المقالات

ابو عباس ..!  

2007 2020-07-12

محمد وناس ||

 

مثل كل ابناء الفرات , كان ابو عباس يعتمر العقال الفراتي الغليظ تاركا فراغ صغير بين طيتيه بقامته , القصيرة ودشداشته السمراء المقاربه لسحنه وجهه المحمره من تقادم الزمن عليها .

يبيع المشروبات الغازيه ( البارد ) في حوض بلاستيكي عند طرف شارع الموكب بجوار عشتار .

كنا صغارا لا نعرف الخطوط الحمراء ,حرص اهلنا على ان لا ندخل الاثار ولا نقترب من الفرات الا برفقتهم خوفا  علنيا .

مع كل محاولاتهم لمنعنا كنا نسرق اللحظات التي تغفل عيونهم عنا كي نسرع للفرات او نذهب الى المدينه الاثرية. ومساء حين نعود نهيئ انفسنا ل (قاط خفيف ) مع توبيخ يحمل نفس العبارات كل مره من الوالده رحمها الله .

في يوم الجمعه استفيق قبل الوقت كي اهيئ نفسي للذهاب الى الاثار  بشكل رسمي حسب اوامر الوالد وبرقته .

نجلس قليلا مع ابو عباس . يستفزه والدي بسؤال من هنا او اشارة من هناك  لينطلق هذا الشيخ السبعيني بسرد حكاياته عن  عشيقته عشتار . وعن وطنه بابل .  لا يوقف حديثه الا السائحون الذين يشترون منه المشروبات فينطلق ابو عباس بلغه الانجليزية مغردا كعجوز لندني  . او بالألمانية بلا تعثر فتحسبه مولدا في برلين يثير في نفوس السائحين كل ما في داخلي من اساله . فاغتم الفرصه كل مره وأعيد عليه نفس السؤال كيف تعلمتها يا جدي ابو عباس . ويجيبني نفس الاجابة كل مره .... يا صغيري خمسون عاما من العمل معهم قسمتها بين الاثنين بالتساوي جعلتني اجيد لغتهم . حتى اصبح الباحثون يأتون لسؤالي عن تفاصيل كثيرة عاصرتها او عن اسماء عملت معها . خمسون عاما وانا افتش بين حجارة هذه المدينة  اعرف كل جزء فيها وكل صخره  بل اني استطيع ان ارسم لك ما نقش على كل جدار في هذه المدينه . احفظها كاسمي . احصيت تفاصيلها اكثر من جسمي . بكل بساطه يا صغيري هي بيتي وحياتي وحين اخرج منها اجدني مشدود لها بكل وجداني , لا اقوى على فراقها .

اعرف كل من حكموا فيها , وهم ايضا يعرفوني ويأتون لزيارتي ليلا في احلامي . ارافقهم في تجوالي بين جدران القصور اكلمهم ويكلموني . حتى اني صنعت لهم في مخيلتي صورا تليق بهم . تشبه تماثيله المطرزه على الجدران .

يستفزه والدي مره اخرى ومن هو اكثرهم قربا الى قلبك  يا حاج ابو عباس .

يسحب كيس التبغ ليصوغ منه سيجارة ماسحا بطرف لسانه على جانبها ,  ومع اطلاقه لأول سحابة دخان من لفافته ينشد اسمها .. انها عشتار . الهة الحب والجمال . سيدة بابل والفرات...

فينطلق ابو عباس بصوته الهادر منتفضا ... اتعلم لما اتخذت هذا المكان محلا لجلوسي دائما بعد تقاعدي من العمل في التنقيب يا ولدي ...؟؟؟؟؟

كان هنا في نفس هذا المكان تمثال لمعشوقتي عشتار . في اول شبابي وبدايات عملي كنت ضمن الفريق الذي رفع هذا التمثال ولفه بالقطن والقماش وضعته في حوض سيارة حملته الى مكان مجهول . لم اكن حينها مغرم ولم اكن اعلم ان عشتار قد سلبت قلبي مثل كل من عرفوها قبلي . .

كان عزائي ان تمثالا اخر لها في الطرف المقابل لشارع الموكب مازال موجودا .  احدق فيه كل يوم اتفحصه كل ما سنحت لي الفرصه .

بداء عشق عشتار يغزو روحي فصرت اغازل التمثال في الذهاب والإياب . مره احتضنه ومره امسح التراب من فوقه .

وحين يستولي علي التعب اجلس في مكاني هذا وأراقب عشتار وهي تؤدي رقصتها المقدسه امامي , بثيابها المطرزه بالجواهر , تهتز روحي طربا لطيفها حتى وصل بي الحال ان اسمع صوتها وضرب الاوتار على قيثارتها . نعم قد تكون خيالات اخترعتها من هوسي  لكني اقسم اني عشقتها حد الجنون .

وفي احد ايام  السبت وبعد عطله الاسبوع حظرت لأجد ان التمثال الاخر قد اختفى .  رفعوه مثل سابقه في يوم استراحتي . ليستقر في بغداد في المتحف الوطني .

يا ولدي عشتار كانت حلمي .وعشقي وسيدتي

وهذه الصخور موطني وبيتي .

توفي ابو عباس وعشقه لعشتار لم يمت . وكل ما ذهبت الى اثار بابل اقف في محل جلوس ابو عباس  وأحاول ان اتخيل عشتار كما رسمتها كلمات ابو عباس   وحين اتجول مع ابنائي اليوم في موطني ومسقط راسي افتش في مابين الجدران عن تلك الجميله عشتار  التي عشقتها من حكايات الجد ابو عباس

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك