دراسات

العلمانيون يفتون بتعطيل الشريعة الإسلامية/8

3620 2022-04-27

د.علي المؤمن ||

 

    أوضحنا في القسم السابق حقيقة عدم وجود ثنائية في الإسلام اسمها الدين والسياسة، أو الدين والدولة؛ فالشريعة الإسلامية الخاتمة تتضمن كل الأطر التي تنظم حياة الفرد والمجتمع، ولايوجد فصل بين أجزاء الشريعة الإسلامية، فهي تكمل بعضها. كما أن الشريعة الإسلامية لم تخيّر المسلمين بين تطبيق أحكامها وعدم تطبيقها، بل وضعت قواعد ملزمة لتنفيذها، بما في ذلك الأحكام الاجتماعية العامة ذات العلاقة بالنظم السياسية والاقتصادية والقانونية. ومن يقول غير ذلك؛ فعليه الاطلاع على أحكام الشريعة الاسلامية في مصدريها الأصليين (القران والصحيح من السنة) والمصادر الكاشفة (الإجماع والعقل).

     وحين يفتي علمانيو البيئة الإسلامية بعدم وجود علاقة بين الدين من جهة، والسياسة والدولة والتشريع العام من جهة أخرى، وأن الدين مجرد علاقة بين الفرد وربه؛ فهم أمام تفسيرين، إما أنهم يجهلون وجود تشريعات لتنظيم الشأن العام للمجتمع المسلم، أو أنهم يعلمون بوجودها، لكنهم يعدونها غير صالحة الآن، وفي كلا الحالتين هم يفتون بغير علم وخارج اختصاصهم. وإذا كان العلماني ذو الجذور المذهبية السنية، يواجَه بإشكالية تأسيس النبي لدولة وحكومة وسلطات وتشريعات، وواصله من بعده الخلفاء؛ فإن العلماني ذا الجذور المذهبية الشيعية سيقع في مفارقة أكبر تتعلق برئاسة الإمام علي والإمام الحسن للدولة الإسلامية، وممارستهما للعمل السياسي والحكومي وللعسكري والقضائي. 

   ثم أن من بديهيات المذهب الشيعي هو إيمان المنتمي إليه بوجود الإمام المهدي المنتظر؛ فماذا ستكون مهمة الإمام المهدي حين يظهر؟! هل سيجلس في المسجد ويصلي بالناس فقط ويعلمهم العبادات، أو أنه سيؤسس دولة وحكومة وسلطة ؟! فإذا لم يكن في الإسلام دولة وسياسة وسلطة وتشريعات عامة؛ فبأي شريعة سيحكم؟! هل سيطبق العلمانية بأحد ايديولوجياتها؟ هل سيحكم بعقيدة ماركس أو ميشيل عفلق أو جمال عبد الناصر أو روسو او مونتسكيو أو لنكولن؟! أم انه سيحكم بشريعة جده محمد بن عبد الله ؟! فإذا لم يكن محمد قد أسس دولة ولم يكن علي حاكماً؛ فبأي سنة وسيرة سيحكم الإمام المهدي ؟!. والأهم من ذلك كيف سيدير الإمام المهدي الدولة الإسلامية؟ هل سيقوم بذلك من خلال العبادات فقط والصلاة والصوم والمكوث في المسجد، وبالأخلاق الفاضلة والوعظ والإرشاد؟ أو بالعمل السياسي والعسكري والإقتصادي والثقافي والإعلامي؟ ثم إذا لم يكن في القرآن الكريم والسنة الشريفة كل الأطر التشريعية لهذه الأمور، فهل سيبتدعها الإمام المهدي، أو أنه سيعتمد على النظريات السياسية والإقتصادية الوضعية ؟! فيطبق مثلاُ الديمقراطية الليبرالية، ويتبى الإقتصاد الرأسمالي وإقتصاد السوق، وربما يطبق الإقتصاد الإشتراكي ويحصر وسائل الإنتاج بيد الدولة!!  

    أما إذا كان العلماني الشيعي لايؤمن أساساً بوجود الإمام المهدي وظهوره، ويعتبر ذلك خرافة، ومن اختراعات الإسلاميين؛ فهو غير مشمول بهذه الأسئلة؛ إذ لايمكن الإحتجاج عليه بذلك، بسبب عدم إيمانه بالبديهيات الشيعية، وهو حر بما يعتقد، ولكن من المهم جداً أن يعلن عن ذلك صراحة، ليريح نفسه ويريح الآخرين. أما إذا احتج الشيعي العلماني بأن التشريعات العامة ذات العلاقة بالحكم الإسلامي وسلطاته وغاياته، هي تشريعات خاصة بعصر النبي فقط أو الأئمة الإثني عشر، أسوة بما يقوله المتشرعون الذين لايؤمنون بقيام حكم إسلامي في عصر غيبة الإمام المهدي، وبتعطيل التشريعات العامة خلالها؛ فهذا الإحتجاج بحاجة الى دليل تخصصي، أي بحاجة الى الرجوع الى المصدرين المقدسين الملزمين ( القرآن الكريم والصحيح  من سنة النبي وأهل بيته)، لنتبيّن هل أن القرآن والسنة حددا فترة تطبيق التشريعات الإسلامية في المجالات الحكومية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدفاعية والقضائية، بعصر النبي والأئمة فقط؟!.

   ولاشك إن التوصل الى الجواب التخصصي المطلوب بهذا الشأن، يحتاج - كما ذكرنا - الى فهم دقيق للقرآن والحديث والسيرة والرجال واللغة، وغيرها من العلوم الشرعية والمنهجية. فهل يتمتع الشيعي العلماني بهذا الفهم التخصصي قبل أن يعلن عن فتاواه بهذا الشأن؟! وهنا؛ ينبغي تفكيك الإشكاليات وحصر الاختصاصات، ومن أولويات ذلك ابتعاد العلمانيين عن إصدار الفتاوى في قضايا الدين والشريعة، لأنه ليس اختصاصهم، بل اختصاص الفقهاء وعلماء العقيدة حصراً.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك