نعيم الهاشمي الخفاجي ||
قيام الدول ليست حالة طارئة على عالمنا المعاصر، ولم تكن إقامة الدول بدعة، بل تاريخ البشرية حافل في إقامة دول وامبراطوريات حكمت الشرق والغرب، ثم آلت إلى الانهيار والسقوط، سواء من خلال غزو دول اخرى، أو بسبب الصراعات الداخلية بين أبناء الحكام أنفسهم.
لذلك قضية قيام الدول وسقوطها، كان ولازال محل اهتمام لدى الباحثين والمهتمين بالتاريخ، والأمم الحية تدرس تاريخ قيام دولها وسقوطها، للاستفادة من التجارب السابقة وعدم تكرار الأخطاء مرة ثانية، لتجنب تكرار كوارث سقوط الدول مرة ثانية.
قيام الدول لا تتم إلا في ظل وجود عوامل النشأة والظروف المحيطة بها، الفيلسوف الأمازيغي ابن خلدون والذي ينسبه العرب إليهم ظلما، ولد ونشأ في بيئة مغاربية أمازيقية حكمها الشيعة الإسماعيلية مؤسسي علوم الفلسفة والمنطق، ورغم ابادة الشيعة بحرب تطهير عرقي أشد قبحا مما فعلته التيارات الوهابية التكفيرية القاعدة وداعش، قبل ولادة ابن خلدون بعدة قرون، لكن بقي ابناء المغرب لديهم قيم اخلاقية فاضلة متمسكين بها ليومنا هذا، الامازيغي ابن خلدون أوجد نظرية قيام وسقوط الدول في مقدمته، تحدث عن علم الاجتماع ودراسة ظواهر قيام وسقوط الدول، رغم أن ابن خلدون في مقدمته لم يكن منصفا مع آل بيت رسول الله ص، حيث ذكر في مقدمته القول التالي، وشذ آل البيت في ابتداع مذاهب، وهذا الكلام يتنافى مع النصوص القرآنية وأحاديث الرسول محمد ص وخطب وأقوال وأحاديث الإمام علي بن أبي طالب ع المليئة بالمطالبة بحقه في قيادة الأمة من خلال الإمامة وحديث الأئمة إثنى عشر متواتر لدى السنة والشيعة ولاينكر ذلك إلا أحمق متطرف معاند للحق.
الكثير من الناس يمتلكون معرفة الحق، لكنهم يتحركون في خط الباطل، هم يعيشون معنى العدل في اذهانهم في وقت يتحركون مع الظالمين ليؤدوا ظلمهم، يعرفون الله في عقولهم، ولكنهم يعيشون الشيطان قلبا و احساسا وشعورا، وعاظ السلاطين يعطون السلطان الجائر فتوى الحرب، وفتوى سلام ويزينون له الظلم والانحراف من منطلق شرعي.
لذلك قيام الدول وسقوطها لابد من توفر عوامل نشوء الدول سواء كانت قبل الإسلام مثل قيام دولة الغساسنة ودولة المناذرة، نفس عوامل نشوء الدولتين تهيأت ظروف إلى إسقاط تلك الدولتين، ومن ثم قيام الدولة الإسلامية، والتي شهدت قيام الدولة الاموية والتي سقطت بسبب الظلم والجور، نشأت على انقاضها الدولة العباسية، والتي كررت نفس الظلم والاجرام في اعتقال أحفاد رسول الله ص وزجهم بالسجون والمعتقلات وقتل وقمع الجماهير الثائرة، ضعفت الدولة العباسية، وتهيأت ظروف لقيام الدويلات الإسلامية والممالك، وانتهت بسقوط الدولة العباسية على أيدي التتار بسبب تعاون خلفاء بني العباس مع التتار للقضاء على الشيعة البويهيين والفاطميين، العباسيين فتحوا بلادهم إلى القوات الغازية التترية، وعسكر التتار ١٢٠ سنة في قضاء مندلي شرق بغداد وكانوا هم من ينصبون الخلفاء السياسيين وهم من يعزلوهم، وكانوا يحلبون الخليفة العباسي مثل الحلاب ترامب صاحب أشهر شركة لحلب ابقار الخليج السمينة في زمننا المعاصر هذا.
هناك عوامل رئيسة لقيام الدولة ولا يمكن أن يطلق عليها مصطلح الدولة إذا لم تكن مستكملة الشروط وعوامل هي، لابد من وجود رقعة من الأرض محددة بحدود واضحة ومعترف بها ، إذ يستحيل قيام دولة لمدة طويلة دون أن يكون لها مكان من الأرض تمارس عليه سيادتها وتمنع كل قوة أجنبية من التعدي على أراضيها، وجود شعب أو سكان أصليين يعيشون على تلك الأرض عيشة دائمة على أن توجد بينهم روابط قوية تجعل منهم وحدة سياسية متماسكة، وجود زعيم يبسط سلطته ويقوم بتنظيم النظام السياسي سواء كان قبلي أو ملكي
يقوم باتخاذ القرارات اللازمة والتي يراعى رفاهية الشعب، والاهتمام بالزراعة والصناعة والانتفاع من الموارد الموجودة بالبلاد، أن تكون الدولة صاحبة قرار دون وصاية خارجية، رغم دول العرب بالجاهلية مثل الغساسنة والمناذرة منصبون من الفرس والرومان فهم أدوات رخيصة تنفذ سياسات الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، ولذلك زعيم الإمبراطورية الفارسية كان ينكح بنات زعماء العرب بالقوة رغم أنف زعيم العرب المنصب من زعيم الأمة الفارسية.
وكل دولة مستقلة لايمكن حفظ سيادتها بدون وجود جيش قوي يدافع عن الحدود، وليس مثل جيش صدام الجرذ، بمعركة الكويت خلال ٩٦ ساعة فقط فترة المعركة البرية رأينا عشرات آلاف الضباط والجنود يرفعون الرايات البيضاء، بحيث تم أسر ٧٨٠٠٠ ضابط وجندي، وسميت المعركة في معركة المائة ساعة.
يبقى ابن خلدون، شخصية بارعة استطاع الحديث عن الظواهر السلبية التي عاشها العرب وشخص أسباب سقوط دولهم، وشخص ظاهرة قبول العرب التعايش مع القوات المحتلة والعمل معهم بطريقة عبودية ومذلة، ابن خلدون تحدث عن واقع العرب وفق علم الاجتماع، فهو مؤسس علم الاجتماع، وهو سبق العالم الغربي.
العرب يقيمون دولهم إن أقيمت وفق قول عبدالله بن عمر، نحن مع من غلب، يبايعون الغالب حتى وأن كان سفيه وفاسق مرتبط مع الدول الإقليمية، عندما جاء الإسلام وتم توحيد الجزيرة العربية وتم إسقاط الإمبراطورية الفارسية، لكن المسلمون لم يستطيعوا إسقاط الدولة الرومانية، بل بقي الرومان أقوياء، يجمعهم رابط ديني مسيحي مقدس، بينما الفرس كانوا لا يريدون الديانة المجوسية، والأمة الفارسية كانت مبدعة، حيث يكثر عندهم الفلاسفة، لذلك دخل الفرس في الإسلام بشكل جماعي وسريع، والسبب الفرس قد سئموا المجوسية، على عكس الرومان بقي متمسكين بديانتهم السماوية المسيحية، وليومنا هذا لازالت روما والغرب معقل الديانة المسيحية.
العرب دائما يعملون مع قوى الاستعمار، قبل مايقارب ثلاثة قرون، مستر همفر دعم محمد عبدالوهاب رجل دين يفهم الإسلام وفق فقه بدوي متطرف ومعه زعيم قبلي وهو ابن سعود، ومكنهم من السيطرة على الجزيرة العربية لاضعاف الإمبراطورية العثمانية، لكن العثمانيين وكلوا مهمة القضاء على ابن سعود والوهابية على يد إبراهيم باشا، حاكم مصر.
تعاون العرب مع المحتلين ينتج قيام القوى العظمى الاستعمارية، في دعم عملاء المتعاونين معهم، لكي يمكنوهم من إقامة دول تابعة لخدمة قوى الاستعمار، ويتم اسقاطهم حال انتهاء مهمتهم.
ابن خلدون حسب نظريته، الدولة تمر بمراحل مختلفة تبدأ بالبداوة، ويكون الملك في أهل العصبية الغالبة يشاطرون الرئيس المجد ويقاسمونه ثمرات الملك فتقوى الدولـة، ثـم مرحلـة الحضارة، حيث يزداد عدد السكان وتزدهر المدن وتكثر الصناعات والحرف ويحصل انفراد الملك بالمجد وترف الحضارة ومن ثم بدء ضعف الدولة؛ ثم مرحلة الانحـلال انفراد تام بالمجد والقضاء على العصبية واستبحار في التـرف والسـكون فـزوال البأس وضعف الحامية، وفيها يكثر الظلم والفساد وتعم الفوضى فتضـعف الدولة ويدفع بها نحو الهرم والدثور ويشير إلى أن الأمم لها أعمار طبيعية كالأشخاص، أي أن الدولة عندما ينتهي عمرها تنهار مثل الأشخاص وأن انهيارها حتمي.
كما يرى أن العمر الطبيعي لأي دولة هو في حدود ١٢٠ سنة، ويتضمن ثلاثة أجيال كل جيل ٤٠ سنة، يتصف الجيـل الأول منهـا بالبداوة والخشونة وقوة الدولة، والثاني بالحضارة والترف وانفراد بالملـك، والثالـث بانفراد تام بالمجد والقضاء على العصبية، وفي انقضـاء الجيلـين (الأول والثـاني) تشرف الدولة على نهاية عمرها الطبيعي فيكون حينئذ العمران فـي غايـة الوفـورِ والنَّماء (ثم بعد ذلك تدخل الدولة مرحلة) تناقض العمران بعد حين، من أجل التَّدريج في الأمور الطّبيعية، ثم إن المجاعات تكثر عن ذلك في أواخر الدول.
تحدث ابن خلدون عن واقع العالم الذي عاشه، وبلا شك هذا الواقع قد تغير اليوم، دول أوروبا أقامت دول منذ ألف سنة ولم تسقط الدول، ملكة الدنمارك التي تحكم مملكة الدنمارك من سلالة ملكية حكمت الدنمارك منذ ٨٥٠ سنة وقيل منذ أكثر من ١٠٠٠ سنة، الكثير من دول الغرب لم تسقط دولهم منذ قرون طويلة من الزمان، وتحكمهم دساتير، ويتم التداول على السلطة عن طريق الصندوق الانتخابي، النظام الجمهوري في فرنسا قام على أنقاض الحكم الملكي والكنيسة والإقطاع، ومنذ الثورة الفرنسية والتي تسببت في ارتدادات بالقارة الأوروبية عرفت في الثورة الصناعية، لم تسقط الجمهورية الفرنسية لأن من يحكمها دستور ضمن التداول السلمي للسلطة.
لذلك نظرية ابن خلدون في قيام الدول وسقوطها لامكان لها في العالم الغربي بعصرنا هذا، الدول العربية الحديثة، من رسم حدودها الاستعمار، دمج مكونات غير متجانسة مع بعض، لم يشرع المستعمر للشعوب العربية دساتير حاكمة، الاستعمار دعم أشخاص عملاء لينصبوهم حكام وملوك وأمراء على الدول العربية، لذلك لازال العرب ليومنا هذا يعيشون في قيام الدول وفق نظرية ابن خلدون، كل ١٢٠ سنة تسقط حكومات وتحل محلها دول جديدة، بعد استقلال الدول العربية الصوري بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، رأينا قيام الكثير من السلطات وليس الدول ظهرت في العالمين العربي والإسلامي، أنظمة ملكية وامراء وحكام نصبهم الاستعمار، وبسبب قضية فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني، وقعت انقلابات عسكرية اطاحت في عملاء الاستعمار، ووصل العسكر الذين هم أيضا تمسكوا بكراسي الحكم وورثوا الحكم إلى أبنائهم واقاربهم، المثير للسخرية، عندما صنعت لنا بريطانيا وفرنسا دول عربية ونصبوا عملائهم ملوك وحكام، بعد أقل عقد من الزمان بعد الاستقلال للدول العربية، وقعت انقلابات عسكرية اطاحت في أنظمة عشر دول عربية، تم قتل العملاء الذين نصبهم الاستعمار وحل محلهم العسكر، بالعراق أعلن استقلال العراق عام ١٩٢١ في عام ١٩٢٤ ثار أهالي الرميثة ضد ظلم النظام الملكي، وثار الأكراد أيضا ضد النظام الملكي، ووقع انقلاب عسكري عام ١٩٤١ تم إسقاط الحكومة لكن بريطانيا أعادت نظامها العميل للحكم بالقوة.
ما نراه من صراعات وقتل بالعراق وليبيا واليمن وسوريا والجزائر وتونس والسودان والصومال كان ولازال نتيجة طبيعية، لأن من رسم حدود تلك الدول ودعم عملائه للتسلط على رقاب الشعوب هي بريطانيا وفرنسا، لم يشرعوا دساتير حاكمة، وهناك حقيقة الدول الخليجية السعودية ومشتقاتها والأردن والمغرب أيضا تحكمهم عوائل وليس دساتير، بالسعودية ال سعود والوهابية، لا يوجد دستور حاكم، لذلك متى ما أرادت دول الاستعمار إسقاط ال سعود وبقية الأنظمة العربية المرتبطة بالاستعمار، يحركون المعارضات لخلق فوضى تؤدي إلى إسقاط تلك الأنظمة الفاشية التي يحكمها اشخاص وليس دساتير، ولو كان لدينا بالعراق دستور حاكم لما وصل صدام الجرذ والبعثيين الأراذل للحكم ولما سالت كل هذه الدماء، وكذلك الحال مع بقية الدول العربية الأخرى التي لا تحكمها دساتير.
العراق بعد إسقاط نظام صدام الجرذ حاول العراقيين عمل نظام ديمقراطي يجمع كل مكونات الشعب ويتم الاحتكام إلى دستور يضمن مشاركة كل المكونات بدون تهميش أحد، لكن كل قوى الشر والظلام والإرهاب تكالبت لقتل ابناء الشعب العراقي لأسباب مذهبية وقومية وبدعم وتمويل من دول الرجعية والبداوة الوهابية المرتبطة في أجندات استعمارية مع نفس القوى التي احتلت العراق وأسقطت نظام صدام الجرذ الهالك.
نظرية ابن خلدون حول قيام وسقوط الدول تبقى تنطبق على الدول العربية المحكومة من عوائل حاكمة، وليست دساتير، فهذه البلدان تبقى عرضة للانقلابات، مضاف لذلك العشائر العربية كل ١٠٠سنة تظهر لديهم زعامات وشيوخ عشائر وافخاذ جدد، نحن في حياتنا، كان بالسبعينيات بكل عشيرة شيوخ قلائل جدا، أما الآن بعد زيادة أعداد الناس، أصبح كل عائلة تنتهي بالجد الثالث او الجد الثاني لديهم شيخ شاب سنفور صغير، مثل البندورة الطماطم يرهم لكل شيء.
الرأسمالية المتوحشة لايهمهم أن يحكم العراقيين وبقية الدول العربية دساتير حاكمة وأنظمة ديمقراطية وإنما يبحثون عن عملاء قتلة مجرمين يضطهدون شعوبهم العربية مقابل تسهيل سرقات ثروات الدول العربية لدول الاستعمار القديم الذي نصب العملاء وخلع جلده وأصبح استعمار حديث عن طريق عملائه يستعمرنا وبدون ان يحتل بلداننا احتلال عسكري.
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
7/5/2023
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha