المقالات

ما أعظم ليلة القدر؟!


حسن الهاشمي

ما أحوجنا ونحن نعيش حياة مادية مقيتة أن نحلق في رحاب مفعمة بالروح والحياة والنبض والعطاء والحيوية، الإنسان المريض جسديا بحاجة إلى طبيب وعقاقير لكي يتغلب على ما يداهمه من أمراض وجراثيم، ويعيش أجواء صحية خالية من أمراض مدلهمة ومخاطر محدقة وتبعات خطيرة تتربص بنا لتفتك أجسادنا وتجعلها قاعا صفصفا، ومثل تلك التداعيات والهواجس بل أشد منها تتواعدنا ما دمنا في غفلة عن تغذية الروح، فالروح إذا ابتليت بأمراض العجب والكذب والهتك والفتك فاقرأ على صاحبها السلام، لاسيما إذا لم يلتفت إلى نفسه ويحاول رأب الصدع الذي حصل فيها، محطات كثيرة أوجدها الله سبحانه لتأهيل النفس وصياغتها وتشذيبها من الآفات والنكبات والمضرات، أعظمها شأنا ليلة القدر. تتساءل أحياناً لِماذا تشعر بالضيق، بالحزن، بالألم، بالإحباط، بالكآبة؟! رغم أنك قد تعيش في بيت فاره أنيق مرفه لا ينقصه شيء من الأمور المادية، فطرازه وديكوراته وأثاثه وظروفه المعيشية على أفضل ما يكون، وحياتك ناجحة لكنك لست سعيداً، ترمم دوماً جدران بيتك، حيطانك، وتشتري أفخم الأثاث وأجود الأشياء بينما أنت فارغ الإحساس بالسعادة والرضى.. السبب وبكل بساطة أنك ترمم القشور وتنسى الأساس.. تنسى أن بداخل نفسك بيتا مهترئاً، فوضوياً، مظلماً، يحتاج إلى نور ليضيء، يحتاج إلى تطهير، يحتاج إلى ترميم، يحتاج إلى إفاضة بالجذبات الروحية والملكات الباطنية المحفزة على النشاط والحيوية والتفاؤل، وأفضل تلك الجذبات بلا منازع ليلة القدر... نعم إنها محطة مباركة وهي ليلة ولكنها ليست كباقي الليالي، إذ إنها وكما أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز خير من ألف شهر، ليس تعادل ألف شهر وإنما خير من ذلك، وما أدراك أنها ربما تساوي ألفي شهر أو ثلاثة آلاف شهر أو أكثر، فإن الله سبحانه تعالى أكرم الأكرمين لا يزيده كثرة العطاء إلا جودا وكرما، وقبل البدء في الكلام عن ليلة القدر وعظمتها وأهميتها وخطورتها، لا بأس أن نسأل أنفسنا ماذا أعددنا لليلة القدر؟ ومتى يبدأ الاستعداد لاستقبالها؟ وكيف نستطيع من خلال هذا الاستعداد أن ننال أكبر قدر من بركات هذه الليلة المباركة؟. نعم إنها الليلة التي سيُقرر فيها ننجو أم نهلك، نـُرزق أم نـُمنع الرزق، نفلح أم نخسر، ودعاؤنا فيها مؤثر، لأنها ليلة قضاء الأمور، يحكم الله فيها ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها، وروي عن الإمام الرضا(ع) "في قوله تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم) يقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو مضرة أو منفعة أو رزق أو أجل"، وقيل في سبب تسميتها (بالقدر) بمعنى الشرف والحظ وعظيم الشأن، ليلة القدر هي أشرف الليالي وأعظمها عند الله سبحانه، والعمل فيها مقبول، والدعاء فيها مستجاب، ويعجز الإنسان مهما أوتي من فصاحة أن يصف عظمة ليلة القدر وفضلها وشرفها، وهي ليلة غفران الذنوب وليلة نزول القرآن الكريم وتفتح في أولها أبواب السماء لتنزل الملائكة والروح ليكتبوا قضاء الله تعالى في الناس في أعمارهم وأرزاقهم وأحوالهم وآجالهم.حري بالمؤمن اقتناص هذه الفرصة الإلهية الذهبية وتجييرها لصالح نفسه بأن ينتشلها من خانة الأشقياء ويقذف بها في خانة السعداء، فإن الشقي من حرم الغفران والرحمة والنعمة والرضوان في هذا الشهر الفضيل، هو بحاجة إلى إرادة وإقدام في اقتحام أبواب الدعاء والتهجد والتوسل في ثلاث ليال ليكسب حياة ملئها الخير والسعادة أعدت للمتقين، والحكمة هي وضع الأمور في نصابها، ورأس الحكمة هي مخافة الله والتزام أوامره وترك نواهيه، فمادامت الدنيا فانية ومادامت حركة الإنسان إلى الموت والفناء، ومادامت المغريات والمرديات تجاذب الخيرات والمنجيات، فإن العاقبة لأهل التقوى والندامة لأهل الردى. هل توجد محطة للتزود بالتقوى والخير والبركة أفضل من تلك الليلة المباركة التي فيها الأجر مضاعف آلاف المرات مقارنة مع الأيام العادية، وإن أعمالنا تعرض وتتنزل على قلب إمام زماننا فإن كنا من السعداء بإرادتنا استبشر عليه السلام فرحا وإن كنا لا سمح الله من الأشقياء بإرادتنا أيضا اغتم لما ينتظرنا من خزي وعذاب، نعم هو كأجداده أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام حيث كانا يبكيان حتى على أعدائهما حيث يدخلون النار بسببهما، إنه جاء رأفة ورحمة للناس كافة، وحري بنا إن ننزل على قلبه الفرح بانتخابنا الصائب الذي فيه عزنا وكرامتنا وسؤددنا وشموخنا ورفعتنا في الدنيا والآخرة، لعل تلك الفرصة لا تمر علينا في قادم السنين ومادمنا قد أدركناها فلنقتنصها حيث إنها تمر مرور السحاب. تعالوا معا لنحييها بالسهر ونفعمها بالصلوات والزيارات والدعوات حتى الصباح، فمن الضروري أن يأخذ الإنسان كفايته من النوم لكي لا يأخذه النعاس في تلك الليلة، ويحرم من بركاتها العظيمة، ففي الحديث مَنْ أحيا لَيلَة القَدر غفرت لَهُ ذنوبه ولو كانَت عدد نجوم السّماء ومثاقيل الجبال ومكاييل البحار، وقالَ العّلامة المجلسي (رض): إنَّ أفضَل الأعمال في هذه الليالي هُوَ الاستغفار والدُّعاء لمطالب الدُّنيا وَالآخرَة للنفس وللوالدين والأقارب وللإخوان المؤمنين الأحياء منهم والأموات والذِّكر والصلاة عَلى مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ ما تيسر. إننا ننسى في خضم الحياة المادية احتياجاتنا الروحية والنفسية، لذلك ينبغي تعريض النفس بين الفينة والأخرى لمحطات المغفرة الإلهية لنقطف منها قلبا نورانيا ناصعا شفافا يعكس ضوءه على الإنسان مضيئاً بهالة من الطيبة والحنان والإيمان لأنه يقظ لأفعاله، يقظ لهفواته، يقظ لمشاعره ومكوناته ولهذا لن تجد في هذا القلب أمراضاً باطنية لأن صاحبه يجاهد نفسه يكافح آفاته المرضية حتى لا يتسربل قلبه في العتمة... فهذا الإنسان سعيداً، راضياً، مطمئناً على الدوام حتى لو عاش في بيت مقفر، في ظروف معيشية طاحنة أو في حالات اجتماعية قاسية ولكن قلبه واسع، مضيء، أنيق، شملته شآبيب الرحمة الإلهية فخرج ناجحا من الامتحان الإلهي فرحا مستبشرا بما آتاه الله من لطفه وكرمه ونعمائه ورضوان من الله أعظم، على عكس من تكومت في قلبه القاذورات والخبائث فإنه يتقلب بين عذاب الدنيا والضمير وما ينتظره من عذاب أخروي أشد وأخزى، والعاقبة دائما لأهل التقوى والخذلان لأهل الهوى.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
سيد عدنان آل أحمد الحسني
2010-08-27
بوركتم استاذنا حسن الهاشمي , حشرك اله وأيانا مع حبيبنا محمد وآله الطاهرين
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك