المقالات

استهداف المرجعية الدينية شهادة لها وليس عليها


( بقلم : احمد عبد الرحمن )

يتذكر الكثيرون ردود الفعل الشعبية الغاضبة التي اجتاحت العراق ومناطق اخرى من العالم الاسلامي حول التجاوزات التي انطلقت من لسان احد النكرات في برنامج حواري على قناة الجزيرة الفضائية القطرية اواخر عام 2005، وتحديدا قبل موعد الانتخابات البرلمانية العامة بيومين، ضد اية الله العظمى السيد علي السيستاني.ولم يكن خافيا انه اريد من وراء تلك التجاوزات شيء، وحصل شيء اخر مختلف تمام الاختلاف عن الهدف المنشود، وكان حدث التجاوزات، بمجمله مصداق للاية القرانية الكريمة "المكر السيء يحيق بأهله"، فبدلا من ان يصبح الشخص الذي تجاوز على المرجعية ووصفها بأوصاف سيئة والصق بها تهما زائفة، نجما على شاشات القنوات الفضائية والصحف الواسعة الانتشار توارى عن الانظار ولم يتجرأ على الظهور مرة اخرى او الادلاء بتصريح او كتابة شيء ما في هذه الصحيفة او تلك، وبدلا من ان تحقق قناة الجزيرة سيئة الصيت والمنهج مكسبا مهنيا، وترفع من رصيدها الاعلامي، فأنها فقدت جزء مما لديها من رصيد، حتى انها فشلت في استيعاب او احتواء الحملة الشعبية الواسعة عليها، واثرت الانحناء لتلك العاصفة المدوية، لان القائمين عليها ايقنوا ان المعركة التي اطلقوا رصاصتها الاولى كانت خاسرة بالنسبة اليهم منذ لحظاتها الاولى. هذه الواقعة كانت كافية للتدليل على مدى حجم وموقعية وتأثير المرجعية الدينية كمؤسسة وكأشخاص في العالم الاسلامي على وجه العموم، وبدرجة اكبر في داخل الكيان الشيعي.

ولكن يبدو ان هؤلاء الذين يحاولون اثارة الزوابع بين الفينة والاخرى على ذلك الكيان ورموزه الكبار، لم يكلفوا انفسهم قراءة التأريخ القريب والبعيد بتمعن وتأن حتى يتجنبوا تكرار اخطاء الذين سبقوهم.وقد لاتخرج حملة التشويه الاخيرة، التي تبنتها بعض وسائل الاعلام المقروءة والالكترونية عن هذا السياق، فهذه الحملة اذا كانت قد اختلفت عن سابقاتها من حيث الشخوص فأنها لم تختلف من حيث المنهج والاسلوب وضحالة الخطاب، وهبوطه الى مستوى متدن من الناحية الاخلاقية والقيمية، ذلك الخطاب الذي هو في الواقع تعبير وانعكاس لمستوى اصحابه ليس الا، ولم تختلف من حيث الاهداف والنوايا والاجندات.

ولاشك ان القراءات التأريخية الموضوعية والدقيقة تكشف بوضوح الادوار التأريخية المشرفة التي اضطلعت بها المرجعية الدينية ككيان ديني سياسي ثقافي اجتماعي في الدفاع عن استقلال وسيادة وكرامة الاسلام والمسلمين بشكل عام، والعراق بشكل خاص بأعتباره يمثل جزءا حيويا ومهما من العالم الاسلامي.ومنذ ثورة العشرين التي اندلعت ضد الاحتلال البريطاني قبل ثمانية ثمانين عاما فأن حضور المرجعية الدينية الايجابي والفعال في كل المنعطفات الحادة والخطيرة كان حاسما في توجيه مسارات الامور بالشكل الصحيح، فبالنسبة لكل الحركات الوطنية لم تكن المرجعيات الدينية والمراجع العظام بعيدين عنها.فثورة العشرين قادها مراجع الدين، والمواقف الوطنية المختلفة ضد الاحتلال البريطاني انطلقت في واقع الامر من مؤسسة المرجعية الدينية، والوقوف بوجه محاولات اثارة الفتن ودق اسفين الصراعات والخلافات والاحتراب بين مكونات المجتمع العراقي، جاء بالدرجة الاساس من مراجع الدين في النجف الاشرف.

ولايمكن لاي مؤرخ او محلل او متابع موضوعي لاحداث العراق ان يتغافل عن ذكر اسماء بارزة وشهيرة مثل اية الله العظمى المجدد الشيرازي، واية الله العظمى السيد محمد سعيد الحبوبي، واية الله العظمى محمد حسين ال كاشف الغطاء، واية الله العظمى السيد ابو الحسن الاصفهاني، واية الله العظمى السيد محسن الحكيم ، واية الله العظمى الشهيد محمد باقر الصدر، واية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي، واية الله العظمى الشهيد محمد محمد صادق الصدر، واية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم، واية الله العظمى السيد علي السيستاني (حفظه الله)، واخرين غيرهم، فهؤلاء هم من صنعوا بمواقفهم ومناهجهم ورؤاهم الوطنية الصحيحة ، التأريخ الوطني المشرف للعراق، ودافعوا عن قيم الاسلام المحمدي الاصيل بصدق واخلاص، وتحملوا جراء ذلك مختلف انواع الاذى.ولم يسلم أي من تلك الاسماء الكبيرة من التشهير والاساءة والتشويه بأساليب ووسائل وطرق مختلفة، سواء في حياته وخلال تصديه لزعامة المرجعية ووقوفه بوجه الظلم والاستبداد ايا كان عنوانه ومصدره، او بعد مماته او استشهاده.

ولعل الحملة الاخيرة التي استهدفت المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني، ومراجع دين وعلماء ومجاهدين كبار، مثل المرجع الكبير السيد محسن الحكيم (قدس سره)، لاتخرج تلك الحملة عن سياق الاستهداف المبرمج والموجه من قبل دوائر معينة تتبنى اجندات سيئة. من يستطيع ان ينكر الدور الفاعل الذي لعبه السيد السيستاني في احتواء الفتنة التي كادت ان تعصف بالعراق وابنائه، ومن يستطيع ان ينكر الدور الفاعل والكبير له في توجيه العملية السياسية في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام وخضوع البلد للاحتلال، بالاتجاه الصحيح في ظل التحديات الخطيرة التي واجهتها البلاد، ومن يستطيع ان ينكر حقيقة انه لولا حكمة المرجعية الدينية التي تجلت بكل وضوح خلال الاعوام الخمسة الماضية، التي ربما تكون من اكثر الفترات حساسية وخطورة في تأريخ العراق الحديث، لولا حكمة المرجعية لكان العراق اليوم بكل مكوناته وفئاته وطوائفه في مهب الريح.

ان الحملات التشهيرية والتشويهيه للمرجعية الدينية تعبر في واقع الامر عن جانب من الحيف والظلم الكبير التي تعرض ومازال يتعرض له هذا الكيان، وتعبر في ذات الوقت عن طبيعة دورها الحقيقي المؤثر في توجيه مسارات الاحداث، وهي لو لم تكن كذلك لما بقيت سهام التشهير والتشويه توجه اليها بأستمرار من كل جهات السوء.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك