دراسات

حدود حرية فكر الآخر في الرؤية الإسلامية

2307 2022-03-17

د. علي المؤمن ||

 

    لا تعني حرية التعبير عن الفكر والمعتقد؛ أن يمارس الإنسان حريته في الترويج والدعوة لفكره بالوسائل والأساليب التي يحلو له استخدامها، دون الأخذ بالاعتبار تأثيراتها في سلب حرية الأفراد الآخرين والمجتمع. ففي إطار الدعوة والتبشير؛ يمنح الإسلام الديانات التي يعترف بها؛ حرية الدعوة لفكرها الديني، لتركيز إيمان أتباعها، وتعريف أتباع الديانات الأخرى بأفكارها، وليس لكسب المسلمين لهذه الأديان، أي أن حرية التعبير الدينية لأتباع الديانات الأخرى مكفولة بالكامل في الرؤية الإسلامية، لطالما أنها لاتساهم في زعزعة الأمن العقدي والديني في مجتمع المسلمين، ولاتبشر بأفكارها في أوساط المسلمين بهدف كسبهم، وتحويلهم الى خصوم للإسلام.

   أما الأفكار الدينية غير السماوية، وفق توصيفاتها الفقهية، وكذا الأفكار الوضعية الأخرى على اختلافها، فإن أساليبها وسلوكياتها في الدعوة تخضع للثوابت نفسها الخاصة بالديانات السماوية، إضافة إلى ثوابت سلوكية أخرى، أهمها: عدم الدعوة للالحاد واللادين، وعدم التسبب في ضرر نفسي وأمني ومادي للأفراد والمجتمع والنظام العام، أي أن حرية التعبير عن الأفكار والوسائل والسلوكيات مقيّدة بعدم إلحاق الضرر بالآخرين، وحياتهم وأمنهم المعيشي والاجتماعي والعقدي. وهذه القاعدة تعتمدها جميع النظريات والأفكار التي تدعو لحرية التعبير عن الفكر؛ فقد جاء في إحدى مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن «التمتع بالحريات لا يحده إلا الحدود التي يضعها القانون لتأمين حريات الآخرين والاعتراف بها، وبالتالي رعاية المقتضيات الأخلاقية الصحيحة، والنظام العام، والرفاه الاجتماعي الشامل».

    وبالتالي؛ فإن حدود حرية التعبير تقف عند حدود انتهاك حريات الآخرين، فإذا قارب التعبير الإعتداء على حريات الآخرين؛ فإنه سيكون تجاوزاً وعدواناً، وليس حرية تعبير، وهو ماينطبق على الحراكات العامة التي تنادي بالحقوق والحريات، لكنها في الوقت نفسه؛ تمارس انتهاكاً لحقوق الآخرين وحرياتهم، وتخريباً وعدواناً على الدين ومشاعر الآخرين وكرامتهم وأرواحهم وممتلكاتهم ووسائل عيشهم وأمنهم الأخلاقي والمجتمعي، أي أن المطالبة بالحقوق والحريات لايمكن أن تكون ذريعة لضرب حريات الآخرين وحقوقهم؛ وهو ما ترفضه جميع الشرائع الأرضية والسماوية واقف بوجهه وتردعه بكل الوسائل المشروعة، بما فيها أكثر النظريات والنظم تطرفاً في الدعوة لمنح الحريات والحقوق، ومنها الليبرالية، وقد وضعت لمنع ذلك قوانين ونظماً كابحة ورادعة قوية.

    ولايقتصر موضوع كوابح الحرية في الرؤية الإسلامية على المجالات الدينية والفكرية والاخلاقية والسياسية، بل تستوعب كل نواحي الحياة، ومنها ــ مثلاً ـــ الجانب الإقتصادي؛ إذ يضع التشريع الإسلامي حداً فاصلاً حاسماً بين حرية الكسب المالي والأدخار والاستثمار، على قاعدة ((الناس مسلطون على أموالهم))، وبين الأمن المعيشي والصحي والاخلاقي والديني للناس، على قاعدة ((لاضرر ولاضرار)). أي أن التشريع الإسلامي يمنع التكسب الحرام والاحتكار واستثمار الأموال فيما يضر بدين الناس وأخلاقهم وصحتهم وحركة سيرهم، فضلاً عن هضم حقوق الأجراء والعمال. وهكذا الأمر بالنسبة للجانب الاخلاقي، وصولاً الى ما يأكله الناس ويلبسونه. وفي كل ذلك يضع التشريع الإسلامي مقاصد الدين العليا، وفي مقدمتها حفظ الدين والنظام والأرواح والأموال، كمعايير لحدود الحقوق والحريات.  

    وتدخل في هذا المجال؛ وسائل ردع من ينتهك حقوق الآخرين وحرياتهم، بذريعة المطالبة بالحقوق والحريات، ومنها «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» باليد واللسان، ففي هذا المجال يتدخل الفرد والمجتمع والدولة لردع الأفكار والسلوكيات التي تنتهك حقوق الآخرين وحرياتهم، بذريعة حرية الفكر وحرية السلوك، كون هذه الذريعة تعبير عن المنكر الذي يجب النهي عنه. وتربط الشريعة الإسلامية حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من القواعد التي تقيد حرية الفكر الآخر، بموضوع المصلحة الإسلامية العليا أحياناً، وأمن المجتمع المسلم أحياناً أخرى؛ إذ أن تعيين الحكم الشرعي في مجال تنظيم عمل حرية الأفكار والسلوكيات؛ يعتمد - في جانب كبير منه - على طبيعة المصالح والمفاسد المترتبة على ذلك، وتدخل في ذلك مجموعة من القواعد الفقهية والأصولية.

    وبناءً على ذلك؛ ستتقسم أحكام تقييد حرية الفكر الآخر في التعبير عن نفسه والترويج له، على النحو التالي:

1- سيكون تقييد حرية الفكر الآخر في التعبير والترويج؛ حرام بالعنوان الأوّلي، إذا لم يؤد إلى أية مفسدة، وكان في وجوده قوة للفكر الإسلامي.

2- سيكون تقييده جائزاً بأحد العنوانين الأولي والثانوي، بوجود مصلحة يحددها الحاكم الشرعي.

3- سيكون منعه واجباً بالعنوان الأولي، إذا أدّى إلى مفاسد أساسية، أبرزها:

أ‌- تهديد النظام العام أو محاولة إسقاط الحكم الإسلامي.

ب‌- حرف المجتمع الإسلامي فكرياً أو سلوكياً.

ت‌- تركيز ظواهر الانحراف والضلال في المجتمع.

    ومثال الفكر والسلوك اللذين يجب على المجتمع والنظام الاجتماعي الديني والدولة منعهما تحت قواعد (( النهي عن المنكر)) و((لاضرر)) و((حفظ النظام العام))؛ إعلان الأرتداد عن الإسلام (الكفر بعد الإيمان)، والدعوة الى فكر وسلوك معاديين للإسلام، وهو موضوع مقالنا القادم.

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك