بقلم: يوسف أباالخيل
رفضت هيئة علماء المسلمين وهي أكبر الأحزاب (السياسية) السنية في العراق خطة المصالحة الوطنية التي طرحها مؤخراً رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، مبررة رفضها لها بأنها كما وصفتها على لسان القيادي البارز في الهيئة مثنى حارث الضاري «ليست سوى حملة علاقات عامة لتلميع صورة الحكومة»، وكانت الهيئة قد رفضت من قبلُ كافة المبادرات والمحاولات التي تقدمت بها الحكومة العراقية السابقة والأحزاب السياسية والشخصيات النافذة في الفسيفساء العراقية لحلحلة الوضع العراقي الراكن في الوحل الإرهابي منذ ثلاث سنوات مبررة رفضها لكافة تلك المحاولات بمبرراتٍ من جنس ما بررت به رفضها للمبادرة الأخيرة. يأتي تأثير رفض الهيئة للمبادرات الوطنية على المشهد العراقي من حقيقة أنها أكبر الأحزاب (السياسية) السنية العراقية وأكثرها من ثم هيمنة على المشهد السني وأنها عندما ترفضها فذلك يعني أنها مرفوضة لا محالة من كافة الأحزاب والتجمعات السنية الأخرى وهو ما يعني أن موافقة الجانب السني عليها مرهون بموافقة الهيئة عليها بالضرورة. وإذا كنا نعرف أن من بديهيات السياسة أنها «فن الممكن» الذي يعني الحصول على الحد الأدنى من المطالب والشروط لأن ذلك هو السبيل الوحيد لحصول بقية اللاعبين السياسيين في المشهد السياسي على حد أدنى مما يطالبون به، فإن رفض الهيئة لكافة مشاريع الوئام الوطني التي طُرِحت من قبل يعني أنها لن تقبل بأية خطة تضمن لها جميع مطالبها وأنها تريد بالتالي الحصول على كل شيء أو رفض كل شيء، وهو سلوك عدمي لا وجود له في عالم السياسة الحقيقي ولن يؤدي رفضها المتكرر لمثل تلك المبادرات إلا إعطاء مزيد من الفرص لتمزيق لحمة المجتمع العراقي بإطالة زمن الأزمة وما يترتب عليها من تكاثر للفطريات الإرهابية وإعطائها مزيداً من الفرص لمواصلة نخرها للعظم العراقي. تكمن الدوافع الحقيقية وراء تصلب مواقف الهيئة المنبعثة من خلف اللاشعور السياسي الذي يحركها أن جلَّ أعضائها النافذين كانوا من أبرز المحسوبين على النظام البعثي السابق، ونتيجة لوضعهم آنذاك الذي كان هو الآخر نتيجة لأن النظام السابق لم يكن يمارس السياسة وفق الأطر المتعارف عليها لإدارة المجتمعات المتعددة الأثنيات والأعراق والطوائف فقد وجدوا أنفسهم في وضع لم يعتادوا فيه على تقاسم الكعكة السياسية مع آخرين، إذ كانت الطوائف والمذاهب والأعراق الأخرى مهمشة تماماً في عهد النظام السابق، وكان أعضاء الهيئة إذ ذاك أو جلهم في وضع قادرين فيه على فرض مبدأ اللاءات التام الذي يترتب عليه إما الحصول على كل شيء أو الرفض التام لكل شيء (المسألة هنا نسبية مقارنة بالطبقية التي قام عليها النظام العراقي السابق) وهم بالتالي عندما وجدوا أنفسهم في وضع سياسي جديد يعتمد على مبدأ «خذ بعض ما تطالب به وتنازل عن البعض الآخر» فقد بدا وكأنهم غير قادرين إطلاقاً على ممارسة السياسة في وضعها الجديد، وهم يدركون بالطبع أنهم لن يستطيعوا فرض ذلك المبدأ إلا مع عودة النظام السابق وعودته دونها خرط القتاد لو كانوا يعلمون، ومن المهم هنا أن نذكِّر أعضاء الهيئة ومتنفذيها أنه بغض النظر عن سلبيات الاحتلال بل وجرائمه التي دائماً ما تتذرع بها الهيئة لإجهاض أية مبادرات إصلاحية، أقول بغض النظر عن هذا كله إلا أن عودة النظام السابق لن تتم أبدا، لأن عقارب الزمن لن تعود إلى الوراء، وإذا كان من بين العراقيين ومن كل الطوائف من يتألم من وجود الاحتلال ونزواته وجرائمه ويتمنى رحيله عاجلاً فإنهم رغم ذلك أشد حساسية عند الحديث عن رجوع النظام السابق الذي له مع كل بيت وعائلة وطائفة ومذهب ممن لم يوافقه نزواته قصة محزنة، هذه الحقيقة وإن بدت مؤلمة للهيئة إلا أنها واقع مفروض، ويجب عليها بالتالي أن تتعامل معها كحقيقة لا مفر من الإقرار بها، إن ما مضى لا يمكن أن يعود، ومن الرشد السياسي أن تحاول الهيئة إقناع نفسها ومن يدور بفلكها أن المكان لم يعد محتكراً من قبل طائفة وحيدة أو مذهب بعينه، وأنهم إذا كانوا يمنون أنفسهم بعودة النظام العراقي فإن الأكثرية ممن يشاركونهم التراب العراقي لن يسمحوا بمثل تلك العودة مهما أسرف الاحتلال في عبثيته لأن القادم سيكون أسوأ من سابقه، ومبدأ «الحصول على كل شيء أو رفض كل شيء» ذهب مع ذهاب النظام السابق، ومثلما أنه لن يعود النظام السابق فإن هذا المبدأ هو الآخر لن يعود مرة أخرى لأن دون عودته هو الآخر خرط القتاداشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha