د. إعصار الصفار
دويلة سنية في الغرب
هذا الاحتمال اوضح الاحتمالات في ضعف حظوظ تحققه. فالمجتمع في تلك المنطقة مجتمع قَبَلي عشائري تصعب قيادته من إدارة واحدة. من جهة اخرى فان الثروة البشرية ليست متوفرة، اذ يقدر تعداد المحافظات السنية اقل من ٣ ملايين، واذا ضممنا جدلا الموصل لهذه الدويلة، فسيصبح التعداد حوالي ٥ ملايين، وهو ليس بالعدد الكبير قياسا لمساحة تلك المحافظات. كما ان تلك المنطقة لا تمتلك ثروات طبيعية تصلح ان تكون مقوما لدولة. وبالرغم من سماعنا عن اكتشاف مخزونات نفطية في المنطقة، الا ان هذا الامر ليس مؤكدا، وحتى ان كان مؤكدا فلن يثمر في المستقبل القريب. يضاف لذلك ان ليس لهذه المنطقة قوة عسكرية منظمة وموحدة. صحيح ان هناك قوات عشائرية مسلحة وبين الحين والآخر تظهر تشكيلات مسلحة اكبر حجما وافضل تنظيمًا، مثل الصحوات، الا ان هذه ليست متماسكة وسرعان ما تتفكك وتعود الى ولاءات العشيرة. اما إدارة الحكم، فسيعتريها ما يعتريها لقلة الخبرة من جهة والحس العشائري من جهة اخرى. وصحيح ان غالبية الوزراء في عهد صدام ونسبة كبيرة من وزارات ما بعد السقوط هم من السنة، الا ان هذا لا يشكل تجربة متكاملة لإدارة دولة مستقلة.
النقطة الأهم التي قد تدعم إمكانية تشكل مثل هذه الدويلة هي حاجة امريكا وحلفائها الى اسفين يقطع ما اصطُلِحَ عليه بـ "الهلال الشيعي" حتى يتم قطع ايران عن تجهيز ودعم سوريا وحزب الله اللبناني لأسباب معروفة. لكن ايجاد كيان يفتقر للإمكانيات الإدارية والاقتصادية والعسكرية، يجعل من هذا الاحتمال أمرًا غير راجح ومكلِّف للغاية، وبالتالي، فان إنشاء دويلة مستقلة في غرب العراق معادلة سوف لن يكتب لها النجاح.
دويلة شيعية في الوسط والجنوب
دويلة مثل هذه، لها مقومات نجاح ذاتية كبيرة، فثرواتها الطبيعية والمائية كبيرة، وواقعا هي ممول العراق الرئيسي. ويقدر تعداد نفوسها حوالي ١٤ مليون نسمة. يضاف لذلك وجود قوى عسكرية منظمة ومجهزة بشكل جيد ولها خبرات قتالية عالية كان لها الفضل الأساس في دحر داعش في حرب مدن من اصعب ما يكون. الا ان المشكلة التي ستواجه مثل هذه الدويلة، هي الإدارة. فهذه المناطق العراقية كانت مضطهدة لعقود طويلة وتم قمعها بقسوة وشدة فترة حكم صدام، وبالتالي فلم تتوفر لهم فرصة إنشاء مؤسسات حكومية او حكم ذاتي باي شكل كان، ولم تتراكم عندهم الخبرة اللازمة. وحتى بعد السقوط، وان كان المتعارف ان رئاسة الحكومة شيعية، ولكن واقع الحال غير ذلك نتيجة المحاصصة والتدخلات الإقليمية والدولية. وجود المرجعية الدينية وولاء غالبية سكان هذه المناطق لها قد ينجح في سد النقص في الهيكلية التنظيمية لدولة، الا ان المرجعية نفسها لم تتصدَ للقيادة فضلا عن الإدارة، واكتفت بالدور الإرشادي. وهكذا، فلا توجد ضمانات في هذا المجال. وأي ادارات، ان تشكلت، فستتشكل ممن حكم العراق بعد السقوط بكل ما يعتور هؤلاء من ضعف وسوء إدارة.
يبقى هناك أمر غاية في الأهمية وهو هل من مصلحة امريكا وحلفائها في المنطقة تكوين دويلة شيعية تشترك بالحدود لمئات الكيلومترات مع عدوهم اللدود، ايران! السماح بقيام مثل هذا الكيان، سيكون ضد المصالح الامريكية، اذ ان ذلك سيشجع على قيام اتحاد، رسمي او غير رسمي، بين هذا الكيان وايران مما يعزز قوة ايران الاقتصادية والبشرية والاستراتيجية، وهو امر لا تريده امريكا ولن تسمح به مهما كان الثمن.
ومما يزيد الصورة تعقيدا هو تداخل المصالح الاجتماعية والاقتصادية بين هذه المناطق وبعضها، فهل سيتم اجلاء المواطنين كل الى إقليمه بعد تصفية مصالحهم المتداخلة؟ أم السماح لهم بالبقاء لا كمواطنين بل كمقيمين! ونحن هنا نتكلم عن أعداد كبيرة وليس أفرادا.
يضاف لكل ذلك ان هناك بعض المحافظات ستبقى مشكلة مستعصية مثل بغداد والموصل وديالى وكركوك.
فماذا سيحل ببغداد بسكانها الذين يزيدون عن ٥ ملايين نسمة؟ هل يتم ضمها لأي دويلة، أم يتم تقسيمها؟
وهل سيتم ضم الموصل للدويلة السنية؟ وحتى لو افترضنا مواقفة سكان الموصل بهذا الامر، فهل سيقبل الأكراد بذلك! ام هل ستقبل تركيا، التي كانت وما زالت تحلم بضم الموصل اليها؟ وقد تستغل تركيا الفرصة وتعمد لاحتلالها.
اما كركوك ، فقد تم الكلام عنها.
وماذا عن ديالى بتركيبتها السكانية المعقدة حيث يسكنها عرب واكراد وتركمان، وفيها سنة وشيعة. كل هذا سيشكل تحديات كبيرة يجعل ضمها لأي من الدويلات الثلاث صعبا، ان لم يكن مستحيلا.
وهكذا، فلن يتم حسم امر هذه المدن لهذا الطرف او ذاك وستكون مصدر نزاع له اول وليس له اخر، ليس بين هذه الدويلات فقط، ولكنها ستفتح المجال لتدخلات إقليمية سافرة وواسعة قد تؤدي لاقتطاع اجزاء كبيرة من العراق وإلحاقها بدول اخرى، والذي بحد ذاته سيكون فتيل حروب دولية واسعة تكون امريكا وروسيا، وغالبا دول اخرى، أطرافا مباشرة او غير مباشرة فيها.
وهكذا نرى ان التلويح بخطر تقسيم العراق ليس واقعيا اذ ليس له أساس عملي ولا سياسي، لا على صعيد العراق ولا المنطقة ولا العالم.
وبالتالي، فان تقسيم العراق سوف لن يتحقق، في المستقبل المنظور باقل تقدير.
https://telegram.me/buratha