دراسات

حكومة السلطة وحكومة الخدمة


 

عبد الخالق الفلاح *||

 

سلطة الدولة الحقيقية هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة والدولة الحديثة وهي دولة المواطنة التي يعيش فيها الجميع بتساو في الحقوق والواجبات ويكمن قدرتها على تحويل التعدد والتنوع الطبيعي للمجتمع إلى ثروة وطنية لتنمية ونهضة المجتمع، وتحويل التقاطع والصراع الطائفي إلى احتشاد منظم نحو بوصلة وطنية واحدة في ظل هوية وطنية واحدة ذلك الوعاء الكبير الذي يعترف ويوثق ويستوعب كل طوائف ومكونات المجتمع ويعطي الحق في  ممارسة جميع أبناء المجتمع لكافة شعائرهم الدينية واحتفالاتهم الخاصة بحرية كاملة، مع الاعتراف الكامل للدولة بهذه الشعائر والاحتفالات، ومع إنشاء مؤسساتهم الدينية والثقافية بحرية كاملة ودون أية معوقات من الدولة، وقدرتهم الكاملة على تعليم أبنائهم قيمهم الدينية الخاصة بهم لمن يرغب في تعلمها.

لكن الدولة لا تبنى بالتسويات ولا بتبادل الصفقات وتوزيع الحصص بل بتطبيق القانون وتجاوز كل الاعتبارات والحسابات الدينية والانتماءات السياسية التي ينبغي أن تكون بعناوينها ومضامينها مسخرة لخدمة الناس وليس لخدمة الأشخاص والفئات و يعني ان كل المسؤولين وفصائلهم وكتلهم واحزابهم  ومدعوون إلى خلع ثوب التكالب على السلطة ولبس ثياب الخدمة الصادقة بعيداً عن النفاق السياسي و الدخول في ورشة قيام الدولة التي تعمل بكل اخلاص وتفاني لخدمة المجتمع وتحاسب المقصر وتحاكم الفاسدز

كما  تعطي الحرية الكاملة في تقلد كافة الوظائف والمراكز القيادية المختلفة في كافة مجالات الحياة المدنية والعسكرية والقضائية بحرية تامة وفق قواعد الكفاءة المهنية المتعارف عليها وكافة حقوق المشاركة في الحياة العامة والتعبير عن الرأي بحرية كاملة، وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني بمجالاتها المختلفة ويخلق منه وبه كيانا كبيرا وقويا يمثل الجميع ولا يقصي أو يلغي أحدا، بل يقويه وينميه داخل الإطار الوطني العام الذي يقوي كل مكونات دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وهي من  أحد المبادىء الأساسية التي ترتكز عليها النظم الحديثة.

 وهو مبدأ رئيسي في جوهرها ، تماما على نحو يماثل في ذات الأهمية مبدأ سيادة الأمة و الشعب و التي يتم تداول السلطات فيها بسلمية مطلقة بقوة وملكية الإرادة الحرة للجماهير عبر الصناديق الانتخابية، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية الذي يهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها.

 

علينا ان ندرك تماماً ان العالم ينقسم الى مجموعة كبيرة من الدول، وإن اختلفت اشكال اجناسها وقومياتها وأنظمتها السياسية والدولة هي العقد الاجتماعي، و القوانين والدستور واحتكار القوة وضمان أمن المجتمع ماديا ورمزيا.

الدول المعاصرة التي يعيش في ظلها الآن أكثرية شعوب الأرض، سلطة دولة الأشخاص فيها عابرون، ويأتون لخدمتها مهما علت امتيازاتهم،

لفترة زمنية محدد وفق القوانين  وليس وجودها دائم لكي تخدمهم، كأشخاص أو كعائلات أو كفئات ذات لون واحد ودولة السلطة الحاكمة ابداً ولا يمكن فصل واحدة عن الأخرى مهما كانت الدولة ضعيفة أو تعيش إشكاليات حقيقية في مجتمعها أو مع محيطها.

استقلالية الدولة هي الضامن لمجتمعها من تغول سلطة المنفردة بالشخصنة ، سواء كانت فردية أم عائلية. لأن الحاكم الفرد في حالتنا، عندما يطابق بين مصلحته ومصلحة الدولة فإنما يريد أن تصبح مصلحته الشخصية اعلى من مصلحة الدولة، دون أي اعتبار لو أمكنه ذلك.

لهذا في الدول التي تحكمها سلطات فردية تغيير الشخص يكون أحيانا مفصليا، وعدم تغيير الوضع لا يعني أن الدولة هي الحاضرة بل يعني قوة السلطة الفردية هي التي بقيت حاضرة.

استقلالية الدولة هي التي تحمي تداول السلطة، والدولة غير المستقلة هي التي لا تستطيع إنتاج تجربتها في تداول السلطة و التداخل بين مفهومي السلطة والدولة قضية شائكة، ولكنها بالمقابل ليست مستحلية على المفهمة.

 وبالتالي مهما كانت السلطة فهي بحاجة للدولة والدولة بلا سيادتها تصبح مزرعة للأقوى وأن ضعف مؤسسات الدولة هو المصدر الأول للمشاكل الخارجية والداخلية و الدولة القوية لها دعامتان أساسيتان، أولهما استقلال أجهزتها فيما تتخذ من قرارات، فتصدر هذه القرارات بناء على تفضيلاتها وقواعدها ومنطق عملها، وليس تحت ضغوط من قوى داخلية كشيوخ القبائل أو رجال الأعمال أو المؤسسة الدينية.

كما تسعى هذه الأجهزة لأن توسع من مجال حريتها فى مواجهة القوى الخارجية في الاسهام الفاعــل فــي بنــاء وحمايــة الامــن والاســتقرار والســلم علــى المســتوى الوطنــي ُ والاقليميـي والدولـي وتعزيـز عـرى التعـاون وسـبل الحـوار بيـن الـدول والشـعوب والحضـارات لمـا مــن شــأنه حمايــة وتطويــر المنافــع والمصالــح المشــتركة، وتعزيــز الســلم والتضامــن الانســاني ولكن الدعامة الثانية لا تقل أهمية، لأنها تقضى بأن يتم هذا الاستقلال فى إطار من القبول العام من جانب المجتمع لما تقوم به هذه الأجهزة.

أى إن ارضاء المواطنين هو الشرط الثانى لوجود الدولة القوية التي تحفظ على الثـروات الطبيعيـة بجميـع أنواعهـا ومصـادر الطاقـة الموجـودة فـي باطـن الارض أو فوقهـا أو فـي الميـاه الاقليمية  أو الامتـداد القـاري والمناطقـ الاقتصاديـة الخاصـة باعتبارها ملـك لعامـة الشـعب وتلتـزم الدولـة بتنميـة إنتاجهـا و حسـن توظيفهـا لمصلحـة الشـعب مـع الحفـاظ علـى حقـوق الاجيــال القادمــة منهــا، وتحديــد نســبه مــن عائدتهــا لمناطــق المنبــع لاغــراض التنميــة فــي ً للقانـون.

 وإعــادة الاعتبــار لمفهــوم العدالــة الاجتماعيــة والاقتصاديــة وترســيخ مفهــوم الشــراكة وتعــدد قطاعــات الملكيــة الاقتصاديــة العامــة والخاصــة والمختلــط والتعاونــي والشــركات المســاهمة وتطويرهــا للقيــام بإنجــاز مهــام التنميــة الاقتصاديــة والاجتماعيــة المســتدامة و تشـجع الدولـة للتعـاون والادخـار وتكويـن المنشـئات والانشـطة التعاونيـة والخيريـة والتنمويـة بمختلـف صورهـا وتسـن القوانيـن لتنظيمهـا وحمايتهـا، بعبارة مختصرة الدولة القوية هى المتحررة من الضغوط فى صنع قراراتها وفى إنفاذها وهي التى تحظى بالشرعية من جانب مواطنيها بعد تحقيق مطالبهم ووفق قناعتهم .

 

*باحث واعلامي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك