( بقلم الناشط الحقوقي اسماعيل المتوكل )
الحروب المتتالية التي تشنها السلطات اليمنية منذ يونيو 2004 في محافظة صعدة، وبعض المحافظات الأخرى، بدعوى التصدي للتمرد المسلح لأتباع جماعة الحوثي الشيعية قادت إلى جرائم واسعة النطاق وانتهاكات جسيمة يدفع ثمنها السكان في هذه المناطق نتيجة لممارسات العقاب الجماعي التي استهدفتهم، والتي تعطي انطباعا قويا بالاستهداف المنظم لأتباع المذهبين الشيعين الزيدي والاثنى عشري، الذين يشكلون أغلبية السكان في محافظة صعدة وفي المناطق الشمالية من اليمن.
ورقة الإرهاب : ونظراً لما عرف به النظام اليمني من الاعتماد على الجماعات التكفيرية الوهابية المتطرفة في تصفية خصومه وإدارة أزماته وخوض حروبه المتتالية طوال العقود الماضية وما يقدمه المتنفذون في السلطة من تعاونٍ مطلق مع الجماعات المتطرفة بمختلف توجهاتها لتوسيع رقعتها على حساب أبناء المذاهب الأخرى، كان على السلطة في اليمن بعد أحداث 11 سبتمبر نتيجة للضغط الأمريكي والدولي على القيادة السياسية للحد من الإرهابيين أن تثبت ولاءها للإدارةِ الأمريكية بأن تقاوم الإرهابيين ومع استحالة ذلك لتغلغلهم في المؤسسة العسكرية والقضائية، بحثت عن بديلً تقدمه هو السيد حسين بدر الدين الحوثي – أحد أبرز علماء الشيعة باليمن - وطلابه باعتبارهم ضد السياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وبعد زيارات للبيت الأبيض استطاع النظام إقناع الإدارة الأمريكية بخطورة هؤلاء المستقبلية على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في البلاد، و بضرورة القضاء عليهم قبل أن تتسع دائرتهم ويقوى عودهم، وبحصول النظام على الضوء الأخضر والمساعدة المادية والعسكرية تصور أنه استطاع إرضاء الإدارة الأمريكية وربيبتها والحفاظ على حلفائه التاريخيين والتقرب إليهم أكثر بالقضاء على خصومهم العقائديين بالإضافة إلى التخلص ممن يعتبرهم خصوماً له.
وقد توجت الممارسات التعسفية التي يمارسها النظام ضد الشيعة- منذ عقود - بإعلان الحرب بتاريخ 18/6/2004م على عالم الدين الشيعي السيد حسين الحوثي وأتباعه في محافظة صعدة ، بعد حشد أعداد هائلة من الجيش والجماعات السلفية الجهادية، وبعد أن أحكمت السلطة قبضتها على المنطقة بفرض حصار خانقٍ شنت هجوماً مكثفاً بالمدفعية والدبابات والطائرات والصواريخ وحتى الأسلحة المحرمة دوليا، واستهدف القصف القرى والمناطق السكنية.
وعلى الصعيد الإعلامي ومن أجل استدعاء مساندة التيارات التكفيرية والمتطرفة نشرت وسائل الإعلام الرسمية وعلى لسان اكبر القيادات العسكرية في اليمن ، أن السيد حسين الحوثي إدعى النبوة ثم الإمامة، وأخيراً أنه (شيعي جعفري ) وهو ما يعني وفق الثقافة التكفيرية وجوب قتله واستحلال دمه وجماعته، وفي الأخير صرحت السلطة بأنه يريد إرجاع النظام من جمهوري إلى ملكي، ويريد الخروج على الدستور الجمهوري والسلطة الحالية .
واستطاعت السلطة بالتعتيم الإعلامي وبسيطرتها على وسائل الإعلام تشويه صورة السيد حسين الحوثي الذي لايمتلك في المقابل أي وسيلة لتوضيح الحقيقة إلا أنه أرسل رسائل موثقة إلى رئيس الجمهورية قبل الحرب يطمئنه أنه لم ولن يخرج على النظام الجمهوري ، ونفى كل التهم التي نشرها إعلام السلطة، وأوضح إستعداده للحضور إلى صنعاء ولكن في وقت لاحق، وأنه لا نية له أبداً لأي تمرد .ورغم أن السلطة حاولت حجب صوته عن العالم حتى تتمكن من إخفاء حقيقة الجرائم المرتكبة إلا أنه وبصعوبة شديدة أستطاع أن يصرح لقناة أبوظبي ولإذاعة البي بي سي بأنهم يتعرضون للقصف بدون أي سبب ، وأنهم يدافعون عن أنفسهم فقط و بالأسلحة الخفيفة أمام الصواريخ والطائرات والعالم لا يحرك ساكناً.واستمرت القوات العسكرية تضرب مناطق تواجد أنصار السيد حسين الحوثي، وعلى الرغم من محاولة لجنة الوساطة القيام بالصلح بين الطرفين فإنها أعلنت فشلها لعدم التزام السلطة بأي حل تقترحه اللجنة ، كما كان هناك اعتراض واسع على استخدام القوات المسلحة في حل النزاع، شمل الأحزاب السياسية والعلماء والشخصيات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية الدولية من خلال البيانات والتصريحات التي توضح بأن الحرب عبثية، وعارية عن أي غطاء قانوني أو شرعي ومخالفة للدستور اليمني.ولم يتوقف الهجوم إلا في 10/9/2004م بإعلان السلطة مقتل السيد حسين الحوثي( بعد أن سلم نفسه حياً)، وانقشع غبار الحرب عن آلاف القتلى والجرحى وقرى سويت بالأرض وخسائر مادية ضخمة.
بعد ذلك وقعت الحكومة صلحاً مع السيد بدر الدين الحوثي والد السيد حسين الحوثي، حيث يلزم الطرف الأول بتعويض المتضررين والإفراج عن المعتقلين وأن على الطرف الآخر العودة إلى حياتهم الطبيعية .هذا الصلح وقعته القبائل بطلب من السيد بدر الدين الحوثي الذي ألزمهم به حفظاً للدماء. واستجاب لدعوة الرئيس بالدخول إلى صنعاء حيث مكث فيها عدة أشهر، إلا أن الرئيس لم يقابله أو يف بوعوده ولم تتوقف الحملات العسكرية والاعتداءات والملاحقات لأتباعه، بل تشير المصادر أنه تعرض لمحاولة اغتيال خلال بقائه في صنعاء مما اضطره إلى العودة إلى محافظة صعدة.
الحربان الثانية والثالثة كان سبب اشتعالهما هو قيام قوات عسكرية بقتل مواطنين في أسواق عامة على الرغم من اتفاقيات الهدنة والصلح الموقعة بين الطرفين. فعند مطالبة السيد بدر الدين الحوثي للسلطة المرة الأولى بتقديم الجناة للمحاكم تم إرسال فرقة كوماندوز بغية اختطافه أو تصفيته، ولكن أتباع السيد الحوثي تصدوا لهم وحينها بدأت القوات العسكرية بالقصف من جديد بتاريخ 19/11/2004م.
واستشعر الشيعة عموماً أنهم مستهدفون بسبب الملاحقات والاضطهادات التي يتعرضون لها واستهداف رموزهم، ومصادرات حقوقهم في ممارسات شعائرهم الدينية والاجتماعية، وتضييق الخناق عليهم، حتى وصل الأمر إلى نهب مكتباتهم الخاصة التي تحتوي على مخطوطات من أهم كتب التراث الشيعي .ونتيجة لتلك الممارسات اللا إنسانية ، وعدم الإذعان لصوت العقل توسعت دائرة الحرب فامتدت إلى بقية مدن وقرى الشيعة بمحافظة صعدة وعمران والجوف وحجة وصنعاء، وعلى الرغم من أن رئيس الجمهورية أعلن العفو أكثر من مرة عن أتباع الحوثي فإنه كان مجرد كلام إعلامي لم يطبق على أرض الواقع .ولم تفلح ايضاً جهود الوسطاء وأصوات العقلاء في جعل السلطة توقف حربها الغير المبررة ضد أبناء هذا المذهب ، وتستمر الأوضاع والمواجهات تتخللها فترات من الهدوء القصير لتدخل فصلاً ثالثاً وربما سنشهد فصلاً رابعاً عما قريب مع صمت عربي مريب.جرائم الحرب :فضلاً عن استخدام القوة المفرطة، فقد استخدمت السلطات العسكرية خلال الاشتباكات والقصف الغازات السامة وأسلحة محرمة دولياً.وقد قتل المئات من المدنيين غير حاملي السلاح نتيجة للقصف العشوائي لمنازلهم، وبالتالي قتل الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ، حيث تشير بعض التقارير أن نتائج الحرب الأولى والثانية فقط0 2500 قتيل من الطرفين، و250طفل وامرأةو5700جريح .وكذا طال القصف المنشآت المدنية الخدمية وموارد المياه والمدارس ودور العبادة، حيث ذكرت التقارير أيضاً أنه تم تدمير 30قرية و 700منزل تدميراً تاماً، و800منزل تدمير جزئي، وعشرات المساجد والمدارس الحكومية والدينية، وجرف وحرق عشرات المزارع.وفي وقائع عديدة جرى قتل الجرحى والأسرى منزوعي السلاح، وكان ذلك إما بالقتل المباشر( إطلاق ناري) أو بالقتل الجماعي بدهسهم بالدبابات، وتعرض الكثير للتعذيب الشديد قبل القتل كالسحل في الطرق والحرق.كما فرض الحصار التام حول المناطق التي تتعرض للقصف، مما أدى إلى موت العديد من المرضى والأطفال والشيوخ، نتيجة انتشار الأوبئة و نقص الغذاء والدواء، ومنع المواطنين من الدخول إلى المستشفيات وتلقي الخدمات الطبية، كما منعت السلطات منظمات الإغاثة الدولية ووسائل الإعلام المحلية والدولية من دخول محافظة صعدة.وتم نهب واحتلال منازل المواطنين في المناطق التي تم قصفها، وبعض منازل المناطق التي لا تقصف، وطرد الكثير من الأسر إلى العراء.
اعتقالات واسعة :قامت السلطات العسكرية باعتقال الآلاف منذ عام 2003 (قبل الحرب) وحتى اليوم.ومن دون أي أوامر قضائية. قبل الحرب اعتقل المئات من الطلاب (أغلبهم تحت سن الـ18)، ومن مختلف المناطق والمحافظات كصعدة وحجة وصنعاء .... وذلك بسبب (تعبيرهم السلمي عن موقفهم من السياسة الأمريكية في المنطقة)، وأغلبهم تم اعتقالهم من داخل المساجد، وتوسعت بعد الحرب حملة الاعتقالات التعسفية غير القانونية فشملت كل المحافظات التي يقطنها أتباع ال البيت ع، واستهدفت في الأغلب مدرسي المذهب الشيعي الزيدي والاثناعشري وطلابهم. وكذا العلماء والقضاة والشخصيات البارزة اجتماعيا وسياسياً ( بعضهم تجاوز عمره الـ 85) ، و كل من كان يدعو إلى إيقاف الحرب من غير الشيعة والصحفيين وأكاديميين من حملة شهادة الدكتوراه وأعضاء المنظمات المدنية والإنسانية .
وأغلب الذين اعتقلوا لم توجه لهم أي تهم ولم يسمح لأقاربهم بالزيارة، كما لم تسمح السلطات للمنظمات المدنية والدولية بزيارة المعتقلين الأطفال أو غيرهم.وقد تم إحالة القليل من المعتقلين إلى المحاكمة بعد احتجاز غير قانوني طال لأشهر عديدة ، وبعد إجراءات نيابية متعسفة ، أخيرا تم عرضهم على محاكم استثنائية ( غير دستورية)، ومحاكمتهم بإجراءات استثنائية لم تضمن لهم أبسط حقوق المحاكمة العادلة .ولم يتجاوز عدد المحالين للمحاكمة من المعتقلين بسبب أحداث صعدة 39 شخصاً فقط ( بالرغم أن المعتقلين يعدون بالآلاف، يعتقد البعض أن الأحكام الجائرة التي صدرت بعقوبات قاسية( تصل إلى الإعدام بسبب معارضة الحرب) من أجل عدم مطالبة المجتمع المدني بإحالة المعتقلين للمحاكمات ) . وقد ترك الجرحى في السجون بدون أي عناية صحية، مما تسبب في وفاة الكثير.كما تعرض المعتقلون (من بينهم جرحى وشيوخ وأطفال) لمختلف أنواع التعذيب، وتتعرض بعض المعتقلين للقتل بالرصاص الحي داخل السجون ( سجن قحزة - صعدة ) وتركهم ينزفون حتى الموت.وقد شمل التعذيب الجسديالضرب والجلد وتعمد إحداث الجروح بالآلات الحادة وبالكي والكهرباء والحرمان من طعام يليق بالبشر ( وجبتين عبارة عن رغيف جاف وكوب صغير من الماء غير النظيف)، وحرمانهم من النوم لعدة أيام.
بينما شملت صنوف التعذيب النفسي تهديدهم بالقتل واعتقال أسرهم وخصوصاً النساء ، وتهديهم بمزيد من التعذيب الجسدي ، وأيضاً بالاعتداء الجنسي( حيث يجعلون بعض السجناء يمارسون الفاحشة أمامهم، وعدم السماح لهم بالذهاب للحمام وجعلهم يقضون حاجتهم في نفس الزنزانة الصغيرة( التي تحوي الكثير من السجناء)، وعدم السماح لهم بالوضوء والصلاة وقراءة القرآن. بالإضافة لكل ما سبق تعرض المعتقل للسب والإهانة والتكفير من قبل ضباط المعتقل وعدم السماح لأسرته بزيارته ، بل اعتقال من يطالب بزيارتهم.
العقاب الجماعي:§ يتضح ذلك في عمليات الاعتقال ومداهمة المنازل والمساجد، والفصل التعسفي لأتباع ال البيت ع والهاشميين من وظائفهم ، ونلخص تلك الحالات فيما يأتي (وللعلم كلها جرت دون أي أوامر قضائية وبصورة غير قانونية) :• الضرب الشديد في المساجد لمن كان يردد الشعار بعد صلاة الجمعة (قبل اعتقاله بصورة وحشية- غالبيتهم من الأطفال).• القيام بحملة عنصرية تتلخص في فصل الموظفين الأساسيين بمختلف المناصب من وظائفهم بسبب انتمائهم العرقي (هاشميين) أو المذهبي (شيعي ).• مصادرة الكثير من الممتلكات الخاصة خصوصاً الفكرية منها ( المكتبات).• القيام بحملة تغيير قضائية تلخصت في إبعاد كل القضاة الهاشميين والشيعة عن المراكز الحساسة وإقالة واعتقال البعض الآخر بالرغم من تمتعهم بالحصانة القضائية..• اقتحام المنازل بصورة فجائية ووحشية وترويع الأسر التي تعيش فيه من أطفال وشيوخ ونساء وإشهار الأسلحة في وجوههم، مع إطلاق النار خارج وداخل المنزل بغرض الترهيب، والتحقيق معهم في تلك الحالة ثم أخذ رهائن من الأسرة أغلبهم أطفال عندما لا يجدون من يريدون.• نهب الممتلكات الخاصة من بعض الأسر تقدر بالملايين.• المراقبة غير القانونية لكل وسائل الاتصال الخاصة بأفراد الأسرة والتدخل في خصوصياتهم.• الجدير بالذكر أنه خلال هذه الحروب المتصلة بحق سكان صعدة والمحافظات الشمالية – ومعظمهم من أتباع المذهب الشيعي الزيدي والاثناعشري – تحدث عنها الكثير من التقارير المحلية والدولية مثل تقرير مركز المرصد اليمني لحقوق الإنسان 2006،و تقرير منظمة العفو الدولية 2005،2006، وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان 2005 وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية2005، وتقرير لجنة التضامن الإنساني ( تقرير عن حرب صعدة 2004-2005م)، وغيرها من التقارير الكثيرة، والتي شكلت ضغوط على السلطة في اليمن بعد مطالبة الإتحاد الأوربي وهذه المنظمات بتحقيق دولي في صعدة فلجأ النظام إلى الإفراج عن بعض المعتقلين من أبناء الشيعي ، وإعلان إيقاف الحرب والعفو عن أتباع السيد الحوثي، وذلك من أجل صرف نظر المجتمع الدولي لما يحصل من جرائم حرب، وعقاب جماعي واسع النطاق في صعدة وسائر المحافظات لأتباع المذهبين الشيعين.
نتيجة لما سبق ذكره فنحن أعضاء منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني نطالب المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوضع حد لهذه المحنة،والإفراج العاجل عن الآلف الأبرياء القابعين في سجون النظام، والكشف عن مصير مئات المفقودين،وتسليم جثث الضحايا،وإعادة المبعدين إلى أعمالهم،وتعويض المتضررين، ونطالب أيضاً بسرعة فتح تحقيق دولي لفضح الجرائم التي ارتكبها النظام في صعدة وفي غيرها من المحافظات، وتقديم مجرمي الحرب إلى العدالة.إسماعيل محمد المتوكلعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان عضو مراقب لدى اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان لجامعة الدول العربية عضو مراقب لدى اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المسئول الإعلامي للمنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية
https://telegram.me/buratha