رياض البغدادي ||
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ 3 النور
في الآية سؤلات يستحسن النظر فيها:
السؤال الأول: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ ظاهره خبر، فكيف ذلك وإننا نعلم ان الكثير من الزناة متزوجون من المؤمنات العفيفات ؟
السؤال الثاني: ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ وليس كذلك ،فإن المؤمن يحل له التزوج بالمرأة الزانية بقصد منعها من ولوج هذا الطريق المُحَرَّم ،بل وينال على ذلك الثواب الكثير؟
قيل إن هذين الحُكمين ﴿الخبرين﴾ هما من باب الأعم الأغلب ،فالمؤمن عادة لا ينجذب الى الفاسقة الزانية، وكذا حال الزاني الفاسق على الأغلب لايرغب إلا بالفاسقة الزانية التي على شاكلته، فعادة الناس تقول لا يفعل الخير إلا المؤمن، مع أن الفاسق قد يصدر منه فعل الخير.
قوله تعالى ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ فيه وجهان:
الوجه الأول. يحمل على أمرين:
الأول هو تحريم شرعي على المؤمنين.
الثاني هو صرف الرغبة في الزانية وحصرها في الصالحة المؤمنة.
الوجه الثاني: الألف واللام تفيد العموم، لكن قيل هي مخصوصة ببعض المهاجرين الذين استأذنوا النبي في التزوج بالزانيات اللاتي كنَ في المدينة ،الى أن يغنهم الله عنهنَّ، فنزلت الآية تمنع ذلك.
الوجه الثالث: قوله تعالى ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ وإن كان خبراً في الظاهر، لكنه بالحقيقة نهي، وعلى هذا الوجه ذكروا قولين:
الأول إن ذلك حكمٌ باقٍ الى الآن، ومنه حكم وجوب طلاق الزانية التي لم يستطع زوجها إثبات زناها.
والقول الثاني إن هذا الحكم منسوخ واختُلف في نسخه فضلًا عن ناسخه.
السؤال الثالث: أي فرق بين قوله تعالى ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ وقوله تعالى ﴿وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ﴾؟ والجواب هو أن الكلام الأول يدل على أن الزاني لا يرغب إلا في نكاح الزانية، وهذا لايمنع من أن يرغب في نكاح الزانية غير الزاني فلا جرم بين ذلك بالكلام الثاني.
السؤال الرابع: لِمَ قدمت الزانية على الزاني في الآية ﴿2﴾ وههنا بالعكس؟ وذلك لأن الآية ﴿2﴾ تتكلم عن عقوبة الزنا والمرأة هي مادته فتقدم ذكرها، وههنا الكلام عن النكاح والرجل أصل فيه.
وإن نظرنا في قول الجوهري الذي قال أن:" أَصل النكاح في كلام العرب الوطء، وقيل للتزوّج نكاح لأَنه سبب للوطء المباح " انتهى.
فيكون بذلك تفسير النكاح بعقد الزواج اشتباه بعيد، بقرينة لفظي (المشرك والمشركة)، فالزاني المسلم والزانية المسلمة، لا يحل لهما شرعاً الزواج بالمشركة والمشرك، وبذلك لا يمكن تفسير النكاح هنا بعقد الزواج، بل هو الوطء الذي لا يستسيغه ويرضى به إلا من استخف بحرمته، وهذا الاستخفاف لا يصدر إلا من الزاني والزانية المسلمين والمشركين على السواء، فيكون تفسير الآية أن ( الزانِي لَا يطأُ إِلا زانِية أَو مُشركة، لان المؤمنة لا تمكن نفسها من دون عقد شرعي، وَالزانية لا يطؤُها إِلا زانٍ أَوْ مُشرك، لأن المؤمن لا يمكن أن يطأ امرأة من غير عقد شرعي، لأن ذلك الوطء مُحَرَّمٌ عَلَى الْمؤمِنِينَ بشرع الله تعالى).
نعم لا نجزم أن كل ما ذُكِر النكاح في القرآن يراد به الوطء، لكننا نؤكد ان النكاح في هذه الآية المباركة يُقصَد به الوطء المحرم، ومما يسند هذا الرأي هو الروايات الواردة عن النبي (ص)، التي منها قوله (صلى الله عليه وآله): " ألا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من انتقض شيئا من حقي... وعلى ناكح البهيمة، وعلى ناكح يده "، وقول الإمام الصادق (عليه السلام): " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الناتف شيبه، والناكح نفسه، والمنكوح في دبره ".
والله العالم
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha