( بقلم : علي حسين علي )
تبدوا الصورة كالحة للمراقب الذي لا يريد أن يراها إلا هكذا، أو هو يأخذها من دون أن يكلف نفسه مشقة الاطلاع والتقصي والاستقراء وأخيراً الاستنتاج، فالوضع العراقي ليس كله قائماً والصورة لن تعدم الالوان البهيجة والبراقة وسط خطوط السوداء، ففي العراق اليوم إثني عشر محافظة تنعم بالأمن والاستقرار وإن شذت عن ذلك في حالات محدودة، وهذا ما حصل في جميع الدول الكبرى والمتقدمة والمستقرة..والاستثناء هناك لا تعد في أية حال إلا بكونها طارئه خارجية على السياق العام وإذا ما قلنا أن الاستقرار الأمني يشمل شمالي وجنوب العراق، فهذا يعني إن حركة البناء قد بدأت هناك واعادة الاعمار تخطو خطوتها الأولى في تلك المحافظة الأمنة والمتسقرة..ففي كل محافظة في وسط وجنوب العراق يذهب مئات الآلاف من الموظفين الى اعمالهم ومثلهم يتدفق الطلبة الى الجامعات والمعاهد في كل محافظة من محافظات الاقليم الوسط والجنوب جامعة وعديد من المعاهد وهناك أساتذة يعملون بجد وبدون كلل *** طلبة يريدون أن يتعلموا ليلحقوا بركب العاملين على اعادة بناء الوطن في معظم محافظات العراق الاثني عشر تفتح الدوائر الحكومية أبوابها من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة بعد ظهراً وهي مهتمة بمصالح الناس، كما أن الناس لا يجدون منها إلا تأكيداً لسلطة القانون أولاً، فضلاً عن تقديم الخدمات في شتى مجالاتها ثانياً.
والطرق بين محافظات الوسط والجنوب أمنة وهي كذلك بين محافظات اقليم كردستان لا عصابات ولا قطاع طرق، وحتى وأن وقعت حادثة هنا أو هناك فان سلطة الدولة تصل إلى الجناة بسرعة تعاونها على ذلك العشائر ان استدعى الأمر.
تظل بغداد حالة لم تستقر تماماً بعد..وهي مستهدفة من الارهابيين من التكفيريين والبعثيين، القتل عبر المفخخات إن كانت عربات أو أجساداً لم تتوقف بعد، وليس من المتوقع أن تنحسر تماماً في زمن جد منظور.. وربما يعود سبب تفشي الارهاب في بغداد الى انفتاح العاصمة على حواضن الارهاب في جوار العاصمة وربما يعود ذلك الى اخطاء معالجة الوضع الامني وعدم تسليم الملف الامني الى العراقيين طوال اكثر من ثلاث سنوات كانت مجة كافية لينظم فيها الارهابيون انفسهم ويوجدوا لهم مكامن في بغداد ويزيدون من ارتباطاتهم بخارجها ايضاً.. ومع ذلك وفي حال تولى العراقيون الملف الامني فعلاً لا قولاً كما كان الامر في السابق – أي قبل لقاء المالكي بالرئيس الامريكي بوش في عمان- وقبل نشر تقرير بيكر – هاملتون وما يتوجب على القوات المتعددة الجنسيات من مهام والتخلي عن الملف الامني للعراقيين.. فان جاءت الافعال منسجمة مع الاقوال ولعلها تتجه نحو ذلك فان العمليات الارهابية في بغداد ومحيطها ستنحسر تدريجياً ثم تتلاشى.. وتلاشيها مرتبط الى حد كبير بالمحافظات الاخرى المغذية للارهاب والحاضنة له والخارجة بعض مناطقها عن سلطة الدولة وسيادة القانون.. وتلك مهمة ملحة هي ان تسرع الدولة والقوات المتعددة الجنسيات في تنظيف تلك المحافظات وتطهيرها من الارهابيين والتكفيريين ولن يصل النجاح في هذا المجال من دون التعاون مع دول الجوار ومن حسن الحظ ان معظم دول الجوار قد ادركت خطورة الارهاب عليها بعد ان اصابها في اكثر من موقع وبعد ان كشف الارهابيون علناً عن خططهم لتدمير كل المنظومة العربية الرسمية الحاكمة واستهداف نظمها.بغداد اذن ليست بعيدة عن الامن والاستقرار وعودة الحياة الى طبيعتها وهي الآن ورغم كل ما يحصل لم تتعطل فيها جامعاتها ولا مدارسها ولا دوائرها الرسمية الانتاجية او الخدمية رغم كل ما يقع كل يوم من تفجيرات او ما يشهده الشارع العراقي من قتل على الهوية.
بغداد مصرة على فرص تطبيع حياتها على الواقع المعيش رغم كل محاولات الارهابين للحؤول دون ذلك ورغم كل خططهم لجعل ىالناس يملون حياتهم في ظروف قاهرة ومدمرة ودامية ايضاً.. والاصرار على الحياة اقل ما يقال فيه هو المادة الاساسية في قهر الارهاب وارغامه على الاقرار بلا جدوى عملياته.
تبقى المحافظات التي تسمى تارة بالساخنة واخرى بغير المستقرة وثالثة بالخارجة على القانون وشرعية الدولة.. هذه المحافظات تشهد اليوم تحركات لابنائها تتجه في معظمها لمحاربة الارهاب وقد افلح ابناء الانبار في بناء قوة عسكرية من بين ابناء عشائر المحافظة وهي الآن تتصدى للارهابيين وتلاحقهم في مكانهم تقتل الكثير منهم وتعتقل آخرين.. وبالحقيقة لقد انتقلت المبادرة الى ابناء محافظة الانبار بعد ان كانت بيد الارهابيين.اما المحافظات الاخرى من (الساخنات) فان ابناءها كما تدل على ذلك آخر المعلومات قد بدأوا يعدون عدتهم للقيام بدور مماثل لما قامت به عشائر الانبار الباسلة والمجاهدة.. ونعتقد ان الوقت لن يطول قبل ان نرى الارهابيين وقد هجروا هذه المناطق مطرودين منها وملاحقين من قبل ابنائها.
اعتقد اني لم اكن حالماً –وهذا من حقي- في تصور المستقبل المنظور فالحلم يكون مفرطاً في حال استكان الجميع لسطوة الارهاب اما في حالنا فان جميع ابناء الشعب العراقي في حرب دائمة مع الارهاب ولا نعتقد ان اية قوة مهما كانت قادرة على قهر الشعب.
https://telegram.me/buratha