رياض البغدادي ||
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿26﴾ " النور
المرأة الخبيثة ذات المقالة الخبيثة، لا ينفعل بمقالتها الا الرجل الخبيث فضلاً عن النساء الخبيثات، والرجل الخبيث ذو القول الخبيث، لا ينفعل بقوله الا المرأة الخبيثة فضلاً عن الرجال الخبيثين.
وقدمت الآية الخبيثاث لتعطي السياق حقه، كون القضية التي نحن في سياق الحديث عنها، متعلقة بمقالة خبيثة، اثارتها امرأة خبيثة (اشارت إليها الرواية التي ذكرناها في النفحة القرآنية (٣٩)، التي رواها الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (1) وانفعل بمقالتها الرجال خبيثو السريرة، ولكي لا يتوهم القارئ ان مصدر الخبث دائماً النساء، كرر الله تعالى النص بجعل الرجال ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ مصدراً ممكناً للخبث وإن لم يكونوا في قضية الإفك مصدر الإفك. فالخبيثات كما في رواية ابن عباس يُقْصَدُ بها (المقالات الخبيثات) وليس القول الخبيث، لأن الآية المباركة في سياق قضية لم تنشأ عن قول عابر، بل كانت مقالة سبقتها ترتيبات، وهُيئت لها أسباب نشرها وإشاعتها عن سبق إصرار وتعمُّد، ولابد أن نذكر أن الآية جاءت بلفظ الجمع، ليعطيها بُعْدَ العموم، لإمكانية تكررها في مواضيع كثيرة وفي أزمنة وأماكن مختلفة .. وما قلناه في الخبيثات نقوله في الطيبات، بخصوص تقديمهن على الطيبين وكون اللفظ جاء بالجمع وغير ذلك.
قوله تعالى ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ لا ريب أن ذلك صكًّا بالبراءة من كل ما قيل فيهم من الإفك، وزيادة على ذلك، أن الله جعل عوضاً لصبرهم بما ينفعهم في الآخرة بأن غفر لهم ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ وما ينفعهم في الدنيا بأن يفيض عليهم من الرزق الكريم ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.
لا يخفى، إن الموروث الروائي عن أهل البيت عليهم السلام يشير بدقة متناهية الى براءة زوجة النبي (ص) مارية القبطية (رض) مما اتهمتها به عائشة (2)، لكن هناك من جعل الآية دليلاً على طهارة زوجات النبي من حادثة الإفك وغيره، على اعتبار أن النبي (ص) أطيب الأطيبين فلابد أن تكون نساؤه طيبات، معتبراً أن السياق يؤدي الى هذا المعنى في تفسيرهم، وكأن ما شهدت به الآيات السابقة لم يكن كافياً على البراءة! مع إن القرآن يشهد على خلاف هذا الرأي وذلك المعنى، فالقرآن مثلما ذكر الخبيث من الرجال زوجاً للطيبات من النساء، كفرعون وآسيا بنت مزاحم، كذلك ذكر الخبيثة من النساء زوجاً للطيب من الرجال، كنبي الله نوح (ع) وزوجه، وغير ذلك كثير مما يؤكد ضعف ذلك المعنى، كما إن تفسير الخبيثات بالكلمات، يشكل عليه أنه لا يلزم خبث الإنسان عدم صدور الكلمة الطيبة من لسانه.
في الاحتجاج عن الامام الحسن بن علي عليهما السلام في حديث له مع معاوية وأصحابه وقد نالوا من علي عليه السلام قال:"﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ هم والله يا معاوية أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ إلى آخر الآية، هم على بن أبي طالب وأصحابه وشيعته".
الهوامش:
(1) حاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين الحديث رقم ٦٩٠٣.
(2) المصدر السابق.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha