دراسات

القراءة العلمية للمشكلة العراقية: مدخل الحل/5 (القسم الأخير)

1754 2023-05-16

علي المؤمن ||

 

حزمة الحلول

   ابتداءً؛ من منطلق الحفر في الواقع؛ يمكن الجزم بأن أزمات العراق ليست مميتة وقاتلة وميؤوس منها، بل هي أزمات مزمنة صعبة، ويمكن إيجاد العلاجات والحلول لها، وإن كانت هذه العلاجات موجعة ومرّة وخطيرة وطويلة الأمد. ويمكن تسمية حزمة الحلول الجذرية التي نطرحها هنا، بالتحول العراقي الأساس، واستئصال أزماته، وتتمثل بما يلي:

  1- منح إقليم كردستان (اربيل سليمانية دهوك) استقلاله كدولة جديدة كاملة السيادة، وهو أهم مدخل لحزمة الحلول، لأن فيه مصلحة العراق وكردستان معاً، وحينها سينخفض منسوب الصراع على هوية العراق المذهبية القومية الى أدنى مستوياتها، فضلاً عن الصراعات الأخرى على الثروات والمناصب والتشريعات وسياسات الدولة، والكلام في هذا المجال طويل.

   2- تعديل الدستور تعديلاً شاملاً، يشمل الجانبين الفني والمادي، ويضع خاتمة لكل الثغرات القانونية والشكلية فيه، والتي تسببت طيلة الفترة الماضية بتعميق الخلافات السياسية بين المكونات العراقية والفرقاء السياسيين، ومنها تثبيت القيم العليا الاجتماعية الدينية التي تعتقد بها الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي، وإلغاء مادة تعطيل ثلاثة محافظات لتعديل الدستور، وتغيير النظام السياسي من البرلماني الى الرئاسي، وإلغاء مجالس المحافظات، وغيرها. وسبق أن قدمت مقترحات وافيه بهذا الشان.

   3- تغيير النظام السياسي البرلماني الحالي إلى النظام الرئاسي أو الرئاسي - البرلماني؛ على غرار النظامين السياسيين الفرنسي والروسي والتركي؛ فيكون هناك رئيس جمهورية منتخب انتخاباً مباشراً من قبل الشعب، يتمتع بصلاحيات تنفيذية يحددها الدستور، ويكون القائد العام للقوات المسلحة في الوقت نفسه، كما يكون هناك برلمان منتخباً شعبياً. ويقوم رئيس الجمهورية المنتخب باختيار مرشح الكتلة النيابية الأكبر التي يحدد الدستور مواصفاتها بدقة؛ ليكون رئيساً للوزراء، بعد التصويت على كابينته في مجلس النواب، وتكون السلطة التنفيذية مقسّمة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في إطار صلاحيات محددة دستورياً بشكل حاسم، تحول دون أي تضارب أو خلاف.

  4- إعتماد النظام الفيدرالي المتماسك، الذي يتألف من دولة مركزية قوية وستة أقاليم صغيرة، على غرار النظام الروسي، ويتم في إطاره تقييد مفهوم الفيدرالية بتعاريف ومواد واضحة جداً، تحدد قيام الأقاليم على أسس مشتركة، كما تحدد للمركز والأقاليم نوعية الصلاحيات والحقوق والواجبات والعقوبات الجزائية، وأن لايمرر هذا النظام في الدستور على قاعدة الترضيات والازدواجية في الطرح، أو على حساب قوة الدولة وهيبتها، وقوة الحكومة المركزية وصلاحيتها. وتعطى هنا للحكومة المركزية صلاحيات معينة في إقامة الأقاليم ورسم حدودها الإدارية، وأن تتمتع جميع الأقاليم بحقوق وواجبات وصلاحيات وحكومات متشابهة شكلاً ومضموناً. ويتم اعتماد النظام البرلماني في الأقاليم وليس النظام الرئاسي. والأقاليم على النحو التالي:

   أ- إقليم العاصمة بغداد، وتلحق به أقضية سامراء والدجيل وبلد

   ب-إقليم كركوك الخاص، ويلحق به قضاء طوزخرماتو

   ت-اقليم الغرب: الموصل، الأنبار وصلاح الدين

   ث-إقليم الفرات الأوسط:  كربلاء، بابل والنجف، وتلحق به النخيب الى الحدود الدولية

   ج-إقليم الشرق: ديالى، واسط، العمارة والقادسية

   ح-إقليم الجنوب: البصرة، الناصرية والمثنى.

   ويتم انتخاب مجلس نواب أو مجلس إقليمي لكل إقليم، وتلغى مجالس المحافظات، كما يتم انتخاب رئيس أو رئيس وزراء لكل إقليم من قبل برلمان الإقليم، بوصفه مرشح الكتلة الأكبر، ويتم أيضاً ترشيح المحافظين من رئيس الإقليم، والتصويت عليه داخل برلمان الإقليم. 

   5- تثبيت الناظم المذهبي القومي للدولة، والمتمثلة بمذهب الأكثرية السكانية وقوميتها، ليأخذ موقعه في أدبيات الدولة ورمزياتها وتشريعاتها ومؤسساتها وأعرافها، بوصفها دولة شيعية عربية. فبعد منح إقليم كردستان استقلاله؛ ستكون نسبة العرب في العراق 85% والشيعة 84% من عدد سكان العراق، أي أن نسبة الشيعة العرب ستبلغ 75% من عدد سكان العراق، الأمر الذي سيجعل تثبيت هوية العراق أمراً تلقائياً، حتى على مستوى القوانين والتشريعات والمناهج الدراسية، بما لايتعارض مع هوية الدولة وناظمها المذهبي القومي، الى جانب تقنين واقع دولة التعددية القومية والمذهبية والجغرافية، واحترام الاتجاهات الثقافية والمذهبية والفكرية الأخرى، على قاعدة قناعة جميع فئات الشعب بمبادئ العيش المشترك، ما يعني إعطاء جميع أبناء المكونات القومية والمذهبية والدينية والتيارات الفكرية، حقوقها وحرياتها، بشكل متكافيء، ينسجم مع حجمها السكاني واستحقاقاتها السياسية.

6- العمل بمقتضى ما تفرضه الأنظمة الديمقراطية من وجود حكومة منسجمة سياسياً، ووجود معارضة داخل البرلمان وخارجه. ويتم تشكيل الحكومة المنسجمة سياسياً، والتي تحظى بأغلبية برلمانية، من جماعات وأعضاء يمثلون التنوع العراقي؛ أي حكومة أغلبية، فيها تمثيل واقعي متوازن للعرب والفيليين والتركمان والشبك؛ بشيعتهم وسنتهم، وحتى الكرد الذين سيكون لهم وجود سكاني في محافظات العراق، خارج كردستان، فضلاً عن الأقليات الدينية القومية. وتذعن هذه المنظومة الحكومية إلى حقائق الديمغرافيا العراقية في نوع المشاركة وحجمها. وينطلق تشكيل هذه الحكومة من نقطة تشكيل تيارات منسجمة سياسياً، تتصدرها أحزاب تنتمي إلى الأكثرية السكانية، وينضوي تحتها جماعات وأفراد من كل الطوائف والقوميات، وتدخل الانتخابات كقوائم وطنية وليس قوائم مذهبية أو قومية. أما الائتلافات والأحزاب التي لا تحقق الأغلبية؛ فإنها تبقى في المعارضة؛ وإن زعم بعضها أنه يمثل مكوناً معيناً.

   وعلى هذه القاعدة؛ سيتم إلغاء منهجية تشكيل الحكومة على أساس المحاصصة السياسية؛ بذريعة الشراكة الوطنية، وإعتماد منهجية حكومة الأغلبية السياسية؛ التي تعطي للمكونات الدينية والمذهبية حقها في التمثيل أيضا، في إطار حكومة الكتلة الواحدة أو الائتلاف الواحد المنسجم سياسياً، والمتنوع دينياً ومذهبياً وقومياً وفكرياً. كما ستحول هذه القاعدة دون حدوث الظواهر التي تشل الحكومة وحركة الدولة، ومنها ازدواجية ولاء الوزير أو المسؤول بين الحكومة والأحزاب، وظاهرة ازدواجية الانتماء بين الموالاة والمعارضة. 

   7- تطهير الدولة وجميع مفاصلها وثقافتها وأدبياتها ورمزياتها ومناهجها الدراسية من أية رواسب طائفية وعنصرية، وغلق جميع الأبواب، عبر الدستور والقوانين والنظام السياسي وجميع نظم الدولة، أمام العودة الى أي ثقافة أو نظم أو منهجيات فيها لون من ألوان الطائفية والعنصرية والتمييز النظري أو العملي بين فئات الشعب العراقي.

   ويكون هذا التطهير متزامناً مع إعتذار الدولة العراقية رسمياً، بصفتها المعنوية؛ وبالطرق القانونية والثقافية والسياسية والإعلامية المتعارفة دولياً، عما تسببته من مآسي وويلات وإضطهاد وتهميش، على مدى قرون؛ للطوائف والقوميات التي كانت تختلف معها في الماضي طائفياً وقومياً، ولاسيما الشيعة والكرد، وتعويضهم مادياً ومعنوياً وقانونياً، بالطرق المتعارفة دولياً.

   8- وضع خطة عملية حازمة، لسد أية ثغرات ومسارب للفساد الإداري والمالي والشلل، في جميع مفاصل الدولة، سواء على مستوى القوانين والتشريعات أو النظم الإدارية وسياقات العمل أو التأثيرات السياسية، ويتم تنفيذ الخطة بحزم وهدوء، بعيداً عن الإعلام والاستثمار السياسي.

   9- إعادة مركزة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وبناء عقيدتها الوطنية، وفق ما تقتضيه التغييرات في الثقافة الطائفية والعنصرية وهوية الدولة، ومنع قيام أية قوات مسلحة في الأقاليم، عدا الشرطة المحلية، وحصر السلاح وأي عمل مسلح بأجهزة الدولة فقط، المتمثلة بالجيش والحشد الشعبي والشرطة والأجهزة الأمنية.

   10- بناء خطة وطنية عملية للأمن الستراتيجي، لردم جميع بؤر إنتاج الإرهاب والتكفير، واستباق أية أزمات في الأمن السياسي والثقافي والإعلامي والإقتصادي. وتتعاون في رسم الخطة وتنفيذها جميع أجهزة الدولة العسكرية والمدنية، الى جانب المؤسستين الدينيتين الشيعية والسنية ومنظمات المجتمع المدني.

   11- التأسيس لسياسة خارجية وطنية قوية فاعلة موحدة، تعطي للدولة العراقية هيبتها إقليمياً وعالمياً، وتمنحها علاقات متينة متوازنة بدول الجوار والمحيط الاقليمي والعربي والاسلامي، كما تعطي للعراق إمكانية خلق محور سياسي واقتصادي وأمني إقليمي، ولعب دور حيادي إيجابي في النزاعات الإقليمية والدولية، بالترافق مع التعامل بالمثل مع الدول الأخرى، سلباً وإيجاباً، ومن ذلك تقنين عمل السفارات الأجنبية والسفراء والدبلوماسيين الأجانب، وحصر تواصل العراقيين معهم عبر القنوات الرسمية المعنية، وعدم السماح لأي مسؤول عراقي بالتواصل مع الدول الأجنبية، إلّا عبر القنوات الرسمية ذات الصلة.

   12- التخلص نهائياً من أي تواجد عسكري وأمني أجنبي، تحت أي ذريعة وعنوان، وإلغاء أية اتفاقيات تسمح لتواجد عسكري وأمني.

13- وضع خطة عشرينية تنموية ثورية من قبل مراكز بحوث وجامعات وخبراء عراقيين وأجانب، تتكون من أربع خطط خمسية، تشتمل جميع مجالات عمل الدولة، مع التركيز على المجالات ذات العلاقة بالاقتصاد والبنى التحتية ومعيشة الشعب، كالنفط ومصادر الطاقة الأخرى، والطاقة النووية، والبتروكيمياويات، والكهرباء والماء، والسكن، والعمل، والضمان الاجتماعي والصحي، والزراعة، والصناعة ونقل التكنولوجيا، ودعم صناعات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة والثقيلة، والاستثمار المحلي والأجنبي، والتعليم والبحث العلمي، والثقافة المجتمعية، والإعلام والسينما، والسياحة والسياحة الدينية،. كما تتضمن الخطة العشرينية وضع آليات مجدولة عملية وحازمة، بعيدة عن الروتين والبيروقراطية، وأية مسارب للفساد الإداري والمالي.

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك