د. أحمد جمعة البهادلي.
في مُقاربةٍ واضحةٍ حول نظريات الحكم والعَلاقة بين الفقيه والمُفكر الفيلسوف، سنجد بأن الفقهاء لهم مَنهجاً مغايراً عن منهج الفلاسفة، تحديداً وأن البعض يثير مسألة الاختلاف في الآراء بين الإمام الخميني (قائد الثورة الإسلامية) وبين والسيد محسن الحكيم (مرجع الأمة) في حينها، رضوان الله تعالى عليهما، وأنا لا اعتقد بأن مثل هذه الأفكار صحيحة، بل ولا دليل عليها، ولأسبابٍ متعددةٍ، وهي:
رفض مرجع الأمة السيد الحكيم رضوان الله عليه بعض الأفكار السياسية في حينها، وكذلك السيد الخوئي المرجع الاعلى رضوان الله عليه، مسألة طبيعية جدا، فالاختلاف في تقدير الموقف من عالم إلى آخر لا يعني إبطال دعوى أحدهم والتصديق بدعوى الآخر، لأنهم من مَشرب فقهي واحد، وعلينا أن ندرك بأن الحوار وفقاً للغة الاجتهاد يُلزمنا احترام أفكار كلا المجتهدَين فقهياً؛ لأن المَبنى الفقهي له قواعده العامة كما أن المبنى الفلسفي له قواعد أخرى، وشخصيا أعتقد بأن (الفلسفي) في نتائجه حاكم على نتائج (الفقهي) في مديات الاشتغال.
التفكير بمستوى (الدولة) وبمستوى (الحكم) في الإسلام له خمسة مسالك فكرية، وهي غير المسالك الفقهية الخمسة، ففي الفقه عندنا (الفقه الجعفري)المؤسس، ثم (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي)، وهذه المذاهب الخمسة في مجال الفقه لها مديات اشتغال تختلف عن مديات اشتغال المذاهب الفكرية، أو الفلسفية، فهي مناطة بالفلاسفة والمفكرين، وهؤلاء هم من ينظر للحكم وللدولة وللاقتصاد وللسياسة وللتربية وغير ذلك، ولم يكن كلا السيدين المرجعين(الحكيم والخوئي) من وجهة نظري منهم، لعدم وجود آثار فكرية تدل على خلاف ذلك، على الرغم من وجود الكثير من الفتوى الفقهية المتنوعة.
والمذاهب الفكرية التي تنظر بشمولية وتفصيل للدولة وللحكم، بحسب إشتغال الفلاسفة هي:
1. الفلاسفة العقلانيين، وهم اتباع المنطق الارسطي، اي دليلهم عقلي.
2. الفلاسفة المتكلمين، وهم اتباع الكلام (القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف)، ودليلهم كلامي او نصوصي.
3. الفلاسفة المتصوفين، وهم اتباع تزكية النفس وتهذيبها، ودليلهم سلوكي او عرفاني.
4. الفلاسفة الاشراقيين، وهم المؤلفون بين الثانية والثالثة في منهجهم الفكري، أي بين (الكلام والتصوف).
5. فلاسفة الحكمة المتعالية، وهم المؤلفون بين الاولى والثانية والثالثة، أي بين (العقل، والكلام، والتصوف).
والسيد الإمام الخميني من المدرسة الأخيرة، وكذلك السيد الإمام محمد باقر الصدر، والسيد الامام العلامة الطباطبائي وغيرهم من الأعلام رضوان الله تعالى عليهم اجمعين، لنعرف الأن أن الأمر ليس فقهيا فقط في إدارة شؤون الأمة، ولنعرف ماذا يعني القائد المفكر!.
كما أننا لسنا في ضائقة أو انحسار فكري، إذ يزخر تراثنا بالكثير من النظريات الجادة التي تقيد السلطة أو الحكم، وتقنن مسارات العمل بصوره المتعددة والمختلفة، ففي مدرسة الحكمة المتعالية، وهي آخر ما أنتجه الحقل الفلسفي الإسلامي، الكثير من النظريات، ومنها:
1. نظرية ولاية الفقيه العامة: أو المطلقة، التي تتعكز على مشروعيتها الدينية، ووظائفها البناءة، وهي تتطلب حضور الحاكم الفقيه أو العارف، التي قدم لها المفكر الاسلامي الفيلسوف(أحمد محمد مهدي النراقي) رضي الله تعالى عنه.
2. نظرية ولاية الأمة على نفسها: وهي تتعكز على مشروعية قيام الأمة بواجباتها وفي مختلف المديات، فهي تقف على حد سواء بين كافة الأبناء، وتشترط حضور رتب الكمال عندهم، التي قدم لها المفكر الاسلامي الفيلسوف(محمد مهدي شمس الدين) رضي الله تعالى عنه.
3. نظرية ولاية الفقيه على قاعدة الشورى: وهي النظرية الأنسب التي تستطيع استيعاب دولة متنوعة الأطياف والمكونات، إذ يجتمع فيها كلا الدورين المشروعين (الديني، والشعبي)، وتعتمد على التفسير الموضوعي للسنن التاريخية، وتبين القدرات الفاعلة للفرد أو للمجموعة وبمستويات متعددة، التي قدم لها آية الله العظمى المفكر الفيلسوف الشهيد الإمام (محمد باقر الصدر) شفيعنا رضي الله تعالى عنه.
وهنا علينا ملاحظة حركية النظرية الأولى إذ تعتمد على حضور (الفقيه)، وأن الثانية تعتمد على حضور (الأمة)، وأن الثالثة تجمع بين الدورين معا.
وبذلك، فإن أصل المغايرة في الآراء الفقهية، وفقا لمصادر الأحكام الشرعية، مسألة طبيعية، ولا دخل لها برسم ملامح العداء بين الفقهاء في المشرب الواحد، والآن علينا أن نتذكر تأويلات ذلك الصراع المفتعل، حول عقد بعض الدروس الفلسفية في حواضن العلم كالحوزات وغيرها، وأن نؤكد الاختلاف في وجهات النظر علمياً، ليس إلا وبما يتناسب ومتبنيات الفقيه الفكرية.
https://telegram.me/buratha