دراسات

منهج الفهم المبتور للإسلام

2096 2022-02-03

  د. علي المؤمن ||        هناك مناهج كثيرة تعبر عن فهم ناقص وغير تخصصي للإسلام، وقراءة أحادية مبتسرة لثواتبه، وهي تعبير عن مناهج الفهم الأحادي للإسلام، والتي يحاول بعضها أن يقدم قراءة تجديدية إصلاحية من داخل الإسلام كما يزعم، بينما يعترف بعض آخر بأن فهمه وقراءاته غير دينية أساساً، وأهمها: منهج الفهم المبتور للإسلام، منهج الفهم غير التخصصي، منهج الفهم الأكاديمي، منهج الفهم اللاهوتي، منهج الفهم الإسقاطي. ونلقي في هذا المقال الضوء على منهج الفهم المبتور للإسلام.      يعمل هذا الفهم على تفكيك الإسلام وتجزئة عناصره العقدية والشرعية والروحية والأخلاقية، في حين أن الإسلام بوصفه ديناً إلهياً خاتماً، يمثل منظومة متكاملة لاتتجزء: غيبية، روحية، عبادية، اجتماعية، ثقافية، سياسية، اقتصادية؛ إذ لا يمكن أقتطاع جانب من الإسلام ونقول هذا هو الإسلام ولا غير. فنقتطع مثلا جانب العدالة الاجتماعية في الإسلام ليصبح الدين اشتراكياً، أو نأخذ الجانب المقاوم في الإسلام، أي رفض الظلم ومواجهة الطغيان، فيصبح الدين ثورة يسارية، أو نستل الجانب الروحي فيستحيل الإسلام تصوفاً وعرفاناً وفلسفة وحكمة وأخلاقاً، أو نركز فقط على الجانب العبادي فيكون الإسلام مجرد طقوس وشعائر وارتباط شخصي بين المخلوق وخالقه، أو نحصر الإسلام في الجانب السياسي فيصبح مجرد سلطة وحكم ودولة، أو نكتفي بالجانب الاخلاقي فيتحول الإسلام ضوابط لحسن التعامل بين البشر، أو نأخذ الشورى والمشورة واحترام الرأي الآخر فقط فيكون الإسلام هو الديمقراطية، أو نقول إن الإسلام هو عقود وإيقاعات فيصبح الإسلام مجرد قوانين أحوال شخصية.       لا شك أن الجوانب المذكورة كلها موجودة في الإسلام: العدالة الاجتماعية، العلاقة الروحية بالله، رفض الظلم، العبادات والشعائر والطقوس، المعاملات والعقود والإيقاعات، القوة والسلطة والدولة، الديمقراطية، الأخلاق، الإنسانية، الرحمة وغيرها. كل هذه تمثل عناصر مكونة للعقيدة والشريعة الإسلامية، لكنها مترابطة ترابطاً عضوياً ولاتتجزء، وأن إلغاء أي عنصر أو فصله، سيؤدي الى خلل في المنظومة برمتها.     بالتالي؛ فإن الإسلام وحدة واحدة، تكمل مكوناته بعضها الآخر.. كمكونات جسم الإنسان تماماً: الماء، الدم، الشبكة العصبية، الدورة الدموية، الجهاز الهضمي، الجهاز التنفسي، العظام، العضلات، القلب، الدماغ، وقبلها الروح المحركة لها جميعاً. فلكل عضو وظيفة، وأي خلل و عطل في عضو ما، أو إلغاء لوظيفة أحد الأعضاء، سيؤدي الى خلل شامل في جسم الإنسان. أي أن كمال خلقة الانسان هي انعكاس لكمال الدين؛ لأن خالقهما كامل، ولايصدر عن الكامل إلّا الكامل؛ لأن النقص يستحيل على الخالق، ويستحيل في خلقه، فكيف إذا كانت الشريعة الإسلامية هي خاتمة الشرائع؟؛ ما يعني أن الله (تعالى) أكمل دينه، ولم يتركه أعرجاً أو أعمى أو أصماً، أو ينقصه جانب من جوانب الحياة، ولا يستوعب كل شؤون وحاجات الإنسان ومنظومة عيشه.       والحديث هنا عن كمال الدين وليس كمال التدين، سواء تعلّق موضع التدين بالفرد أو الجماعة أو المجتمع أو نظم الدولة. وتفصيل ذلك في مقال آخر.      نعم، هناك موضوعات وحاجات مستحدثة ومستجدة، تظهر باستمرار بمرور الزمن، وبتطور المنظومة الحياتية، وأساليب العيش، وهي تمثل مساحات تفويض تشريعي أو تكييف كلامي وعقدي، يملأها الإنسان المتخصص من خلال الفهم العقدي المتجدد، الذي يعبر عنه بـ "علم الكلام الجديد"، أو النظريات والنظم الفقهية الموضوعية والأحكام الشرعية الجديدة من خلال "الإجتهاد الجديد".        وبالتالي، لا يمكن أن نفصل الدين على مقاسات فهمنا وأهدافنا الخاصة وأمزجتنا وأهوائنا وأنماط حياتنا، بل أن غايات الدين وأهدافه ومقاصده تُعرف ـ حصراً ـ من الجهة التي أنزلت الدين وشرّعت أحكامه ((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فماجزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون الى أشد العذاب)). إذ يبين القرآن هنا أن نزعة تفكيك الدين وتجزئته ليست جديدة؛ بل هو منهج قديم عرفه أهل الكتاب قبل الإسلام، وجاء القرآن ليوبخهم لاتباعهم هذا المنهج التحريفي. وبعد البعثة النبوية أيضاً كانت هناك مقترحات على النبي محمد (ص) من زعماء قريش وبعض الملوك بهذا الخصوص، وتتلخص بتوزيع النظم والقدرة بين الإسلام وبينهم، أي تفكيك مقومات الإسلام ومخرجات شريعته، وإلغاء بعضها، والإبقاء على جزء منها لرسول الله، وفي الوقت نفسه الإبقاء على عبادة الأوثان وحضور الأصنام، وعلى سلطات زعماء قريش، وعلى النظام الإجتماعي الجاهلي نفسه، في مقابل الإعتراف بنبوة محمد وزعامته لقريش والسماح لاتباعه بالتعبد وفق تعاليم الإسلام. وفي النتيجة؛ فإن المسلم مكلف بالإيمان والأخذ بكل ما في القرآن الموجود بين الدفتين، وليس انتقاء ما يحلو له وينسجم مع فهمه الخاص ونمط حياته ورغباته. أما المقولات والتوصيفات التي يفصّلها أصحاب الفهم المبتور على مقاساتهم ومزاجاتهم وأنماط حياتهم، مثل: الإسلام أخلاق وحسب، الإسلام معاملة فقط، الإسلام ليس إلّا قناة تربط الفرد بربه، الإسلام عبادات لا أكثر، الإسلام هو ثورة على الظلم، الإسلام عدالة إجتماعية، أو توصيفات مثل: أنسنة الدين، الإسلام السياسي، الإسلام العربي، الإسلام الشرق آسيوي؛ إنما هي مقولات وتوصيفات متهافتة لا تصمد أمام حقائق الإسلام وكمال أصوله. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك