دراسات

شيعة العراق: فاضل طينة آل محمد 

2647 2021-11-23

 

د. علي المؤمن ||

 

     هكذا وصف الإمام الصادق شيعة آل البيت: ((شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا))، ولا جدال أن شيعة العراق هم المصداق الأبرز لهذا الوصف. لا أقول هذا لأنهم أهلي وقومي وعشيرتي، أو لأنهم أبناء وطني ووطن آبائي وأجدادي؛ فعند الحديث عن الدين والمذهب تسقط العواطف والشعارات والعصبويات الأرضية بكل أنواعها، ويعلو صوت العقيدة والشريعة ومسلك الدنيا الى الآخرة؛ بل لأن شيعة العراق مثال الصمود بوجه الاجتثاث الوجودي، والتضحية من أجل المعتقد، والعض على الهوية الدينية المذهبية، منذ ١٣٧٠ عاماً وحتى اللحظة؛ فليس الحديث يختص بحاضرهم وحسب؛ بل بماضيهم المشرق بالعطاء والانجاز، والذي لولاه لما بقي التشيع شامخاً أصيلاً في العراق والجوار العربي.

   الوجود الاجتماعي الأصيل لشيعة آل البيت؛ ظل مقموعاً  مُحارَباً بقوة من حكام الداخل والجوار الطائفي والاحتلال، رغم أنهم الأكثرية السكانية في الوطن، لذلك؛ ظهرت مقاومتهم عاجلة، من قلب مجتمعهم وصلبه، منذ ثورات التوابين والمختار والعلويين، وحتى الثورات والانتفاضات والمواجهات ضد العثمانيين والوهابيين، ثم الانجليز ثم البعث، وصولاً الى امريكا والقاعدة وداعش والسعودية... الى آخر القائمة الإجرامية السوداء.

   أتعلمون لماذا لم ينجح الخصوم الطائفيين باجتثاث التشيع وجودياً في العراق وتحويله الى بلد سني طيلة ١٣٧٠ عاماً من الحرب الشعواء؟، كما حصل في المغرب بعد الأدارسة، ومصر بعد الفاطميين، والشام وشمال العراق بعد الحمدانيين؟! السبب يعود الى المقاومة الصلبة لشيعة العراق، وثوراتهم وانتفاضاتهم المجلجلة، وصمودهم الأسطوري بوجه كل حملات الاجتثاث الوجودي والاستحالة المذهبية التي قادها الحكام الطائفيون المجرمون، من عبيد الله بن زياد وحتى صدام حسين؛ إذ لم يصمد ويقاوم ويُذبح مجتمع في العالم، كما صمد شيعة العراق وقاوموا وذُبحوا، دون أن يستسلموا أويغيروا هويتهم. وفضل ذلك يعود الى مقاومتهم الأسطورية على مدون قرون سوداء مظلمة. فقد سقطت كل بلدان الشيعة واحدة تلو الأخرى على يد بني أمية ونور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي وبني عثمان، من المغرب وتونس وليبيا ومصر والسودان، وحتى لبنان وسوريا والاردن وفلسطين والحجاز وغيرها؛ إلّا العراق؛ فقد بقي شامخاً أبياً شيعياً، رغم أنوف كل الطائفيين والمحتلين.

    وبالتالي؛ فمقاومتهم الحالية، هي حلقة من سلسلة مقاوماتهم التي استمرت بشموخ طيلة ١٣٧٠ سنة، ولولاها لاندثر التشيع في العراق منذ قرون، ولولاها لعاد شيعة العراق لاجئين في الهند وايران والقوقاز وكل بقاع الدنيا، كما بدؤا تاريخهم قبل قرون وحتى هذه اللحظة. هذه المقاومة الشيعية اليوم، بكل تفاصيلها ومرجعياتها الصدرية والخامنئية والسيستانية؛ هي التي حمت العراق، وشعبه وأرضه وعرضه من الوحشية التكفيرية، ومن استقرار الاحتلال واستمراره. صحيح أن إنجازهم هو لكل العراق، بشيعته وسنته ومسيحييه وصابئته وايزدييه، وبعربه وكرده وفيلييه وتركمانه وآشورييه وكلدانه؛ لكنه إنجاز للواقع الشيعي بالدرجة الأساس.

   فهل هناك عاقل في العالم يتخلى عن مقاومته وممانعته وسلاحه، وهو مهدد؟!؛ ليقول للخصوم المدججين بسلاح الدعاية والمال والسياسة والعسكر.. تفضلوا ادخلوا بلادنا بسلام آمنين.. خذوا هويتنا الدينية المذهبية، وخذوا خيراتنا واسلبوا حقوقنا وحرياتنا؟!؛ فنحن مسالمون مستسلمون.. ولانقاومكم؟!، وهل هناك شعب في العالم؛ صمد واستقل، وحافظ على هويته، وانتزع حريته وحقوقه، وبنى ونما وتقدم وتطور؛ دون مقاومة ضد المحتل وضد الخصوم الداخليين والخارجيين؟!

    حين نراجع تاريخ أمريكا الحديث، وتاريخ اوروبا وروسيا والصين وإيران المعاصر؛ سنجد أن بناء الدولة ونمائها وتقدم شعبها؛ هو نتاج المقاومة القوية الصلبة من أجل الهوية والاستقلال ودرء أخطار الخصوم الداخليين والخارجيين؛ فلا اقتصاد ولا استثمار دون أمن واقعي، ولا تقدم دون استقلال حقيقي، ولا قانون في ظل التهديد الخارجي والداخلي.

   ربما يحدثوننا عن فساد وانفلات بعض عناصر فصائل المقاومة الإسلامية الشيعية. نقول لهم: نعم؛ هذا الواقع موجود، ويجب تطهير هذا الخط الشريف من الفاسدين والفاشلين والعابثين والحمقى والمتطرفين والمنفلتين والخارجين على القانون وعلى الإجماع الشيعي. ولكن؛ وجود هذه الأخطاء التفصيلية، لايعني أن مبدأ ضرورة وجود المقاومة هو مبدأ فاسد، ولايعني أن مبدأ سلامة الخط غير صحيح، وأن مبدأ الأهداف العامة للمقاومة هو مبدأ يتعارض مع وجود الدولة وقوانيها وأركانها.

    وأؤكد؛ إن الحفر في تاريخ العراق بعمق، وتحليل واقعه بتركيز وشمولية، وتطبيق المنهج الاركولوجي في هذا المجال؛ سيوصلنا جميعاً الى هذه القناعات، فهي لصيقة بالمنهج العلمي، بعيداً عن العواطف والشعارات والخطاب الطائفي، أو ردود الأفعال على القصف الدعائي المستمر والمنتظم والعنيف على عقولنا وواقعنا النفسي.

ختاماً؛ نقول لمن يتحدث عن التعارض بين بناء الدولة والمقاومة: أعطوا شيعة العراق دولةً تحمي وجودهم وحرياتهم وحقوقهم واستحقاقاتهم، وستنتفي عندها الحاجة الى المقاومة؛ فلا تصح المقارنة بين وطن محتل دائماً، ومجتمع مستهدف على مدى التاريخ، وبلد مهدد، وبين الدول الأخرى المستقرة نسبياً، وشعوبها غير المهددة بهويتها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
رسول حسن نجم
2021-11-24
ان التعمق في الكتب المختصه وعمل البحوث النظريه من خلال نصوصها ومن ثم استخلاص النتائج وفقا لتلك النصوص دون النظر الى تطبيقاتها على واقع الحال يجعل من تلك النتائج غير مكتمله ولاتظهر الحقيقه كما هي وتوهم القارىء البسيط لاسيما فيما يتعلق بالتحليل المبني على تلك النصوص.. وخلاصة القول ان من حفظ العراق وابقى شعلة الثوره ضد الظلم متقده فيه هي مرجعية النجف الاشرف والدول التي ذكرت كالمغرب ومصر وغيرها ليس فيها ثقل لقيادتها كالثقل في مرجعية النجف الاشرف والتفاف شيعة العراق حول مرجعيتهم هو من غير معادلات الاستكبار العالمي.. اما باقي الدول التي يتواجد الشيعه على اراضيها فهي تفتقر الى القياده الروحيه الحازمه والحكيمه والجريئه في اتخاذ القرارات الحاسمه وخاصة في المنعطفات الخطره وبالذات اذا تعلق الامر بوجودهم وحفظ مذهب أهل البيت عليهم السلام ومقدساتهم. اما فيما يتعلق بالمقاومه اذا كان المقصود بها الاجنحه المسلحه للاحزاب الشيعيه فهي لاتمثل الا رقم متواضع لمقاومة شيعة العراق بدليل ان كل هذه الاذرع المسلحه كانت موجوده عندما احتلت داعش ثلثي العراق... بينما داعش دحرت بفتوى المرجع الاعلى دام ظله التي على اثرها هب شيعة العراق ملبين دعوة الداعي. ومثال اخر عندما انتفضوا على البعث البائد في شعبان الاغر ووصلوا الى مشارف بغداد لولا تدخل الاستكبار لانقاذه.. ومن الجدير بالذكر ان الشيعه في ١٩٩١ لم تكن لديهم اجنحه مسلحه ولاتوجد عندهم احزاب شيعيه بقياداتها الموجوده الان لكي تنظم ثورتهم. فالمقاومه الحقيقيه هي المرجعيه العليا وجمهورها الواسع في العراق الذي عاقب في انتخابات ٢٠٢١ هذه الاحزاب على اهمالها وانبطاحها وتفكيك مكونها وانشغالها بنفسها عن ابسط مطالب شعبها في العيش الكريم.
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك