صلاح التميمي
بعد غياب استمر سبع سنوات أطل وزير المالية العراقي باقر جبر الزبيدي على القراء العرب والعراقيين في مقابلة شاملة وواسعة أجرتها معه صحيفة النهار اللبنانية.. وللبنان والساحة اللبنانية ويوميات العمل الإعلامي نكهة خاصة في ذاكرة الوزير الذي كان أيام العمل الوطني ضد النظام العراقي السابق يشرف على تمثيل المجلس الأعلى الاسلامي في سوريا ولبنان وقد ارتبط بشبكة من العلاقات الشخصية مع عدد كبير من رؤساء تحرير الصحف اللبنانية والعربية العاملة في الساحة اللبنانية وعدد كبير من المثقفين والإعلاميين والمراسلين ووكالات الأنباء اللبنانية والعربية.. إن باقر جبر الزبيدي هو الوزير السيادي الوحيد الذي لا زال طعم الكرز الصحفي اللبناني على لسانه مثلما لا زالت الصحافة اللبنانية تحتفظ للوزير بتحليلات ومقاربات سياسية كان من بين الشهود الذين عكسوا أو كان لهم دور كبير في الانعكاس الصحفي العراقي على الساحة اللبنانية.الوزير أطل على الصحافة اللبنانية بمقابلة شاملة سلط فيها الضوء على واقع المشهد السياسي العراقي وعلى واقعيات الأزمة الحالية المتمثلة بالتأخر في تشكيل الحكومة العراقية العتيدة وأكد جملة من القضايا والمهمات والوظائف والإشكالات التي تقف في طريق تشكيل حكومة الشراكة الوطنية ونحى باللائمة على (الديكتاتورية) التي بدأت تتجذر في واقع مشهدنا السياسي العراقي من خلال مجموعة من الممارسات في قيادة الدولة وفي صياغة القرار وفي النية بتحويل البلد إلى رافعة سياسية لهذا الحزب السياسي أو ذاك متناسين وجود دستور أقرته النخبة السياسية والقيادية في البلاد وصوت عليه عام 2006 أكثر من 8 مليون مواطن عراقي.الوزير الذي أغضب رئيس وزراءه في المقابلة التي أطل من خلالها رئيس الوزراء في الفضائية العراقية أكد الحاجة إلى وجود رئيس وزراء من طبقة التكنوقراط في إشارة واضحة إلى خلو المسألة السياسية العراقية من رئيس وزراء من هذا النوع.. إن رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي ينتمي إلى طبقة رجال السياسة مثلما يقف على رأس هرم قرار حزب الدعوة الإسلامية الذي يمثل أمانته العامة لكن الرجل لم يتخرج من جامعة أكسفورد أو زيورخ أو الهافارد في الولايات المتحدة الأمريكية لكي يقود الدولة العراقية على أساس وجود نوع من الاختصاص المؤهل لقيادة الدولة ولذلك يؤكد الزبيدي أن الدولة العراقية بقيت بلا رأس ينهض بأعباء ومستويات العمل الاقتصادي والتنموي والمالي منذ أربع سنوات من الآن مثلما أن الدولة العراقية كانت تدار خلال السنوات الماضية بذهنية سياسية.إن وزير المالية عندما يتحدث عن وجود شخصية تكنوقراط لقيادة الدولة العراقية إنما ينطلق من هدف أساسي هي الحاجة إلى مشروع دولة قائم على أساس معرفي علمي يأخذ بأسباب الاختصاص سبيلا لقيام الدولة الراشدة كما يسميها باقر جبر الزبيدي في مجمل أحاديثه التلفزيونية وهذا الأمر لا يعني البتة الطعن بمصداقية رئيس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي أو الإساءة إلى شخصيته الحزبية والسياسية وماضيه وتاريخه الذي تمحور في العمل بحزب الدعوة الإسلامية إلا أن البعض من الذين يتصيدون في المياه الآسنة من وسائل الإعلام العراقية أو الدخيلة على الوطنية العراقية حاول الإساءة لرئيس الوزراء ووزير المالية بنفس الوقت عبر شحن الاجواء السياسية الساخنة بالمزيد من أسباب التوتر والارباك وإلا فالقاعدة تقول بأن من حق السيد وزير المالية ــ ووفق الآليات الدستورية والديمقراطية والأعراف السياسية ــ توجيه سهام النقد لحركة الدولة وحركة القرار السياسي عبر توصيف الحال الذي تجري فيه المسألة المالية في البلد لهذا خرج وعبر فضائية الحرة عراق وأكد بالحرف ما كان يقصده في عملية تشخيص الخلل الحاصل في أداء مجالس المحافظات والحكومات المحلية العراقية والوزارات عبر الحديث عن نسب التنفيذ ونسب العطاء وكان على السيد رئيس الوزراء ألا يقحم وزير ماليته المعروف بصدقه ونزاهته ودقته بعمليات السجال السياسي وألا يسحب الأذهان إلى أن الهجوم الذي قاده رئيس الوزراء ــ وهو هجوم مفاجئ وغير متوقع ــ إنما كان يستهدف الزبيدي بوصفه أحد رجال التكنوقراط الذين من الممكن أن يتسنموا في المرحلة المقبلة الوزارة العراقية.الزبيدي أكد في مقابلته اللبنانية الحاجة أيضا إلى وجود رئيس وزراء قوي ووزارة عراقية قوية لأن ذلك يشكل قاعدة للانطلاق بالبلد باتجاه سد ثغرات الحكومة السابقة على المستويات الأمنية والعسكرية والاستثمارية والعمل على انتاج حكومة قوية قادرة مخلصة عادلة يتحرك فيها الوزراء على ضوء المصالح الوطنية ومقتضيات الإنماء والتطوير والتفعيل وتطويق العمليات الإرهابية وحماية السيادة الوطنية وليس العمل وفق مقتضيات المصلحة الحزبية في مجلس الوزراء.. إن المهندس الزبيدي الذي قاد وزارة المالية العراقية خلال السنوات الأربع الماضية ربما يكون الوزير الوحيد الذي عمل بمقتضى قواعد المصلحة الوطنية وما تستوجبه ضرورات العمل الوزاري من دقة وتفاني واخلاص ونزاهة وتعيين الكفاءات العراقية في مواقعها المناسبة ولم يعمل على أساس حزبي وربما يكون من بين وزراء محسوبين على حزب المجلس الإسلامي الأعلى من توجه إليهم انتقادات داخل حزبه بسبب هذه المعادلة الوطنية التي يؤمن بها مع أن حزبه من حقه أن يعين كفاءاته العراقية في وزارة المالية العراقية.إن الوزارة القوية هي التي تنهض برئيس الوزراء الضعيف ورئيس الوزراء القوي قد لا يمنح ذات القوة للوزارة العراقية التي يرأسها حتى وإن كانت قوية فإن الحاشية وربما بعض قيادات الحزب تعمل على إضعاف الوزارة لكي يبقى رئيس الوزراء قوياً وتلك (عادة) متأصلة في الثقافة السياسية العراقية والزبيدي العراقي يخالف تلك العادة ويطالب ويعمل على تأسيس وزارة عراقية قوية وإلا فقدت الشراكة الوطنية معناها السياسي والوطني وشرطها الوحيد.
https://telegram.me/buratha
