دراسات

صناعة الاعداء..!


 نعيم الهاشمي الخفاجي ||

 

كيفية قيام بني البشر في معادات بعضهم البعض الاخر، جعلت الشرائع السماوية والوضعية، تحث أتباع الديانات، في كيفية كسب الناس لبعضهم البعض الاخر كأصدقاء، أو أخوة في في الدين بين رفاق أتباع الدين السماوي أو الوضعي، لذلك ظاهرة كسب الأصدقاء، كتب عنها الكثير من الكتاب والمثقفين.

صدر في  ثمانينات القرن الماضي، كتاب عنوانه جميل، الى المؤلف الكاتب الأمريكي وهو المستر «ديل كارنيجي» العنوان اختاره المؤلف بطريقة محترفة  يحمل الاسم التالي  «كيف تكسب الأصدقاء»، انا متأكد ان هذا الكتاب قد سجل نسبة عالية في المبيعات،  ترجم الكتاب إلى عشرات اللغات ومنها اللغة العربية، اشتريه بحياتي مرتين، المرة الأولى قبل ٣٣ سنة، والمرة الأخيرة اشتريته من العراق في العام الماضي من مكتبة من مكاتب مدينة الكوت مركز محافظة واسط.

لذلك صناعة الاصدقاء، تحتاج انسان محترم، يتحمل تصرفات بني البشر، ويتنازل  عن بعض حقوقة، وربما يخسر من أمواله لكي يكسب حب الناس ورضاهم عنه، وأن وردت أحاديث كثيرة لأقوال مفكرين وفلاسفة، أمثال الفيلسوف المتألق الإمام علي بن ابي طالب ع، يقول، ارضاء الناس غاية لاتدرك، أي انها بحر عميق، لا يستطيع كل الناس الخوض والغوص في أعماق هذا البحر العظيم الهائل.

اما صناعة الأعداء، فهي مَهارة لا تحتاج إلى خبرةٍ ودرايةٍ، يكفي أن يكون الانسان، سفيه، سليط اللسان، يسب هذا، ويكذب على هذا، وينقل الخبر عن هذا لذلك الانسان، يتألق في خلق الفتن وتاجيج الكراهية وإشاعة الفوضى والقلاقل، هناك من بني البشر، يعادي الانسان الناجح المتواضع، بسبب امتلاكه  لروح التعاون واحترام الاخرين، صناعة الاعداء، تبني من خلال التمسك في سلوكيات سيئة، ليصبح لدى هؤلاء البشر الاغبياء السذج  أعداء من حيث لا يعلمون ، الموظف والمسؤول والزعيم السياسي، عندما يسد ابوابه، ويرفض سماع مظلوميات المواطنين، ويقرب المرتشي والمنافق والكذاب، كل هذه التصرفات، تثير حفيظة العامة من الناس، وخاصة بظل وجود طبقات فقيرة في مجتمع أصبح به حلم المواطن الحصول على وظيفة، لكي يستطيع المواطن تأمين حياته، والعيش بدون فقر واحتياج إلى الاخرين، في المجتمعات التي تغلب على بيئتها الاجتماعية الجهل، يتم معاداة أصحاب المواقف النبيلة، تجعل الكثير من أصحاب النفوس المريضة، منهم  من لا ينام الليل وهو يتلّوى ويفكر كيف يُوقعك في مصيبةٍ ، وقد يجتمع ويتحالف مع من هو على شاكلته لنسج خيوط مؤامرة بحقك ، وتخريب كل ما بنيته في سنوات في لحظات، هناك فئات من مرضى النفوس والقلوب الذين يُحيطون بك وَيبتسمون لك ، وينتظرون لحظة سقوطك عن سلم النجاح ، ويحرّضون عليك القريب والبعيد ، وللأسف تجد من يستمع لهم.

بطانة الحاكم أن كان الحاكم صالح تكون بطانة يغلب عليهم أهل الصلاح، سجلت كتب التاريخ عن حاكم مسلم اسمه «محمد شاه خوارزم» استطاع هذا الشاه أن يُشيِّدَ إمبراطوريةً شاسعة، تمتدُّ من تركيا إلى أفغانستان، لها جيشٌ قويٌّ، وعاصمةٌ جميلةٌ جداً هي سمرقند، أحاط به بحاشية متملقة، عاصره، زعيم عسكري عتيد من الأمة الانغولية العظيمة، أحد قادة التتار وهو القائد 

المُحارب الشاب «جنكيز خان» قد تولَّى السُلطة في منغوليا، وطبيعة الثقافة والفلسفة الصينية مبنية على أساس التعاون وتبادل المنفعة، بعث القائد المنغولي العتيد  هدايا  إلى «محمد شاه خوارزم» هدايا ثمينة وبأطنانٍ، الغاية من ذلك تعزيز التعاون والمنفعة الاقتصادية، وفتح  طريقَ التجارةِ إلى الهند.

ولكن «محمد شاه خوارزم» عامل «جنكيز خان» بازدراء، بسبب تبنيه إلى آراء البطانة المحيطة بالشاه، الذين يتكلمون من منطق القوة والغلبة، قالوا له أن التعاون مع هذا القائد التتاري يعني يتم الغدر بك واحتلال مملكتنا، الشاه الخوارزمي صدق بذلك، فبعث بكتاب إلى جنكيز خان بالقول له: من أنتَ أيها الهمجي حتى تُحدثني كَنِدٍّ مُساوٍ لي، 

ولكن القائد العتيد الشاب «جنكيز خان» لم ييأس وحاولَ مرةً أخرى أن يجدَ له مكاناً تحت جناح «محمد شاه»، فأرسل قافلةً أخرى محملةً بالهدايا إليه، وعرضَ عليه عرضه القديم مرَّةً أخرى.

غضبَ «محمد شاه خوارزم» وقام بقطع رأس أحد السُفراء، وحلقَ رؤوس الباقين، وأرسلهم إلى «جنكيز خان» الذي اعتبرَ أنَّ هذه إهانة لا يُمكن قبولها حتى وإن صدرتْ من السُلطان القوي جداً، فأرسلَ رسالةً إليه يقول فيها،  لقد اخترتَ الحربَ، فليكُنْ لكَ ما اخترت، 

فشنَّ عليه حرب عصاباتٍ على مدار سنوات، أنهكَ له فيها جيشه، وكان يحتل إمبراطورية «محمد شاه» مدينةً مدينةً، إلى أن حاصرَ العاصمة سمرقند أخيراً، فسقطتْ بيده، وهربَ «محمد شاه»، وتوفي في مكانٍ ما بعد عام من الذل والعار، وأصبحَ «جنكيز خان» ملكاً على كل ما كان أولاً بيد «محمد شاه خوارزم».

كانت هذه البداية لصعود التتار، جعلت من الخليفة العباسي، يتعاون مع التتار لقتل الشيعة الإسماعيليين البويهيين في إيران، كرر تجربة تعاون صلاح الدين الأيوبي مع الصليبيين للقضاء على الدولة الفاطمية الإسماعيلية في مصر والشام وشمال أفريقيا.

وصلت جيوش التتار إلى قضاء مندلي قبل احتلالهم إلى بغداد عاصمة الدولة العباسية ب ١٢٠ سنة، وكان التتار هم من ينصبون ويعزلون الخليفة العباسي، ويفرضون الجزية على الخليفة العباسي بنفس طريقة ترامب في حلب أبقار الخليج السمينة.

أيضا آخر خليفة عباسي ورغم ضعفه وتسريحة لجيش الخلافة العباسية، رفض إعطاء هولاكو الجزية السنوية بمبالغ تليق في مكانة الزعيم المغولي هولاكو، بسبب حقد مفتي السنة التويتار، على الوزير الشيعي الإمام محب الدين الأسدي المكنى بالعلقمي، العلقمي عندما سأله الخليفة العباسي في التعامل مع هولاكو، قال له افعل معه كما فعل ابائك واجدادك في إعطائه الهدايا لتجنب شره، لكن مفتي السنة مفتي البلاط العباسي فسر ذلك من منطلق حقد وسوء نية، بالقول إلى الخليفة العباسي اعطي إلى هولاكو هدايا قليلة، وأن ابن العلقمي صديق وعميل إلى التتار.

الخليفة العباسي أرسل الى والي الموصل رسول لجلب المغنين والمطربات، ورسول هولاكو وصل إلى بدر الدين عامل الخليفة العباسي يأمره في إرسال المدفعية المناجيق لدك العاصمة بغداد في أسلحة العباسيين نفسهم، والعمل على احتلالها، ارسل الخليفة العباسي هدية متواضعة، أثارت حفيظة هولاكو، فأمر  جيوشه دخول  دار الخلافة، وجدو الخليفة في باحة دار الخلافة وترقص له جارية تلبس ملابس سوداء وبين أحضانه غلام، جندي تتري ضربه بسهم وطم عاره، وكذبة قيام التتار في حرق كتب مكتبات بغداد ورمي الكتب في نهر دجلة وجيوش التتار عبرت دجلة دجلة، والخيول تجر العربات على الكتب التي سدت نهر دجلة، قصة تضحك الثكلى، من  نسج هذه القصة الخيالية، الغاية  تبرير جريمة الخليفة العباسي في ترسيح الجيش وفتح المجال أمام التتار في إسقاط دولة الخلافة العباسية.

للأسف هناك حقيقة،  إن الناس يصنعون أعداءً أكثر مما يصنعون أصدقاءً، لسنا مطالبين أساساً أن نُوسِّعَ دائرة صداقاتنا، ولكن الحكمة تقتضي أن الشخص الذي لا أريده صديقاً ليس بالضرورةِ أن أجعلَه عدواً.

جريمة شاه خوارزما، الزعيم المغولي جنكيز خان أرسل إليه وفد يضم بين أعضاء الوفد الذي يضم ٤٥٠ شخص ومسلمين مغول، النتيجة الشاه الخوارزمي قتل واساء إلى وفد جنكيز خان، كانت السبب الرئيسي في قيام جنكيز بأخذ ثأره، وأرسل جيش عظيم يضم ١٥٠ الف مقاتل سحق الدولة الخوارزمية وكانت البداية لعملية أضعاف الدولة العباسية وحلب خلفائها، ومن ثم فرض الجزية واحتلال بغداد وإنهاء دولة الخلافة العباسية.

لذلك النجاح، في العراق الحالي، مرهون  بمراجعة أخطاء الماضي، والعمل  في الارتقاء بالصالح العام وانتشاله من الأوضاع المتراكمة وحل أزمات السكن والخدمات والبطالة ، هنا يقاس النجاح وليس استخدام سلاح الإعلام والهاء الناس بظاهرة الاستعداء المزمن إلى  الآخرين. 

 

كاتب وصحفي عراقي مستقل.

1/6/2023 الدولة العباسية

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك