باقر العراقي
ثمة أمور ترغمنا على عدم تخطيها, عند بحث موضوع السياسة العامة للدول, ومنها الولايات المتحدة, والتي تعتبر من بديهيات العمل السياسي, وهي أن مصالح الدولة فوق كل المصالح الأخرى.
لم يتوقع كثير من المتابعين, أن امريكا ستسقط نظام صدام, نظرا لتجاربها السلبية السابقة مع شعب العراق, وخاصة أبان الانتفاضة الشعبانية عام 1991, فلا حماية حقوق الانسان, ولا الاسلحة النووية, ولاغيرها مما ذكر هي فعلا الاسباب الموجبة لاسقاط النظام في العراق, او الانظمة العربية التي انهارت بعد ذلك.
اليوم وبعد مرور 12 عام على تغيير النظام, لم يتحسن حال الدولة العراقية, ولا الشعب, لو اخذنا بنظر الاعتبار كل طبقات الشعب, وكل طوائفه, "ماعدا الطبقة الارستقراطية الحاكمة".
لقد تخطينا معا كحكومات وشعب, سنوات التغيير السابقة, بكل سلبياتها وجراحها وآلامها, وكشعب مهجر ومهاجر الى الغرب, ومشرد داخل ارضه, خرجنا منكسرين لا منتصرين, رغم رؤية ضوء الامل في نهاية النفق, بأن الشعب سينتصر.
أمريكا تبحث عن اصلاح البلدان, ودمقرطة دول العالم الثالث, هذا مايقوله مسؤولوها...! أما الواقع فيقول أنها تبحث عن عن مصالحها, ولاوجود لمصالح غيرها, حتى وأن كانوا أصدقاء -حلفاء او حتى عملاء.
اذن لماذا تكون بوصلة المسؤول العراقي متجهة بأستمرار صوب السفارة الامريكية؟ هل هو تقليد أعمى متبع ؟ منذ الاحتلال الأمريكي أو التغيير السياسي بعد 2003, أو توجه لا أرادي بحكم القوة والسيطرة الامريكية...!
مثلا هذه الايام تغيرت المعادلات, وتغيرت موازين القوى في العالم, ومعها تغيرت مصالح الدول, الا العراق بقي على حاله..!
روسيا أصبحت اللاعب الأقوى على الأرض في سوريا, وربما في العراق مستقبلا, وتراجعت معها تصريحات مسؤولي الولايات المتحدة, فبوتين تكلم بصراحة بهذا الموضوع, ولا يلاحظ من خطابه خشيته من ردة فعل المقابل, فمصلحة بلده تتطلب ذلك.
بالامس تحدث الرئيس الايراني روحاني بحرقة والم ولغة لاذعة, وانتقاد مباشر للسعودية, على مقتل الحجاج الايرانيين, وكرر قوله بانه يمثل شعب عظيم, وهو الشعب الايراني, وملامحه تدل على مدى الغضب العارم الذي يخالج حركات وجهه, أثناء القاء كلمته في الجمعية العامة للامم المتحدة, والسبب لأنه المؤتمن الاول على مصالح شعبه, فأين نحن من هذا التغيير في العالم..؟
مع كل هذا التغيير, يبقى المسؤول العراقي وبأعلى مراتب السلطة الحاكمة, بعيدا عن مصلحة بلده, ويستمر بتقليده الأعمى, ليتبع من أضر بالعراق أرضا وشعبا وحكومات متعاقبة, ولم يتعظ من تجارب من سبقه بالحكم مع الامريكان, ولم تهز ضميره الدماء التي أريقت, أو المليارات التي ذهبت هباءا للتسليح, سواء الظاهر منها, كصفقة طائرات أف 16 الامريكية, او غسيل الاموال او العقود او مشاريع الكهرباء الوهمية.
الاصلاحات التي وعد بها المسؤول العراقي, والوعود والعهود التي قطعها على نفسه, وأمام الله والشعب, وسيموت في سبيلها,لم تحصل, ويأس الشعب منها, ويؤكد أنها لن تحصل مستقبلا.
التحليل السياسي يسقط هنا, وإستشراف المستقبل يصبح وهما, وحتى فسحة الأمل قد تختفي, أمام مسؤول لا يعدو كونه الا راعيا لمصالح الغير, فكلام اليوم يفضحه فعل الغد.
المسؤول الذي يرى مصالح وطنه وشعبه من خلال ما يراه له الاخرون, أو ربما مصلحتة الفئوية, يجبرنا على ان نقول: ان من يدعوا لهذه الاصلاحات المزعومة قولا ولا ينفذها فعلا, هو احد أدوات (الاصلاح) الامريكي في العراق المخرب...!
https://telegram.me/buratha