رياض البغدادي ||
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿19﴾" سورة النور
بعد أن بين الله في الآيات السابقة حال أصحاب الإفك ومن سمع منهم، وبيّن عقوبة كل منهم، جاءت هذه الآية لتضيف زجرًا آخرَ الى من يحب إشاعة الفاحشة ويفرح بها، فبيّن أن مَنْ كان هكذا صفته فهو مشارك في هذا الذم، وليعلم أهل الإفك إن العقوبة يستحقونها لإفكهم وما أسرّت نفوسهم من فرحهم في إشاعة الفاحشة بين المؤمنين.
معنى ﴿تَشِيعَ﴾ أي تنتشر، ولا شك في أن قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ﴾ يفيد العموم، وليس أهل الإفك خاصة، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ﴿الْفَاحِشَةُ﴾ أي الزنا.
اختلفوا في عذاب الدنيا الذي توعدت به الآية المباركة، فمنهم مَنْ قال هو الحد الشرعي، ومنهم مَنْ قال هو الحد واللعن والعداوة من الله والمؤمنين، وهو الأقرب.
قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ هذا الجزء من الآية يؤكد بأن الله تعالى يعلم ظاهرهم وما تخفيه صدورهم، فحبهم لإشاعة الفاحشة هو في الحقيقة حالٌ قلبيةٌ لا يمكن العلم بها، إلّا المتمكن من القلوب والعالِم بالسر والنجوى.
قوله تعالى ﴿ يُحِبُّونَ ﴾ نحن نعلم أن الحبَّ من مشاعر القلب وأعماله، وهو قطعاً يختلف عن عمل اللسان، الذي يقوم بترجمة عملية لما في القلب، فالمعنى: الذين يحبّون هذا ولو لم يحدِّثوا أحدًا به تكون عقوبتهم ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ فحبّ إشاعة الفاحشة الذي هو أولى مراحل القضية ثم التحدث بالفاحشة، ثم الإنصات لها من دون إنكار، كل ذلك يُعَدّ جريمة اجتماعية عظمى، والله تعالى تناول أولَ تلك المراحل ليكون الرادعُ أبلغَ وأكثر فائدة لمنع المسلم من تدمير مجتمعه، ثم أن إشاعة الفاحشة تزرع سنّة انحرافية في المجتمع تُجَرِّئُ الناس على ارتكابها والعياذ بالله.
عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)، قال: قلت له: جُعلت فداك، الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه، فأسأله عن ذلك، فينكر ذلك، و قد أخبرني عنه قوم ثقات؟ فقال لي: " يا محمد، كذِّبْ سمعَكَ و بصرَكَ عن أخيك، فإن شهد عندك خمسون قسامة، وقالوا لك قولًا، فصدِّقْهُ وكذِّبْهُم، لا تُذيعَنَّ عليه شيئًا تَشينه به، وتهدم به مروءته، فتكون من الذين قال الله في كتابه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } "