( بقلم : حيدر سليم الحسني )
كثيرا ما نطالع ونشاهد من الساسة اللذين يدافعون عن السياسة وكأنها عقيدة أو تشريع سماوي , بل الأعظم من ذلك هو فصلوا الإسلام عن السياسة وكأن السياسة هي أسمى من القيم السماوية التي جاهد فيها (( 124.000 ألف )) نبي ومرسل حتى وصلت إلى عصرنا الحاضر وستستمر بأذن الله .
وهنا أود أن الفت النظر إلى نقطة جوهرية وقد غفل عنها الساسة ( العلمانيون ) وغيرهم , وهي :- إن التشريع السماوي الذي نظم شؤون العباد والبلاد ودخل في أدق تفاصيل الحياة حتى وصل إلى آداب السير , واداب الجلوس في الطرقات , واداب الزواج إلى آخره ألا يستطيع أن يأتي بفكر سياسي وهو الذي خلق فكر الخلائق وكونها من طين وماء , فكل ما للبشر هو من عند الله - بطبيعة الحال –أن السياسة بمعناها الصحيح جزء لا يتجزأ من الإسلام الذي اختاره الله عز وجل دستوراً للبشرية جمعاء ( وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة: من الآية3) منذُ أن بُعثَ آدم إلى أن بعُثَ محمد (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعن) إلى يوم القيامة 0 كما أن السياسة التي تعني { إدارة البلاد والعباد } في قاموس الإسلام لا تعني ألا الأسلوب الطاهر الذي لا ترى فيه شيئاً من المكر والخديعة والظلم والاستبداد , بل يتضمن اكبر الحريات للإنسان بما هو إنسان , ويأخذ بيده إلى كمال الدارين وسعادة الدنيا والآخرة . (1) حيث أن التعبير الآتي للسياسة هو : أنها – عادة – غارقة بالماديات والمكر والخديعة , والظلم والاستبداد , والدين الإسلامي – أمر – روحاني يشتمل على الفضائل والمعنويات , وهذا الرأي مرفوض بنص القران والسنة النبوية وأحاديث المعصومين –ع- .
وكما جاء في كتاب الله العزيز أن تطبيق الأحكام السماوية – العبادية والسياسية –واجب على كل مؤمن: قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44)
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)(المائدة: من الآية66)
قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ )(الشورى: من الآية13)
وجاء أيضا في موروثنا الإسلامي بأن الرسول (ص) وصف الأئمة –ع- بأنهم { ساسة العباد } (2) وجاء في حديث نبوي آخر : { الأمام عالم لا يجهل 000 مضطلع بالإمامة 000 عاف بالسياسة }
(3) وفي حديث نبوي شريف قال (ص) : { ثم فوض إلى النبي 00 أمر الدين والامة ليسوس عباده }(4) وأيضا في كتاب الأمام أمير المؤمنين –ع- إلى مالك الاشتر النخعي (رض) : {فاصطف لولاية اعمالك أهل الورع والعلم والسياسة }
(5) كما وجاء في غرر الحكم عنه –ع- أيضا : { خير السياسات العدل }
(6) وجاء في حديث للأمام الحسن بن علي –ع- : { أن الله تعالى ندبنا لسياسة الأمة }
(7) وأيضا عن آبي الأحرار الحسين بن علي –ع- : { أن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه }
(8) بل حتى في زمن الأنبياء الأولين كانت السياسة منهجا تتبعه الأمم بل حتى جاء عن بني إسرائيل انهم كانت تسوسهم أنبيائهم وكما جاء في حديث الرسول (ص) :- { كان بنو إسرائيل تسوسهم أنبيائهم }
(9) 0 والجدير بالذكر أن السياسة وكما عرفنا مما سبق بأنها حرفة أو مهنة أو دستور أو تشريع – على أي تسمية كانت – موجودة منذ اقدم العصور , كما جاء في حديث للرئيس جيمي كارتر :-{ أن السياسة من اقدم المهن في التاريخ } أي أنها ليست بعلم حديث ولا استكشاف جديد ولا تستحق براءة اختراع .
والسؤال هنا إذا كانت جميع العلوم والاكتشافات أساسها علم الأوليين من الأنبياء والرسل , ألا يجدر أن تكون السياسة واحدة من بين هذه العلوم ؟ !! بمعنى آخر أنها من صلب التشريع السماوي بل من أساسياته , حيث تجعل مسألة الرجوع إلى الدين كمصدر للسياسة أمرا عقلياً , ذلك أن الدين الذي جاء ليبين للبشرية منهج السعادة حتى نهاية التاريخ , لا يمكنه الوقوف مكتوف الأيدي إزاء موضوع تحتاجه كل المجتمعات ألا وهو ( الحكم ) – أي السياسة – لهذا يقول الأمام الرضا –ع- في جانب من توضيحاته حول علة وجود السياسة الإسلامية :- { إنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس , لما لابد لهم من آمر الدين والدنيا , فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم انه لابد لهم منه , ولا قوام لهم ألا به , فيقاتلون به عدوهم ويقسمون به فيئهم , ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم , ويمنع ظالمهم من مظلومهم }
(10) في نص هذا الحديث أن الأمام الرضا –ع- شمل كل الفرق والملل ولم يستثن أحد من المتقدمين حتى اللاحقين , وبأن الله الحكيم يعلم بحكمه ودرايته بحتمية وجود قائد سياسي واع ٍ يدير شؤون الأمة ابتدائا من الشؤون العسكرية والاقتصادية وبعدها العبادية ومن ثم القانونية والاجتماعية . وكأن الحديث يريد إعطائنا بعدا ً بأن الاهتمام الأمثل هو في الجانب السياسي والاجتماعي فضلا ً عن باقي الاهتمامات الأخر .
أما عن السياسة التي علمنا إياها رسول الله (ص) هي سياسة جعفر بن أبى طالب –رض- الذي كان زعيم وفد المسلمين في هجرتهم إلى الحبشة حيث جاهد المشركين بعلاقتهم وهداياهم إلى النجاشي . بسياسة حكيمة أبهرت كل من في 0 مجلس النجاشي واعطت كل ذي حقٍ حقه 0 فكان أول سفير سياسي إسلامي عرفه العالم 0 وفيما يذكر من سياسة رسول الرحمة محمد (ص) انه جاء وفد من قبل النجاشي إلى رسول الله فأضافهم , وأكرمهم , وأحترمهم 0 وقام النبي يحضر لهم بعض الحاجات بنفسه 0 فقال له بعض الصحابة :- نحن نكفي ذلك 0 فقال (ص) :- انهم كانوا لأصحابنا مكرمين , أني احب أن أكافئهم .
(11) فهذه الأخلاق الإسلامية وهذه السياسة السمحاء التي اتصف بها رسولنا الكريم فأي سياسة تضاهي هذه السياسة وأي ثقافة ابلغ منها 0
المصادر :
1-السياسة من واقع الإسلام ....السيد صادق الشيرازي
2-تهذيب الاحكام ج6
3-آمالي الشيخ الصدوق
4-بحار الانوار ج17
5/6 -غرر الحكم ودرر الكلم
7-سفينة البحار ج1
8-تحف العقول
9-مجمع البحرين
10-مجلة رسالة الثقلين ....الدين والولاية ...الشيخ مهدي الطهراني
11- السيرة النبوية لأبن كثير ج2
https://telegram.me/buratha