من البيع فهي عقد بين طرفين لايحق للمُبايِع فسخه لأن شرطه هو الطاعة والتسليم للقائد ( الولي) وحينما يفسخ المواطن العقد ( البيعة) يُعتبر ضالاً أو مرتداً , فالبيعة خيار أوحد لفرد وحيد أو واحد وهذا لايكون إلا لمن خصَّهمُ الله بذلك . فالبيعة التي تجري في بلدان الدكتاتوريات والسياسات المستنسخة تجري بطريقة الإقطاعيين ومُلاك الأرض فحينما يشتري الاقطاعي الأرض يشتريها بما فيها من فلاحين ومواشي وزراعة , وهذا ينطبق على نظام البيعة في أنظمة الغلبة والأستبداد , فالمواطن هو الفلاح في مثل هذه الأنظمة منزوع الإرادة مسلوب القرار أي أنه ليس بسيد فهو مبايـِع ومبيوع , وهنا تجدر الأشارة الى أن الحق في مثل هذه الحالة وهذه الأنظمة لايقع على الإقطاعي( السياسي) الذي يشتري الناس بشعاراته الخداعة فحسب بل الحق يقع على الفلاح البائع ( المواطن), الذي يعطي صوته الانتخابي بدون معرفة البرنامج الأنتخابي ( شروط البيع) وشخص المرشح ففي هذ الحالة فهو لا ينتخب بل يبايع وذلك لمخزون ثقافة البيعة في عقله الباطن و إعتقاده بأن التصويت بهذ الطريقة هي قرار وحيد أوحد ولا مساحة إختيار أخرى غير التي يحملها في عقله الباطن المُكرَس لثقافة البيعة.

أما ثقافة الإنتخاب فهي توفر مساحة إختيار واسعة للناخب فهي عملية إنتقاء الأصلح والأنسب بناءاً على البرنامج المقدم من المرشح وسيرته الذاتية وما قدمَ للوطنِ والأمة وهذا الذي لم يمارس في العراق, وإن مورس فقد كان فاقد اً للملامح وحاملا ً لجينات البيعة لا الانتخاب , وما حصل في العراق من قبل بعض الكيانات السياسية التي لاتمتلك رصيدا ً شعبيا ً أو عمقا ً جماهيريا كان مجرد استخدام للآلية الديمقراطية وليس عملية إنتخاب حقيقي مبني على قواعد الإنتخابات المعمول بها في بلدان العالم, بل هي بيعة على اساس الولاء والسمع والطاعة و ميثاق عهد يوجب على المحكوم ويفوَّض الحاكم,

ففي الأنتخابات الجديدة لمجالس المحافطات الأمر بيدو مختلفا ً عما قبل بوجود القوائم المفتوحة التي هي إيجابية مهمة على طريق ثقافة الانتخاب , فالشارع العراقي يبدو متحفزا ً بعد ان ترسخت العملية الديمقراطية أكثر من ذي قبل و بعد مرور عدة سنين على إطلاقها جعلت المواطن أكثر خبرة ًومعرفة في ممارسة العملية الإنتخابية , , فيما سيزداد المُرشح خبرةً ودرايةً ويتحمل مسؤولية أكبر ما دام هو في قائمة مفنتوحة واسمه هو من يواجه الشعب, وستتمخض الانتخابات القادمة عن مولود جديد لا يحمل الصفات الوراثية القديمة, وعندئذٍ سنكرس ثقافة الانتخاب بدلا ً من ثقافة البيعة وسيعَّي المسؤول أنه ممثل للشعب لا الى كتلته السياسية أو طائفته الدينية أو قوميته وأن الذين أنتخبوه هم أصحاب القرار في منحه شهادة النجاح أو الفشل فهذه إنتخابات لا بيعة كما يتصور هو أو يصور للناس ذلك . من هنا فقد عمدت كتلة سياسية كبرى وذات قاعدة شعبية كبيرة الى إختيار مرشحين غير محسوبين عليها ولا منتمين لها, وكان شرطها الأساس هو الولاء للوطن والايمان بالعملية السياسية والكفاءة والنزاهة والقبول الجماهيري والتحصيل العلمي ثم يصوت على المرشح بتصويت أولي بمثابة جولة أولى من الانتخابات في دائرته الانتخابية بعد ذلك يعرض على الشعب كمرَشح ,وهذه العملية تعد ايجابية وارساء لدعائم ثقافة الانتخاب دون الاخذ بالنظرة الحزبية الضيقة والقوقعة الطائفية . وهي بذات الوقت خطوة لتكريس وتدعيم العملية الديمقراطية وترسيخ دور المواطن في هذه العملية وإشعاره بدوره المهم في تغير المعادلة وتصحيح المسار من خلال صوته الثمين والثمين جدا ً , فالصوت الواحد يغير ويبدل الكثير في الحسابات الأنتخابية ولا تغير الاصوات مهما كثرت عملية الرفض في البيعة .

علاء الخطيب / أكاديمي عراقي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك