دراسات

مظاهر النزعة العقلية والروحية في النهضة الحسينية

9528 23:53:00 2009-12-30

بقلم: الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي

توطئة:العقل والروح تلك الثنائية التي مثلت بعضا من أهم مظاهر حركة التاريخ الرسالي، بل ان كل منهما تجاوز مفاهيم المظهرية الى واقعية الفكر، فعلى الرغم من الخصوصية الالهية لكل من العقل والروح، إلا ان البشرية تتجاوز في الكثير من الاحيان على هذه القيم العليا لتنغمس في تبني مثل دنيوية ادت الى سلخ المجتمعات عن غائية الخلق، ففي الوقت الذي قدمت فيه الكتب السماوية الرسالات باعتبارها ثورة على الجمود العقلي والتردي الروحي الذي كان سائدا في عصور الجهل، نجد ان كل المناهج التي انحرفت عن الفكر الرسالي قد تبنت موقفا رافضا للعقل والروح على السواء. من هنا فان ثورة اصلاحية كونية كنهضة الامام الحسين عليه السلام والتي مثلت امتدادا لقيم الرسالة الاسلامية حتى عبر عنها الرسول الخاتم فقال: " حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الاسباط ". هذا الاختصاص بين الامام الحسين وجده الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله ليس اختصاصا عضويا بيولوجيا تحدده الجينات الوراثية فقط، بل اختصاص بما تمثله الرساله الخاتم من كونها ثورة على جمود العقل والروح، ومنهجا لاستنهاض الوعي الجمعي لدى المجتمعات كافة. وهو صلوات الله عليه وآله عندما يذكر الحسين عليه السلام فانما يعني كل ما يتعلق به وبالاخص نهضته المباركة وشهادته في العاشر من محرم سنة 16 للهجرة.الحسين عقل الثورة:في تحليلات استقرائية لشعارات وخطب الامام الحسين قبل واثناء نهضته المباركة، نجد ثمة منهجا عقليا قد لا يطرح فكرة العمل العسكري بشكل مباشر اكثر من طرحه لمحاولة استنهاض العقل والوعي الاجتماعي ولكنه يبقى على استعداد دائم لكل فعل عسكري وهو يطرح حقيقتين:الاولى: طبيعة الانحراف ومنهجه:منذ البدء سعت الاطراف المنحرفة عن المنهج الرسالي الى طرح قضية مشاعة عدد من المفاهيم الاصيلة في القيادة الاسلامية (الامامة، الوصاية، إمرة المؤمنين، الخلافة والقيادة العامة) وكلها كانت مناطة بامير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في حياة الرسول الخاتم والتي تم سلبها منه والبست لغيره بوضع الاحاديث وتحريف الكتاب وتزييف التاريخ، ولم يكتفوا بذلك بل عبثوا بالشريعة واستهانوا بالعقيدة، حتى قال الامام الحسين عليه السلام في خطبته باصحاب الحر بن يزيد الرياحي الذين جاءوا لملازمته وصده عن طريق الكوفة فقال واصفا حال يزيد واتباعه: " ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، وأستأثروا بالفيء وأحلوا الحرام الله، ووحرموا حلاله ". راجع البحار.مما يكشف طبيعة الانحراف ومنهجه الساعي لتقويض القيم الاعقائدية للرسالة السماوية عن طريق تجاهل النص والمنهج العقلي والمعايير الالهية والعودة بالمجتمع الى الطبيعة القبلية التي ترفض قيم العقل والروح، وتسعى لعودة المجتمع لجمود الفكر عبر تغييب الوعي الجمعي. الثانية: التغيير:عندما رفع الامام الحسين عليه السلام شعاره: وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي صلى الله عليه وآله، أريد أ، آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ". راجع البحار/44/329.فالامام الحسين عليه السلام إنما اراد أن يضع الانسان امام قضية عقلية باعتبار ان لا قيمة لعملية الاصلاح الا ان يكون هناك ادراكا عقليا ووعيا بوجوب ظهور حركة الاصلاح من جانب وان قيادة هذه الحركة يجب ان تكون ممن قالت به الرسالة السماوية باعتبار ان الاصلاح بذاته امر الهي كالرسالة المنزلة من السماء.لاشك ان التغيير لايعني ايقاف مسيرة الحياة في محاولة لإيجاد مسار جديد، كما انه لا يعني المجيء بخلق جديد (ولو ان ذلك ليس على الله بعزيز)، لكن فلسفة التغيير تعتمد على وجود قضية تقول بوجود مسار اصيل حقق للبشرية قيمها العليا عبر معايير لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها تسير بالانسانية الى غاياتها، غير ان انحرافا قد حدث نتيجة لوجود عقائد سلبية تبنت قيما دنيا مما استدعى ضرورة ظهور التغيير للعودة بالامور الى مساراتها الرسالية.من هنا ستظهر حقيقتان تقول الاولى: بان التغيير واجب الوقوع، والثانية: ان تكون عناصر التغيير الهية المنشأ.ان تطابق هاتين الحقيقتين مع نهضة الامام الحسين وشعارها الداعي الى العودة للمنهج الرسالي يضعنا امام حقيقة القيمة الفكرية والعقائدية لهذه النهضة الكونية، وواقعيتها باعتبار انها لم تتعرض لمسيرة الحياة فتوقفها كما انها لم تأتي بمسار جديد حيث ان المسار الرسالي كان قد وجد منذ المبعث النبوي ولكن تم الانحراف عنه مما تطلب وجود الحاجة لثورة اصلاحية تعيد الامور لنصابها.ثورة الروح:

تكتسب الروح في الفكر الاسلامي واقعيتها من كونها من خلق الله (ويسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم إلا قليلا ". الاسراء/85.ولعل اشهر ملامحها قضية الموت والحياة، فبينما يمثل الموت استلابا للروح وخروجها من الوعاء (الجسد) تكون الحياة تعبيرا عن استمرار علاقة الروح بالجسد باعتبار انها احد اشكال قوة الحياة، ومن هنا فان حيوية المجتمع الاسلامي وارتباطه بالخالق عبر اتباع المنهج الرسالي فانما يمثل وعيا بحقيقة الروح ونشاطها في المجتمع، وبذلك ندرك ان المجتمع سيفقد الجانب الروحي بفقدانه لعلاقته بالله عزوجل وتبني الخط الشيطاني كما هو فعل كل الطواغيت والجبابرة والمجتمعات المنحطة عبر حركة التاريخ. فقبول المجتمع الاسلامي منذ البداية بقضية (تفضيل المفضول على الفاضل)، ووصول رجال للسلطة لايمثلون الروح الاسلامية باعتبار انهم غير منصوص عليهم الهيا، قد عطل فعل الروح الاجتماعية وابعد المجتمع عن المسار الالهي لولا وجود الامام علي عليه السلام وقتها، اما وصول الطلقاء وامثالهم من آل ابي سفيان وآل الحكم، قد مثل انحراف كامل للمجتمع عن حقيقة الروح الاجتماعية وفق المنظور الالهي.منذ البدء كان الهدف من نهضة الامام الحسين عليه السلام الاصلاحية هو استنهاض روح المجتمع الاسلامي من ضحالة الواقع الذي فرضته الدولة الاموية، بعد ان سعت الاخيرة الى تدمير روح المجتمع بعد محاولة نشر ماديات الحياة على يد مدعي الخلافة وبطانته (يزيد بن معاوية و عبيد الله بن زياد وابن سعد وامثالهم)، فعندما يتخلى القائد عن الجانب الروحي ليبحث وراء الماديات والشهوات يحاول عكس هذه النظرة على المجتمع لايجاد ما يبرر لافعاله ولسلوكه السلبي، فبينما كان الرسول الخاتم واهل بيته الاطهار عليهم السلام يمثلون قمة الجانب الروحي في الاسلام، كان المنتمين للطرف الجاهلي من اتباع المؤلفة قلوبهم واللقطاء والطلقاء (آل ابي سفيان ومن ماثلهم) قد تبنوا انحطاط الروح حتى صار القتل والولوغ بدماء المسلمين من اهم سمات مسيرتهم الحياتية، فالقتل اذا لم يكن في سبيل الله فسيمثل انحطاط الروح وفساد الفكر وسقوط النفس في ادرك المستويات، من هنا كنا نجد ان لا الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله ولا الامام علي عليه السلام ولا الحسنين عليهما لاسلام في حروبهم قد أبتدأ احدهم الحرب او بادر هو للقتال حتى في الحروب كبيرة.ماذا تبقى من روح الثورة الحسينية؟احد اكبر الاسئلة المعاصرة ونحن نعيش عاشوراء ومرحلة التحضير لاربعينيته فماذا بقي من روح الثورة في المجنمع الاسلامي والشيعي خاصة؟ فهل سنبقى نكتفي بالقصائد والنوائح والمهرجانت والمسيرات وشعارات التنديد والبكاء والتشبيه واللطم؟ وكل ذلك مشروع للحفاظ على جانب من الروح، لكن ننسى ان الحسين عليه السلام لم يكتفي بالقاء الحجج والنصح! الحسين عليه السلام لم يهادن اعداءه واعداء الاسلام! الامام الحسين عليه السلام رفع شعار الاصلاح وجاهد من اجله وعمل على تطبيقه وهو به مؤمن، الحسين عليه السلام عندما طرح مشروعه الاصلاحي قام به بنفسه ولم يتكل على الاخرين لتخليصه من الظلم وحتى عندما دعا الناس لنصرته فانما فعل ذلك لاجل القاء الحجة يوم القيامة، وللارتقاء بارواحهم من وضاعة المادية الى سماوات الروح.من هنا نسأل اين رجال الدين من ثورة الامام الحسين؟ أين روح الثورة ايها العلماء الاعلام؟ هل نكتفي باصدار البيانات السنوية او الموسمية؟ ها قد قالها السيد حسن نصر الله صريحة هل سنبقى نبكي امام شاشات التلفزة؟ أين الثورة التي نادى بها الامام الحسين عليه السلام؟ هل ثار الامام الحسين ليعلمنا روح الثورة ام البكاء فقط؟ أين الثورة؟ اذا لم تكونوا ثوارا كما اراد سيدي الحسين عليه السلام فالتصمتوا؟ فالثأر للحسين لايكون بالدموع ولكن بعقول وسواعد الثائرين وعندها فقط سيكون النصر من الله.

الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتيdr-albayati50@hotmail.co.ukالمملكة المتحدة - لندن

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك