دراسات

الموقف من تصحيح الموروث الديني

2151 2022-09-06

د.علي المؤمن ||

 

   بعض الأحبة القراء، المتعجلين منهم أو الذين يحملون مواقف نمطية مسبقة؛ فهموا من مقالاتي التي انتقدت فيها بعض علماء الدين والمثقفين الدينيين الذين يتعاملون مع موضوع تصحيح التراث وتنقيته تعاملاً استعراضياً ودعائياً، وشعبوياً أحياناً؛ فهموا أنني ضد تنقية التراث الديني، وضد مراجعته، وضد مسار التصحيح العلمي، وأعارض التجديد في الفهم الديني المستند الى عملية تصحيح التراث المعرفي والعلمي الديني.

   وهذا الفهم خاطئ، ويتعارض مع المنهج الفكري الوسطي التوازني الذي أتبناه؛ فأنا مع تنقية التراث وتصحيحه، لأنهما من لوازم استمرار ربط الفهم الديني بالواقع وتحولاته، لأن الموروث الديني يمثل المادة المعرفية التي نستند اليها في مواجهة تحولات الحاضر ومآلات المستقبل، وبدون ذلك؛ ستتوسع الهوة بين الفهم الديني والعصر، وسيؤدي الى انسلاخ شرائح من المتدينين عن الدين، وكذلك انسلاخ شرائح أخرى منهم عن الواقع، وكلا الانسلاخين ليسا في مصلحة الدين ومؤسسته العلمية.

   ولكن؛ ينبغي أن تكون تنقية التراث الديني وتصحيحه، وفق المناهج والأدوات العلمية الصحيحة، وداخل المؤسسات المتخصصة، ومن قبل أصحاب الاختصاص، لأنه عمل شبيه بالأبحاث الأكاديمية والمختبرية الدقيقة. أما منهج التسفيه الإعلامي والخطاب الشعبوي، الذي يستخدمه قسم من المثقفين الدينيين وعلماء الدين حيال التراث التفسيري والروائي والمعرفي الديني، بذريعة التنقية والتصحيح والتجديد والإصلاح؛ فهو في حقيقته منهج استعراضي دعائي رخيص، يهدف الى إغواء بعض الشباب، وكسبهم كأنصار يصفقون له في وسائل التواصل وفي المحافل العامة، ولكي يقال عن هذا (الأفندي) أو ذاك (المعمم) بأنه مثقف مستنير، وصاحب فكر منفتح وسلوك عابر على الجمود الديني والانحياز الطائفي !.

   أما ما يهم جمهور المتدينين؛ فهي مخرجات نتائج التصحيح والاكتشاف والتجديد، وليس العمليات العلمية المختبرية الاستدلالية التي يقوم بها أصحاب الاختصاص العلمي في الدراية والرجال والكلام والتفسير ودلالات الألفاظ والأمارات والأصول، والخلافات العلمية الدقيقة بشأنها، بل إن من لوازم التوعية الجماهيرية بشوائب الموروث الديني ومشاكله، هي أن تكون جرعاته ومستوياته متناسبة مع الفهم العام وليس مع الفهم التخصصي، حاله حال التوعية العامة الصحية أو التوعية البيئية أو الاقتصادية؛ فالجمهور لايعنيه معرفة التفاصيل التقنية للعمليات الجراحية والشروحات الفنية للأزمات الاقتصادية؛ بل يعنيه مخرجات ذلك وحلوله، بالشكل الذي ينفعه في حياته العملية.

   وبالتالي؛ فإن ما يسمونه أسلوب (الصدمة العامة) في طرح شوائب الموروث الديني عبر الاستعراضات الإعلامية؛ لها نتائج سلبية عكسية خطيرة؛ فكما أن هذه الشوائب تقف وراءها النخبة العلمية الدينية، التي عاشت في فترات سابقة، وقد ولدت داخل المؤسسات الدينية العلمية، وتداولها أهل الاختصاص العلمي، ولم يكن يعني الجمهور المتدين منها سوى مخرجاتها العامة المتعلقة بإيمانه العقدي النظري وتكليفه الشرعي العملي؛ فإن التنقية والتصحيح كذلك؛ ينبغي أن يكونا بحوزة أهل الاختصاص، ثم تخرج نتائجهما للجمهور، بما ينفعهم في عقيدتهم وتكاليفهم، دون ضجيج.

   باختصار؛ أنا مع تنقية التراث الديني وتصحيحه، وفي الوقت نفسه ضد التهريج والاستعراض والتسفيه، وضد الأهداف غير العلمية لعملية التصحيح والتنقية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك