دراسات

"الإسلام السياسي" مصطلح متهافت ومخادع

2107 2021-03-23

 

د. علي المؤمن ||

 

   "الإسلام السياسي" هو الترجمة العربية لمصطلح "Political Islam"، الذي اخترعه الباحث الأمريكي "غودرون كارمر" في العام 2004، في دراسته المنشورة في نيويورك الأمريكية ( العدد 6 من موسوعة ” In Encyclopedia of Islam and the Muslim World"، تحرير: ريشارد مارتن). وهذا المصطلح يعني وجود إسلامات متنوعة ومختلفة: إسلام سياسي وإسلام اقتصادي وإسلام ديني وإسلام فني وإسلام رياضي وإسلام عسكري وإسلام ثقافي. وهو خطأ منهجي وعلمي واصطلاحي، لأن الإسلام دين متكامل في أصوله وفروعه.. لاتتجزأ فيه العبادة عن السياسية، ولا العقود عن الاقتصاد، ولا المعاملات عن الأخلاق، ولا العقيدة عن السلوك .  

   فلا وجود لشيء اسمه "الإسلام السياسي"، ولاتصح نسبة الموضوعات والاختصاصات للإسلام، بل تصح النسبة للمسلمين وجماعاتهم؛ فيمكن القول أن هذا مسلم متخصص في الاقتصاد الإسلامي وهذا مسلم فقيه، وهؤلاء مسلمون مجاهدون وهذه حركة إسلامية سياسية أو حركة مقاومة إسلامية أو جماعة إسلامية حقوقية أو جمعية اسلامية ثقافية أو جمعية خيرية إسلامية أو مجمع علمي إسلامي أو جامعة أكاديمية اسلامية أو مركز إسلامي بحثي أو مصرف إسلامي.

   أما اختراع المطابخ الفكرية الغربية لمصطلح "الإسلام السياسي" أو حركات الإسلام السياسي ( Political Islam movements )؛ فإنه جاء لأهداف منهجية وفكرية وسياسية ومخابراتية، في مقدمتها تفكيك فروع المنظومة الإسلامية العقدية الفقهية الواحدة، وعزل الفروع العبادية عن السياسية والاقتصادية والجهادية، والقول بأن الإسلام دين عبادة واخلاق فقط، وأن الحركات الإسلامية التي تمارس العمل السياسي، إنما هي إسلام آخر لاعلاقة له بالإسلام العبادي، وبالتالي؛ فهي حركات غير شرعية؛ لأنها تجتزئ السياسة من الإسلام، وتعمل بهذه الجزئية، وهو توصيف لايمت بأية صلة للإسلام وللحركات الإسلامية التي يعنونها. 

   والملفت أن الغربيين لايخفون أهدافهم ولا يخجلون من إعلانها، لأنهم يعتقدون أن المسلمين لن يلتفتوا الى الأهداف والمضامين الايديولوجية والسياسية لهذا المصطلح وغيره، بل سيتلقفونه بسرعة ويترجمونه، ويقومون بترديده بكل فخر وتبختر، وهو ما يحصل دائماً. 

    والمصطلحات الغربية الخاصة بتوصيف الإسلام والواقع الإسلامي، كــ "الأصولية الإسلامية"(Islamic Fundamentalism) و "الإسلام الأصولي"(Fundamentalist Islam) و"الإسلام التقدمي" ( Progressive Islam )  و"الإسلام المعتدل"أو "الحداثوي" ( moderate Islam ) و"الإسلام الليبرالي" (liberal Islam) و"الإسلاموية" (Islamism)، و آخرها الديانة "الإيراهيمية"(Abrahamic religion)، ليست مصطلحات منهجية علمية محايدة، كمصطلحات الطب والهندسة والرياضيات وغيرها من العلوم التجريبية والتطبيقية والبحتة، أو كثير من مصطلحات العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى؛ بل هي مصطلحات مسيسة ومؤدلجة، ومفصلة على مقاسات الفهم الغربي المركب (العلماني المسيحي اليهودي)، بل هي ــ غالباً ــ أسلحة موجّهة ضد الإسلام والمسلمين، بغطاء محاربة الحركات الإسلامية المتطرفة.

   وإذا كان من الطبيعي أن يستخدم الباحث الغربي أو غير المسلم هذه المصطلحات، ومنها مصطلح "الإسلام السياسي"، انسجاماً مع منظومته الفكريةالمنهجية (الدينية ــ العلمانية)، أو يتلقفها العلماني الشيوعي والقومي والليبرالي في منطقتنا العربية والإسلامية؛ ليحارب بها الحركات الإسلامية؛ لكن المفارقة أن يستخدمها الكاتب والمدون والمثقف والأكاديمي المسلم المتدين، عن معرفة ودراية بمضامينها الآيديولوجية والدينية والسياسية. بل نرى أن بعض المثقفين الإسلاميين أو ذوي الأصول الإسلامية يصر على استخدام هذه المصطلحات، أما جهلاً بمداليلها السياسية والدينية والايديولوجية، ليظهر نفسه بمظهر "الإسلامي المعتدل" و"المثقف التقدمي" و"الليبرالي الصاعد"، عبر إضفاء ديكورات تقدمية على كتاباته والتشدق بنقد فكر الحركات الإسلامية بقسوة وبأسلوب تخريبي، وهي حالة نفسية تجسد لوناً من الإحساس بالدونية والانتقام من ماضيه الإسلامي. 

   وهكذا؛ تظل ساحتنا الفكرية مختبراً لتجارب واختراعات المفكرين الغربيين، ولعبة تحركها منظومة الفكر الغربي العلماني ــ الديني، ومصطلحاتها ومفاهيمها، ويكون بعض مثقفينا مجرد صدى لما يصطنعه المفكرون الغربيون ويصيغوه من توصيفات لواقعنا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك