لي صديق تعرفت عليه في وقت مبكر من حياتي وتحديدا في يوم ٥/ ٥/ ١٩٦٧ اي في مثل هذا اليوم ولكن قبل ما يقرب من نصف قرن!!
تميز صديقي هذا بالبر الشديد بي، ورغم اني اصطفيته دون جميع الاصدقاء الا انني وبصراحة اجافيه احيانا دونما ذنب منه ولا تقصير، ولكنه لم يجافيني ابدا، فاذا جلست اليه لا يمل مني حتى افارقه وانا ممتن له مما يسديه لي من منافع لا تحصى، واذا انصت له راح يفيض علي بكل ما اتوق اليه، وبطبيعته انه لا يترك لي خيار تركه لانه يشدني اليه ويجتذبني نحوه فهو ان تكلم كان مفيدا وان حدثني كان ممتعا وان همس في اذني سحرني بعالم لا اجده عند غيره.
حدث اني سجنت عدة مرات وفارقته مجبرا بجسدي ولكن حنيني اليه كان عظيما وشوقي اليه كان عميقا بحيث انه كان ياخذ بلبي، وذكراه هي التي اسرتني واخذت بمجامعي كلها، ولك ان تتصور ان لحظات العذاب الشديدة التي قضيتها تحت يد الجلادين الصداميين كانت ذكراه هي التي تمدني بالعزم والثبات، وكان ما تعلمته منه هو الذي جعلني اصبر واتحمل رغم ان ما رايته في حفلات التعذيب لم يره الا قلة من الناس.
حينما هاجرت من العراق هاجر معي وعجيب امره في هجرتي فلقد كنت محتاجا فاعطاني بدون منة؟ وكنت فقيرا فاغناني من دون شحة، أبى الا ان اكون عزيزا فابعدني عن كل مواضع الذل والمهانة، ارتقى بي الى درجات كنت انظر منها الى العالم حولي بحنو وعطف وبمسؤولية وبجد اذ لم يقبل ان اكون تافها همي هو ان اكل واشرب واثرثر وانام، بل كان حريصا على ان اتحول الى انسان جاد ينظر الى الحياة نظرة من يملك كل هذه الحياة وعليه ان يحافظ عليها كي لا تدنس بلوث الذين يريدون تدنيسها.
رحلت الى بلدان عدة، في جبال دزلي ومريوان ونقدة وسقز وسنندج وفي اهوار الطبر وبحيرة ام النعاج ونهر جاسم والصالحية وفي طهران وبيروت ودمشق وفي موسكو وفينا وبروكسل واستوكهولم وفرانكفورت وكوبنهاكن كان معي، سياسيا او مقاتلا، دبلوماسيا او عقائديا كان معي يمدني بكل اسباب القوة ويبرهن لي بان حقي يجب ان انتزعه وابقى ثابتا لا اتزعزع.
عدت للعراق فعاد معي ورافقني في كل السنوات العجيبة التي عشتها في بغداد لم يقبل ان يفارقني ابدا رغم افخاخ الموت التي كانت تدبر لي بل ظل نصوحا بلطف ولطيفا بجد. ان وجدني ضجرا راح يعطيني من مرح حياته الكثير حتى يخرجني من الضجر.
وان وجدني ملولا راح يفيض علي من كل افياء اللطف كي يخرجني من الملل. وان وجدني جادا مستعد الذهن والقلب راح يحدثني بحديث الاكابر بأفانين الحكمة والمعرفة، بحيث ان حاجباي ما نزلا الى مكانهما لهفة للاسراع لتلقف ما يتحدث به.لم يرتض لي لونا واحدا من مكارمه بل نوّع لي هذه المكارم فاعطاني من كل اريج شمة ومن كل عطر عبقا.
قلت له يوما اريد ان اضحك فاترعني ضحكا
قلت له اريد ان ابكي فهزني وجدانيا فلم يدع في مقلتي دمعة الا وانزلها.
قلت له اريد ان اكون فاهما لحياتي فجلس بصبر تعجز عنه الجبال يحدثني عن كل ما ينبغي علي ان افهمه.
قلت له احب ان اكون وجداني الهوى فأنهل علي من العواطف انبلها ومن القيم اصفاها.
عجيبه انه كان كبيرا كلما اردت ان اكون كبيرا، وحينما اريد ان اتصابى كان يتصابى معي بوقار يشدني اليه.وميزته ان من كان يراني معه يكبر موقفي في عينه ولا يعيبني على التزامي به حتى الذين لا يعرفوه بل هم في دواخلهم يتوقون لهذا الصديق، ولكنهم اهل ملل فكانوا لا يرافقوه.
واتذكر ان المرحوم المقدس الوالد ره راني معه ساهر الليل في اوائل شبابي وانا في حال هيام به فسره ذلك كثيرا حتى انه كافئني بان احجّ معه ويومذاك اي في عام ١٩٧٣ كان حج الشباب نادر جدا.
صاحبي هذا يرافقني يوميا من الساعة الثالثة قبل الفجر موعد بدء يومي ويبقى معي طوال ساعات عملي المعتاد ولو رأى التزاما لي مع اخرين او في خارج البيت يبقى ينتظرني بشغف، ولو رقدت بعد منتصف الليل كعادتي يوميا كثر ما كنت احلم به حتى اذا ما جلست ولطالما انهضني قبل موعد يقظتي المعتاد فان عيوني تتفتح لاجده ينتظرني.
من اروع اخلاقياته انه لم يمارس غيبة الاخرين ولم يغتبني عندهم ابدا، وكان دؤوبا في دعوته لي ان لا الوث لساني بقذارتها فهي كما قال الله تعالى اكل لحم الاخ الميت.ولم يمارس النميمة بل كان يدعوني ان لا اقارفها لانه لا يجدر بي ان اكون منشغلا بما لدى الناس فما لدي احوج في ان انشغل به.ولم يكذب علي في مرة، رغم ان بعضهم قد يكذب باسمه الا انه ظل يبرر لي كل ما من شأنه ان لا ادنس لساني به.
كان نصوحا بصدق.وعطوفا بحنان.ورؤوفا برقة.
ان اخطأ ونصحته التزم وصحح خطأه، وان اخطأت ينصحني ولا يتركني بحال الخطأ.
اسأل الله ان لا يحرمني منه ما بقي في قلبي نبضة وفي رئتاي نفس.
صديقي هذا ليس اسطورة وهو ولا شك ليس خيالا.بل هو حقيقة يمكن لك ان تطورها في نفسك فتجده معك كما كان معي.
صديقي هذا اسمه من اربعة حروف ويمكنك ان تعثر عليه في الصورة المرفقة
https://telegram.me/buratha