د بلال الخليفة ||
قبل يومين صدر قرار من الأمانة العامة لمجلس الوزراء ذي الرقم 260 لسنة 2021 والذي فيه تخويل وزارة الداخلية صلاحية التعاقد مع شركة (علم أركان) السعودية لتنفيذ نظام الكرتوني بأسلوب البوت (BOT) استثناءا من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة 2014 والضوابط الملحقة بها وكذلك استثناءا من تعليمات تنفيذ قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2021.
أولا: جاء في القرار إن العقد يكون بصيغة عقد البوت، لذلك في البداية يجب تعريف عقد البوت:
يعتبر نظام عقد الـ B.O.T من الأنظمة الحديثة التي تعتمدها الدول لتنفيذ مشاريع ضخمة في البنية التحتية وغيرها.
الـ B.O.T اختصار لثلاث كلمات هي: بناء (Build) – تشغيل (Operate) – نقل الملكية (Transfer). ويمكن تعريف هذا العقد بأنه اتفاق بين الدولة وشركة متخصّصة من شركات القطاع الخاص، توكل بموجبه الدولة إلى الشركة مهمة القيام بأعمال تدخل في نشاطات القطاع العام، عن طريق منح هذه الشركة امتيازًا وفق الأصول القانونية من أجل أنشاء مشروع ضخم وتنفيذه وتشغيله. وتتولى الشركة تمويل هذا المشروع، من دون إرهاق الموازنة العامة للدولة بأي نفقات، على أن يسمح لها باستعادة ما أنفقته على هذا المشروع إضافة إلى أرباحها المتوخاة فيه عبر استيفاء رسوم معينة من المستفيدين من خدماته مباشرة.
وتقوم الشركة باستثمار المشروع لحسابها الخاص مدة من الزمن، ثم تقوم في نهايتها بنقل ملكيته وكل ما يتعلَّق به إلى الدولة أو إحدى الإدارات أو المؤسسات العامة.
مناقشة الملاحظة الأولى
1 - ان عقد البوت يمتاز بطول فترتة التي تعتمد على فترة السداد والربح الذي تنوي الحصول علية من ذلك المشروع، وبالتالي ان ان الشركة السعودية ستشغل وتدير ذلك المشروع لفترة طويلة.
2 - ان العقد يتضمن بناء وتشغيل وإدارة ومن ثم نقل الملكية بعد السداد، بالتالي ان جباية ستفرض على المواطنين المستخدمين للطرقات التي سيتم اخضاعها للمشروع، كان الاجدر الاهتمام بجانب انشاء طرق مع جباية افضل من إدارة الكترونية مع جباية، والكل يعلم مدى سوء الطرق الداخلية والخارجية.
ثانيا: جاء في القرار ان العقد مستثنى من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية
للعلم ان تعليمات تنفيذ العقود الحكومية قد وضعت لتنظيم التعاقد في البلد وفق ضوابط يتم السير في ابرام العقود بالطرق التي تم وضعها في التعليمات، ومن فوائدها أيضا انها تمنع الاجتهادات الشخصية من قبل الشركات والدوائر التابعة للوزارات والحكومات المحلية وبالتالي تقليل الهدر بالمال العام ومنع الفساد في العقود.
ولبيان ذلك لنأتي على ما نصت تلك التعليمات، ففي المادة (1) من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (1) لسنة 2008، جاء فيها:
تهدف هذه التعليمات إلى وضع المبادئ العامة لتنفيذ العقود العامة التي تبرمها الدولة والقطاع العام مع الجهات العراقية وغير العراقية ...... على أن تتسم إجراءات التعاقد لإبرام العقود المذكورة في أعلاه بالشفافية والنزاهة والعدالة في التنافس إضافة إلى الأحكام الأخرى ذات العلاقة.
الملاحظة الأولى: تم التعاقد بدون منافسة
وفي العقد أعلاه لم نرى مبدا التنافس موجود في العقد بل الذهاب إلى شركة معينة دون غيرها، وهذا يعرف تعاقديا بالمصدر الوحيد، حيث أن وزارة التخطيط وفي كراس (دليل تنفيذ العقود الحكومية في العراق – الجزء الأول) منه بين معنى المنافسة وكما بين الشروط الاستثناء من المنافسة، وهي:
المبدأ: تعتبر المنافسة الكاملة والعلنية المنطلق والطريقة الأساسية في التعاقد، ويجب على سلطة التعاقد قبل إطلاق المنافسة تقدير سعر إحالة العقد ليكون عادلاً ومعقولاً استنادا إلى الحقائق والظروف العامة.
الاستثناءات: يجري التعاقد دون التقيد بإجراءات المنافسة في الحالات التالية:
- عند وجود أسباب تقنية أو فنية أو أسباب تتعلق بحماية الحقوق الحصرية، أو عندما تكون السلع أو الخدمات المراد شراؤها تصنع أو تجهز من قبل كيان واحد أو متوفرة من كيانات محدودة العدد، وتتعلق هذه الحالة بالمالك الوحيد أو الوكيل الحصري للسلعة أو الخدمة المطلوبة ويقتضي أن لا تتوافر سلع أو خدمات مماثلة لدى متعهدين آخرين.
- وجود أسباب ملحّة جدا بسبب أحداث لا تعزى إلى سلطة التعاقد، أو لان المصلحة العامة لا تسمح بإحالة العقد على أسس تنافسية كاملة، هنا تؤدي العجلة والطوارئ إلى ضرورة مواجهة ظروف لا يمكن مواجهتها بالطرق العادية للتعاقد.
- حينما تكون السلع المراد شراؤها:
· يتطلب تبديلها جزئيا أو أضافتها للسلع المشتراة من المصدر الأصلي الذي جهز السلع الموجودة.
· يتطلب انسجامها وقابليتها للاستبدال مع السلع المشترات من المصدر الأصلي الذي جهز السلع الموجودة.
- عندما تكون الإجراءات الأخرى غير إجراءات المنافسة الكاملة والعلنية للعقود العامة الحكومية ضرورية لتعزيز الاقتصاد أو التطوير المؤسساتي ...
- عندما يكون العراق طرفاً في اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أو معاهدات تتطلب استخدام إجراءات غير إجراءات المنافسة الكاملة والعلنية للعقود العامة الحكومية.
- اذا كانت القيمة المتوقعة للعقد العام تقل عن الحد النقدي المحدد، وفي هذه الحالة تستخدم الإجراءات الأصولية المتعلقة بتوريد السلع والخدمات ذات الأقل كلفة (لجان المشتريات) وفقاً للتعليمات النافذة.
ويلاحظ على هذه الحالات أن القانون هنا جاء غامضاً في بعض الحالات التي يجاز فيها التعاقد دون منافسة، مثل حالة تعزيز الاقتصاد والأسباب التقنية وهو الأمر الذي يترك مجالاً للاجتهاد او التأويل، ألا ان التعليمات النافذة عالجت الموضوع.
كما يلاحظ أنه لم تحدد آليات وشروط وإجراءات الطرق الأخرى غير التنافسية بل ترك لدائرة العقود الحكومية العامة إصدار تعليمات تطبيقية تتضمن تحديد الإجراءات الأصولية المتعلقة بإحالة العقود باستخدام إجراءات أخرى غير إجراءات المنافسة الكاملة والعلنية، من خلال تحديد أساليب التعاقد وشروط اللجوء إلى كل أسلوب وعلى جهات التعاقد التحقق من توفر شروط وجدوى أسلوب التعاقد قبل اعتماده. وأوجب الأمر ضرورة توثيق كل حالة لا تستخدم فيها إجراءات هذه المنافسة.
الملاحظة الثانية: تم التعاقد بصيغة الدعوة المباشرة
1 - عرفت تعليمات تنفيذ العقود الحكومية الدعوة المباشرة بانها :
ويتم بتوجيه الدعوة مجاناً للتعاقد مباشرةً الى جهة واحدة لتنفيذ هذا الأسلوب بموافقة اللجنة القطاعية المختصة في مجلس الوزراء وبتوصية من اللجنة المركزية للمراجعة والمصادقة على الإحالة للعقود الاستيرادية او المحلية لتجهيز السلع أو الخدمات ذات الطابع التخصصي غير المحتكرة على أن تتوفر الشروط الاتية:ـ
أـ أن تكون العقود متعلقة بأمن وسيادة الدولة التي تقتضيها ظروف الضرورة القصوى.
ب ـ أن تتسم تلك العقود بمواصفات فنية ذات تقنية عالية أو متطورة، ويجوز قبول مواصفات فنية أو قياسية اكثر تطوراً والمعروضة من الجهة المطلوب التعاقد معها بعد تأييدها من جهة فنية مختصة في جهة التعاقد.
ج ـ ان تكون الجهة المطلوب التعاقد معها جهة رصينة ومعتمدة ومصنعة معروفة للمواد أو الخدمات المطلوب تجهيزها.
د ـ وجود تقرير فني بالاحتياجات والمواصفات معد من جهة فنية مختصة مصادق عليه من اللجنة المركزية للمراجعة والمصادقة على الإحالة .
هـ ـ وجود جهة فاحصة رصينة تم استحصال الموافقة عليها للتأكد من دقة المواصفات المطلوبة ومدى مطابقتها للشروط المطلوب التعاقد عليها.
وـتصدر اللجنة القطاعية المختصة قرارها خلال (14) أربعة عشر يوما من تاريخ تسجيل الطلب لديها وبعكسه تعتبر الموافقة حاصلة ضمناً
2 – كما اشارت التعليمات الى حالة ثانية من الدعوة المباشرة لكن هذه المرة في حالة الشراء، الشراء المباشر من الشركات المصنعة الرصينة:
أـ للشركات العامة والتي تمارس النشاط الاستيرادي التجاري الربحي الشراء المباشر من الشركات المصنعة الرصينة وتخضع تعاقداتها الى مصادقة مجلس ادارة الشركة.
ب ـ للشركات العامة التفاوض على الأسعار مع الجهات التي يتم التعاقد معها بهذا الأسلوب لتنفيذ مشاريعها او تعاقداتها إذا كان مبلغ العطاء اعلى من الكلفة التخمينية المخصصة للتعاقد.
-لجان المشتريات: ويتم استخدام هذا الأسلوب لتجهيز دوائر الدولة بالسلع والخدمات والإعمال وحسب الضوابط الواردة في تعليمات تنفيذ الموازنة الاتحادية للسنة المعنية.
· مناقشة ذلك:
في الحالتين أعلاه في الدعوة المباشرة، أشارت التعليمات بان الذهاب إلى الدعوة المباشرة في حالة:
1 -وجود شركة محتكرة للسلع او الخدمات مما يضطرنا إلى ذلك.
2 – ان الشركة هي من الشركات المصنعة الرصينة
3 -أن تكون العقود متعلقة بأمن وسيادة الدولة التي تقتضيها ظروف الضرورة القصوى.
4 – إن التعاقد بالأساليب الاعتيادية تحتاج وقت طويل وان المشروع يجب تنفيذه على وجه السرعة.
لهذه الأسباب وغيرها يتم الذهاب إلى الدعوة المباشرة، لكن الغريب أن الشرو أعلاه لا تنطبق جميعها على العقد الموقع، وخصوصا في النقطة الأخيرة التي تمس امن العراق.
الملاحظة الثالثة: ان التعاقد جاء مستثنى من تعليمات تنفيذ الموازنة العامة الاتحادية لعام 2021:
في البداية سنعرض بعض النصوص المهمة التي جاءت في قانون الموازنة العامة وهي:
((إقرار السلطة التشريعية للموازنة العامة، أي إقرارها لتوقعات الحكومة للنفقات والإيرادات العامة لسنة مقبلة والموافقة عليها على نحو يخول الحكومة صرف الاعتمادات في الحدود المعينة من حيث الكم والغرض والمدة الزمنية وذلك وفقا للإجراءات المالية والأصول المحاسبية المقررة في هذا الشأن)).
كما إن التصديق على الموازنة يعني إجازة مسبقة معطاة من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية بصرف النفقات وجباية الإيرادات لسنة واحدة، وعلى السلطة التنفيذية أن تنفذ هذه الإجازة خلالها وتصبح بانقضائها عديمة الأثر والمفعول. إلا إن مضمون هذه الإجازة يختلف بين الانفاق والجباية، فإجازة الأنفاق تعني تحديد نوعية النفقات التي ستنفقها الحكومة خلال السنة القادمة مقسمة إلى أبواب محددة وضمن حد اقصى لاعتمادات كل باب من ابوابها ، وتلغى الاعتمادات غير المنفذة بانقضاء السنة المالية .
· مناقشة هذه الفقرة
1 - ان قانون الموازنة هو توقعات للانفاق وبصورة عامة، وهذا العقد جاء مخالف لتلك التوقعات في الفترة المرسومة للموازنة وهي عام 2021 فقط.
2 – ان مصادقة مجلس النواب على الموازنة، يعني إجازة للمشاريع التي سيتم تنفيذها لاحقا في نفس العام، وهذا المشروع لم يدرج بالموازنة وبالتالي لم يتم حصول إجازة من البرلمان بتنفيذة.
· النتائج والاستنتاجات
1 – ان التعاقد مع شركة غير معروفة في مجال الإلكترونيات والبرمجة هي غير صحيح وكان الأجدر الذهاب الى الشركات الرصينة والمعروفة في هذا المجال ولديها تجارب كبيرة.
2 – ان موضوع المرور هو ليس من المواضيع الملحة والتي تحتاج الذهاب للدعوة المباشرة، كان الاجدر الاهتمام بأمور اكثر أهمية منها قطاع الكهرباء والغاز وغيرها من الأمور الملحة والتي تدخل في صلب حياة المواطن اليومية.
3 – التعاقد مع دول الجوار من وخصوصا دول لها تاريخ غير جيد مع العراق هو خطوة غير موفقة لان تلك الدول سيكون لديها موطئ قدم في الداخل وهذا خطر من الناحية الأمنية.
4 – ان العقد اهتم بأمر ثانوي وترك الجوهر وهي أنشاء وصيانة الطرق الحالية.
5 – وجود اعتراضات كثيرة وخصوصا من رؤساء الكتل البرلمانية والزعماء السياسيين وهذا يسلب الشرعية من المضي بهذا المشروع.
· التوصيات
1 – تغيير العقد من عقد البوت أي نوع من العقود التي لا تعطي الشركة حق التشغيل والإدارة مثل (EPC).
2 – الاهتمام بتعبيد وانشاء الطرق والمجسرات بدل من إدارة مرورية التي تعتبر خطوة لاحقة لا سابقة لانشاء وصيانة الطرق.
3 – عدم التعاقد مع شركات هي غير معروفة
4 – عدم التعاقد مع دول الجوار في الأمور الحساسة والتي تعتبر من الأمور ذات الطابع الأمني.
5 – استخدام مبدا المنافسة بين الشركات لان ذلك التنافس سيوفر المال ويحسن الخدمة، هذه احدى بديهيات المنافسة.
https://telegram.me/buratha