دراسات

الاجتماع العراقي والاجتماع الشيعي:من الذي طبع الآخر بطابعه؟/1

2573 2022-08-27

د.علي المؤمن ||

 

    في العراق، وتحديداً في الكوفة وبغداد والنجف؛ نشأ النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، وكانت البداية من الكوفة في فترة خلافة الإمام علي، ثم جاءت الانعطافة الكبيرة في بغداد، حين تحولت الظواهر الاجتماعية الدينية والمعرفية والثقافية والسياسية الشيعية الى نظام ذي هيكلية اجتماعية دينية سياسية، ومؤسسات وأنساق وأعراف، وذلك خلال القرون الثالث والرابع والخامس الهجرية، ابتداءً على يد السفير الأول الشيخ عثمان العمري، الذي انتقل من سامراء بعد وفاة الإمام الحسن العسكري، واستقر في بغداد، وتحديداً في الكرخ، حيث الكثافة المجتمعية الشيعية، ثم على يد السفراء الثلاثة، الذين قادوا النظام الاجتماعي الشيعي الديني العالمي، انطلاقاً من بغداد أيضاً، بالرغم من وجود فقهاء ومحدثين شيعة كبار في تلك المرحلة، وخاصة في قم والري والكوفة، أهمهم المرجعين الكبيرين الشيخ الكليني والشيخ ابن بابويه القمي. وبعد وفاة السفير الرابع، تواصل عمل المركز القيادي الشيعي العالمي في بغداد في عصور الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي.

    وحتى حين انتقل المركز القيادي الشيعي من بغداد في عهد شيخ الطائفة الطوسي؛ فإنه لم يغادر العراق، بل استقر في حاضرة فرات أوسطية شيعية خالصة، هي النجف الأشرف. وبمرور السنين؛ بدا وكأن هذا النظام العالمي مطبوع بطابع مجتمعي عراقي، بالنظر الى الكثافة الشيعية المجتمعية المتفردة في العراق، والى كونه تأسس في الكوفة وبغداد والنجف، وأن مؤسسيه في عصر الغيبة هم عراقيون بغداديون بالأصالة أو السكن، وأن الشيعة غير العراقيين، كالفرس والآذريين والهنود والترك والمغول والكرد وغيرهم، أخذوا اجتماعهم الديني من شيعة العراق، وظلت بوصلتهم الاجتماعية الدينية ــ غالباً ـــ تتجه نحو الكوفة وبغداد والنجف وكربلاء والحلة. وقد فصّلت هذا الموضوع في كتاب "الاجتماع الديني الشيعي".

    وأوضح هنا نقطتين أساسيتين تتعلقان بدلالات مفهوم الاجتماع الديني الشيعي ومفهوم الاجتماع العراقي، وهما المفهومان اللذان يقوم عليهما البحث:

    الأولى: تتعلق بمفهوم الاجتماع الديني الشيعي، والذي يختص بالجانب الاجتماعي الديني، ونظامه وعقله ومنهجه المحرك، وسياقاته وسلوكه العام وعاداته وتقاليده، أي الظواهر الاجتماعية الدينية التي يستوعبها النظام الاجتماعي الديني الشيعي. صحيح أن البيئة الاجتماعية تؤثر في قبليات عالم الكلام والفقيه ومنهجهما في التفكير والاستنباط واتخاذ القرار، إلّا أن هذا الجانب المتعلق بالعقيدة والفقه لايدخل في موضوع بحثنا.

    الثانية: حول ما أقصده بالاجتماع العراقي، وهي ظواهر البيئة الاجتماعية العراقية وسلوكياتها الأصلية المتكونة تاريخياً، وليس الاجتماع العراقي العربي الملحق، والممتزج بالاجتماع العراقي الأصلي؛ فسكان العراق الأصليون المؤسسون، هم: السومريون (سكان جنوب العراق) والبابليون (سكان الفرات الأوسط) والفيليون (اللر العيلاميون في جنوب شرق العراق) والفرس (في شرق العراق) والكلدان (في الفرات الأوسط) وعرب المناذرة (الحيرة) وعرب التغالبة (الموصل) والآشوريون (شمال العراق)؛ فهذه القوميات كانت تشكل سكان العراق الأصلي، بخارطته الحالية، قبل الفتح الإسلامي للعراق، ثم استعرب أو استكرد أغلب سكان العراق الأصليين بمرور الزمن.

    وبالتالي؛ فإن الاجتماع العراقي ليس عربياً بالأصل، ولم يتكون نتيجة هجرة العرب واستيطانهم فيه، بل هو اجتماع بين النهريني، سومري بابلي بالخصوص، وهو سابق على هجرة العرب الى العراق، بل أن العرب الذين استوطنوا العراق تطبّعوا بطباع أهله الأصليين، واستعرقوا، أي صاروا يفكرون كما يفكر العراقيون، ويسلكون سلوكهم، وبكلمة أخرى؛ أصبحوا جزءاً من عقله الجمعي، بينما تطبّع العرب الذين استوطنوا بلاد الشام ومصر وشمال افريقيا وايران؛ بطباع أهلها أيضاً، وهي طباع مختلفة عن طباع العرب المستعرقين، أي عرب العراق.

(للموضوع تتمة)

ــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك