دراسات

العلمانيون يفتون بتعطيل الشريعة الإسلامية/8

2791 2022-04-27

د.علي المؤمن ||

 

    أوضحنا في القسم السابق حقيقة عدم وجود ثنائية في الإسلام اسمها الدين والسياسة، أو الدين والدولة؛ فالشريعة الإسلامية الخاتمة تتضمن كل الأطر التي تنظم حياة الفرد والمجتمع، ولايوجد فصل بين أجزاء الشريعة الإسلامية، فهي تكمل بعضها. كما أن الشريعة الإسلامية لم تخيّر المسلمين بين تطبيق أحكامها وعدم تطبيقها، بل وضعت قواعد ملزمة لتنفيذها، بما في ذلك الأحكام الاجتماعية العامة ذات العلاقة بالنظم السياسية والاقتصادية والقانونية. ومن يقول غير ذلك؛ فعليه الاطلاع على أحكام الشريعة الاسلامية في مصدريها الأصليين (القران والصحيح من السنة) والمصادر الكاشفة (الإجماع والعقل).

     وحين يفتي علمانيو البيئة الإسلامية بعدم وجود علاقة بين الدين من جهة، والسياسة والدولة والتشريع العام من جهة أخرى، وأن الدين مجرد علاقة بين الفرد وربه؛ فهم أمام تفسيرين، إما أنهم يجهلون وجود تشريعات لتنظيم الشأن العام للمجتمع المسلم، أو أنهم يعلمون بوجودها، لكنهم يعدونها غير صالحة الآن، وفي كلا الحالتين هم يفتون بغير علم وخارج اختصاصهم. وإذا كان العلماني ذو الجذور المذهبية السنية، يواجَه بإشكالية تأسيس النبي لدولة وحكومة وسلطات وتشريعات، وواصله من بعده الخلفاء؛ فإن العلماني ذا الجذور المذهبية الشيعية سيقع في مفارقة أكبر تتعلق برئاسة الإمام علي والإمام الحسن للدولة الإسلامية، وممارستهما للعمل السياسي والحكومي وللعسكري والقضائي. 

   ثم أن من بديهيات المذهب الشيعي هو إيمان المنتمي إليه بوجود الإمام المهدي المنتظر؛ فماذا ستكون مهمة الإمام المهدي حين يظهر؟! هل سيجلس في المسجد ويصلي بالناس فقط ويعلمهم العبادات، أو أنه سيؤسس دولة وحكومة وسلطة ؟! فإذا لم يكن في الإسلام دولة وسياسة وسلطة وتشريعات عامة؛ فبأي شريعة سيحكم؟! هل سيطبق العلمانية بأحد ايديولوجياتها؟ هل سيحكم بعقيدة ماركس أو ميشيل عفلق أو جمال عبد الناصر أو روسو او مونتسكيو أو لنكولن؟! أم انه سيحكم بشريعة جده محمد بن عبد الله ؟! فإذا لم يكن محمد قد أسس دولة ولم يكن علي حاكماً؛ فبأي سنة وسيرة سيحكم الإمام المهدي ؟!. والأهم من ذلك كيف سيدير الإمام المهدي الدولة الإسلامية؟ هل سيقوم بذلك من خلال العبادات فقط والصلاة والصوم والمكوث في المسجد، وبالأخلاق الفاضلة والوعظ والإرشاد؟ أو بالعمل السياسي والعسكري والإقتصادي والثقافي والإعلامي؟ ثم إذا لم يكن في القرآن الكريم والسنة الشريفة كل الأطر التشريعية لهذه الأمور، فهل سيبتدعها الإمام المهدي، أو أنه سيعتمد على النظريات السياسية والإقتصادية الوضعية ؟! فيطبق مثلاُ الديمقراطية الليبرالية، ويتبى الإقتصاد الرأسمالي وإقتصاد السوق، وربما يطبق الإقتصاد الإشتراكي ويحصر وسائل الإنتاج بيد الدولة!!  

    أما إذا كان العلماني الشيعي لايؤمن أساساً بوجود الإمام المهدي وظهوره، ويعتبر ذلك خرافة، ومن اختراعات الإسلاميين؛ فهو غير مشمول بهذه الأسئلة؛ إذ لايمكن الإحتجاج عليه بذلك، بسبب عدم إيمانه بالبديهيات الشيعية، وهو حر بما يعتقد، ولكن من المهم جداً أن يعلن عن ذلك صراحة، ليريح نفسه ويريح الآخرين. أما إذا احتج الشيعي العلماني بأن التشريعات العامة ذات العلاقة بالحكم الإسلامي وسلطاته وغاياته، هي تشريعات خاصة بعصر النبي فقط أو الأئمة الإثني عشر، أسوة بما يقوله المتشرعون الذين لايؤمنون بقيام حكم إسلامي في عصر غيبة الإمام المهدي، وبتعطيل التشريعات العامة خلالها؛ فهذا الإحتجاج بحاجة الى دليل تخصصي، أي بحاجة الى الرجوع الى المصدرين المقدسين الملزمين ( القرآن الكريم والصحيح  من سنة النبي وأهل بيته)، لنتبيّن هل أن القرآن والسنة حددا فترة تطبيق التشريعات الإسلامية في المجالات الحكومية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدفاعية والقضائية، بعصر النبي والأئمة فقط؟!.

   ولاشك إن التوصل الى الجواب التخصصي المطلوب بهذا الشأن، يحتاج - كما ذكرنا - الى فهم دقيق للقرآن والحديث والسيرة والرجال واللغة، وغيرها من العلوم الشرعية والمنهجية. فهل يتمتع الشيعي العلماني بهذا الفهم التخصصي قبل أن يعلن عن فتاواه بهذا الشأن؟! وهنا؛ ينبغي تفكيك الإشكاليات وحصر الاختصاصات، ومن أولويات ذلك ابتعاد العلمانيين عن إصدار الفتاوى في قضايا الدين والشريعة، لأنه ليس اختصاصهم، بل اختصاص الفقهاء وعلماء العقيدة حصراً.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (دراسات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
Azad : وهناك خيانة يقترفها مسعود منذ عام ١٩٩٢ والى يومنا هذا حيث قد جعل من الإقليم مستعمرة تركية ...
الموضوع :
مسعود البرزاني : العميل رقم ٤١
عبدالغني مرشد الحميري : سقف الحرية والجهل كحكومة ودولة مسلمة الاسلام دين لها وكتاب الله مرجعا لها وسنة رسول الله عليه ...
الموضوع :
السيد الملحد البخيتي وآليته في الجدال ونقاط ضعفه ة(البهيمية Zoophilia) أنموذجًا
مواطن : لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم عجيب حين تخالف ارادة الانسان معتقده هو يرتجز باليقين انه ...
الموضوع :
لوحة الشمر بن ذي الجوشن ..  
رباب سالم شبيب : انا موظفة في مصنع اطارات الديوانية... خريجة دبلوم إدارة.... لي خدمة ٢٨ سنه.... بسبب قرار التسكين المجحف ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
هاني موسى : الاقليم الموردين يئوي المعارضين والمجرمين العراقيين كذلك ...
الموضوع :
مصلحة من يأوي الإقليم معارضي ايران وتركيا؟
منير حجازي : السلام عليكم . اتمنى من الحرس الثوري الإسلاميةالإيراني عدم تسليم الخاطفين المقبوض عليهم إلى الجهات الأمنية العراقية ...
الموضوع :
بينهم عراقيون.. إيران تعلن تحرير "رهائن" واعتقال الخاطفين
احمد محمد الصاوي : شكرا لكم ...
الموضوع :
اشارات قرآنية عن معارف الصحيفة السجادية للمؤلف الحسون (ح 1)
Salam Albader : لا تسلمون لحيه العراق للبنك الدولي كما فعلت مصر، البنك الدولي له اطماع خاصه بالدول الاستعماريه والمنظمات ...
الموضوع :
المالية تناقش مع البنك الدولي اولويات التنمية ودعم البرنامج الحكومي
سالم البدر : تحياتي د. جواد الهنداوي نعم كلامك حقيقي، الاصل ليس ان العراق لايملك المقومات او المشاريع العملاقه المزعمه ...
الموضوع :
مالذي يمنع العراق من الانضمام الى منظمة شنغهاي و منظمة بريكس؟!
فيسبوك