رياض البغدادي ||
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
«قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» ﴿30﴾ النور
قوله تعالى ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الخطاب موجه الى المؤمنين، مع أنهم أحرص الناس على تحصين أنفسهم عن ارتكاب مثل هذه الذنوب الحقيرة، التي تخل بمروءة الإنسان ووقارة في المجتمع، وهو أسلوب خطابي عالي البلاغة، يراد به دفع المجتمع الى تقمص صفات المؤمنين والدخول في حوزتهم، وإن لم يكونوا منهم، فلا أحد يتقبل أن يكون خارج الدائرة المقربة الى النبي (ص)، والخطاب وإن كان موجهاً الى المؤمنين، فهو من باب أولى موجه الى غير المؤمنين، فهم الى ذلك أحوج.
قيل إن ﴿مِنْ﴾ زائدة في قوله تعالى ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ وقيل إنها للتبعيض، وأباه سيبويه، فالبصر كله ممنوع الى ما حرم الله، وهي ليست بزائدة ولا للتبعيض، بل هي من صلة الغض، يقال غضضت من فلان اي قللت من شأنه.
وأما في حفظ الفرج فهو حفظه من اللمس والوطء والنظر، وإن قيل ان الحفظ هاهنا من النظر لسياق الآية، قيل له إن كان الحفظ من النظر واجب، فاللمس والوطء محرم من باب أولى.
وقد قدم الله تعالى غض البصر على حفظ الفرج، لأن البصر مقدمة للزنا في العادة، وقد يكون المعنى، أن غض البصر سبب لحفظ الفرج، ولذلك أمر الله تعالى بغض البصر ليحفظ فروج المؤمنين.
وقوله تعالى ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ أي أطهر لهم من باب ما يُزَكّوْنَ به، ويستحقون الثناء عليه، ولهذا اختص الخطاب بالمؤمنين لأن الكافر لا يُزكّي.
لم يقل الله تعالى (أطهر) لأنه يفيد طهارة الفاعل، بينما أزكى تفيد النماء والعموم، فغض البصر فائدته عامة، يتحصن بها المجتمع من ولوج رذائل الأخلاق.
ولو كان الله تعالى قد ختم الآية بـ (عليم بما يصنعون) لكان المعنى إنه يعلم ظاهر فعلهم، لأن قضية مدّ البصر الى ما حرم الله، يمكن لكل إنسان أن يعلمها إذا شهدها، وهي لا تفيد العلم بنواياهم ودوافعهم وغرائزهم التي دفعتهم الى ذلك، فجاء الخطاب ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فأفادت كل ما ذكرناه.
وقال تعالى ﴿بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ ولم يقل (خبير بما يفعلون)، وذلك لأن الله تعالى عالج الموضوع على أنه قضية اجتماعية، يتولد عنها صناعة حدث اجتماعي له تبعاته وارتداداته، التي لا يمكن ان تتوقف عند حد الفعل، ولذلك قال ﴿بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فأفادت ذلك المعنى الواسع.
والله العالم
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha