( بقلم : علي حسين علي )
منذ سقوط النظام البائد الاستبدادي الصدامي وحتى يومنا هذا فان القادة الوطنيين كانوا وما يزالون مصرين على استقلالية القرار العراقي، وعلى تغليب مصلحة العراق على غيرها..وقد تأكد ذلك جلياً بعد تسلم السيادة في ربيع عام 2004، وحرصت الحكومات التي تولت أمر العراق بعد الانتخابات الأولى مطلع عام 2005 والاستفتاء على الدستور ثم الانتخابات العامة في صيف وشتاء عام 2005 على ان تنحو بالبلاد بعيداً عن الصراعات الأقليمية، وعملت قياداتنا الوطنية بجل جهدها أن تخفف من تأثير الصراعات الدولية والاقليمية على العراق.
ولعل أو تصريح ودعوة صادقة لابعاد العراق عن تلك الصراعات قد جاء بعد أن بادر سماحة السيد عبد العزيز الحكيم زعيم الائتلاف العراقي الموحد(اكبر كتلة برلمانية في الجمعية الوطنية الانتقالية السابقة ومجلس النواب الحالي)الى توجيه دعوة لكل من إيران وأمريكا الى اجراء حوار بينهما لحل مشاكلهما العالقة وبما يؤمن استقلالية العراق والابتعاد عما يؤثر عليه من تداعيات الخلاف الأمريكي-الأيراني.
داعياً سماحته الطرفين إلى أن يتركز الحوار على مسألة استتباب الأمن في العراق فضلاً عما بينهما من قضايا تخصهما. وإذا ما كان اللقاء بين إيران وأمريكا لم يعقد لاسباب تخصهما فان الجانبين قد فهما الرسالة بأن العراق الجديد لن يكون طرفاً في صراع أقليمي أو دولي، ولن يخضع لأية ارادة أو تأثير كما كان عليه النظام البائد لايذاء جيرانه، ولن تكون ساحته مفتوحة لأي طرف لالحاق الضرر بأصدقائه..الرسالة الحكيمية تلك فهمت من قبل الطرفين(إيران وامريكا) ويبدو أنهما قد حرصا على الاستجابة إليها حتى وان لم يتحقق أي لقاء علني سياسي بينهما.والدولة العراقية التي يشكل الائتلاف أحد أهم مكوناتها، وضعت أمام الأصدقاء ما يمكن أن يهتدوا به من أنها لن تقبل بأن تكون ساحة لتصفية الحسابات مع الجيران..واعطت الجيران اكثر من دليل على أن يطمئنوا الى أنها لن ترضى وسترفض بحزم بأن تتحول الى مخلب قط بيد الدول الكبرى وانها-الدولة العراقية-لن تسمح أن يتعرض جيرانها الى التهديد أو أكثر منه عبر اراضيها وأجوائها ومياهها الاقليمية.
تلك ثوابت حرصت الحكومات العراقية المتعاقبة أن تضع الدول الكبرى والأصدقاء ودول الجوار على الالتزام بها شكلاً ومضموناً. ولعل مناسبة هذا الحديث الزيارة المهمة التي يقوم بها السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية الى سوريا، مع التأكيد على زيارته وكذلك رئيس الائتلاف العراقي ورئيس الوزراء الى بعض دول الجوار مثل إيران وتركيا والاردن والسعودية أيضاً..إلا أن زيارة الرئيس الطالباني الحالية لسوريا لها من الأهمية ما يجعلها اكثر من غيرها على ثبات موقف الحكومة العراقية المنتخبة على نهجها في أن تكون بعيدة عن الصراعات وكذلك بعيدة عن التأثر بها.فزيارة الرئيس الطالباني الى دمشق تأتي في وقت تتوتر فيه العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة التي تعد حالياً حليفاً للعراق ولها تأثير كبير في شأنه الأمني ومبعث الأهمية في هذه الزيارة هو تأكيد أستقلالية العراق وحياديته أيضاً أزاء الخلاف السوري-الأمريكي الراهن..مع التأكيد بأن هذه الحيادية لم تكن سلبية وان من مصلحة العراق أن تكون العلاقات الأمريكية مع جيرانه جيدة ليتم استثمار استتباب السلم لمصلحة كل الأطراف والتي يأتي العراق من أبرز المستفيدين من الاجواء السلمية بالتأكيد.
إذاً، العلاقات السورية-الامريكية المضطربة والتي دخلت في بعض المراحل الى المنطقة الحرجة لم تمنع الحكومة العراقية ممثلة برئيس الجمهورية من زيارة دمشق والتباحث معها في كثير من القضايا المشتركة ومن بينها الملف الامني فضلاً عن أن الوفد الذي رافق الرئيس الطالباني الى دمشق سيناقش وربما يعقد اتفاقات مع سورية في مجالات المياه والاقتصاد والطاقة وكثير من المجالات التي توطد العلاقات بين الجارين..وإذا ما كان الأمن هو ما سيأخذ حيزاً من النقاش ومن ثم الاتفاقات فان كل ما يجعل العلاقات تنتهي الى صالح البلدين لن تغفل ولها أهمية كبيرة أيضاً.
قلنا أن القادة العراقيين ابتداءً من سماحة السيد الحكيم الى الرئيس الطالباني الى رئيس الحكومة السيد المالكي وحتى الوزراء قد زاروا إيران في اوقات قريبة، وبحثوا مع المسؤولين فيها توطيد العلاقات وتعزيزها لمصلحة البلدين..ومن الجدير بالذكر ان العلاقات الأمريكية- الايرانية تمر في اسوأ مراحلها..ومع ذلك ظل السياسيون العراقيون يتعاملون مع الجانبين بما يخدم العراق ومصالحه بالدرجة الأولى، مع سعيهم الى ان يتجاوز الطرفين نقاط الخلاف بينهما لتأمين مصلحة العراق في استتباب الامن والاستقرار وتأتي زيارات القادة والمسؤولين العراقيين لتثبت للمغرضين والزاعمين بتأثير الحكومة العراقية الحالية ببعض دول الجوار أو الدول الكبرى..تأتي هذه الزيارة المهمة الى دمشق وقبلها الى طهران بأن العراق الجديد لن يكون منقاداً إلى أي طرف ولن يعمل إلا لمصلحته حتى وان كان العمل في هذا المجال لا يرضي هذا الطرف أو ذاك لكن يبقى العراق دولة تنتمي الى محيطها الاقليمي وتقف على نفس المسافة التي تقف فيها كل طرف من الاطراف الاقليمية والدولية تجاه بلدنا وقضايانا المصيرية.
https://telegram.me/buratha