دراسات

المجتمع في القرآن

4144 2019-12-06

  🖊ماجد الشويلي   كعادته لم يقدم القرآن المجيد تعريفا محددا للمجتمع بل راح يؤكد على مصاديقه المتنوعة ويبين خصائص كل واحد من هذه المجتمعات ،وذكر لها اسماء عدة تختلف باختلاف خصائص كل واحد منها فبعض اسماه باسم ذنب من ذنوبه التي اقترفها كاصحاب الرس (وهم مجموعة من اذربيجان دفنوا نبيهم في البئر )وبعض اسماهم باسم نبيهم وغيرهم عرفهم بخاصية ارضهم التي كانوا يسكنونها كاصحابه الايكة التي هي غيضة ذات شجر ملتف ويبدو انه كان كثيفا  وهكذا وقد حرص القرآن على ان يقدم مسحا ديمغرافيا يضع من خلاله تصنيفا لاهم انواع المجتمعات التي تقطن الارض كما في قصة ذي القرنين وتمكين الله الذي منحه القدرة على ان يجوب الارض لاستصلاحها فوقف على ثلاثة انواع من المجتمعات كان اولها مجتمع قاتم الضلالة رغم ان النور محيط به من مكان ((حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ مَغۡرِبَ ٱلشَّمۡسِ وَجَدَهَا تَغۡرُبُ فِى عَيۡنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوۡمًا قُلۡنَا يَـٰذَا ٱلۡقَرۡنَيۡنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيہِمۡ حُسۡنًا)) (٨٦).الكهف ولقد أراد الله سبحانه وتعالى من خلال هذه الآية البيّنة العظيمة أن يُخبرنا، أنّ القوم الذين تغرب عندهم الشمس في عين حمئة هم كناية عن قوم يعيشون في ظلام دامس وضلالة مُطلقة، لدرجة أنّ الشمس التي هي كناية عن ضياء عندما تغرب في عين حمئة لا تستطيع أن تشرق على هؤلاء القوم من جديد، لأنّ سواد الماء أي الظلام إمتصّ ضوءها فحبسها ومنعها من الإنعكاس أي من الخروج منه. وهذا يدلُّنا على أنّ هؤلاء القوم واقعون في الظلمات أي في الضلالة، لدرجة أنَّهُم لا يستطيعون أن يروا أعمالهم السيّئة، ولا أن يروا طريق النور والهداية . اما الصنف الاخر من المجتمعات التي وقف عليها ذو القرنين فهو هذا المجتمع الراكد الكسول والعاجز عن حماية نفسه حتى من لهيب الشمس الحارقة  ((حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا ))  الكهف(90) والمجتمع الثالث مجتمع الركود المعرفي الى حد انهم يتواصلون فيما بينهم بلغة بدائية او لعلهم يتواصلون بالايماء والاشارة كانهم بهائم   الآية: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ﴾. 93الكهف ولم يقف تصنيف القرآن للمجتمعات على الاساس الحضاري والثقافي فحسب بل راح يقدم صورا اخرى لانواع المجتمعات على اساس السلوك والتقوى والتدين ؛ بدأها بتقديم نموذج المجتمع الذي يسير نحو العلو والرفعة وهو مجتمع نبي الله يونس ع ((فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ (98)يونس ((ونموذج المجتمع الذي يسير نحو التسافل من قوم هود ع وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) هود  (85) والمجتمع السافل بالفعل من قوم لوط ع ((وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ)) الاعراف  (80) كما عمد القرآن لتقديم نماذج أخرى من المجتمعات التي تفرعنت وطغت كمجتمع عاد وثمود  ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ)) (12)الفجر كل ذلك في اطار المجتمعات غير الدينية بل وبعضها التي وقفت بوجه الدين والفطرة السليمة والانبياء وحاربتهم بشدة . اما على صعيد ذكر المجتمعات الايمانية فان القرآن المجيد  قدم مثالين رائعين لهذه المجتمعات وطبيعة علاقتهما بالايمان وانعكاساته على اوضاعهما الاقتصادية والامنية والسياسية . النموذج الاول هو نموذج المجتمع الايماني الذي دعا اليه الانبياء خلال مسيرتهم الطويلة  وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)الاعراف اما النموذج الاخر فهو نموذج المجتمع المؤمن الذي تنصل عن إيمانه وتنكر له وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) النحل والملاحظ من كل ماتقدم أن القرآن المجيد يقر التنوع المجتمعي الطبيعي لكنه يهتم اهتماما بالغا بل ويؤكد على اهمية ان تتحلى المجتمعات البشرية بالايمان فهو السبيل الوحيد لضمان بقاء نعم الله متواردة عليها دون زوال . فتراه يتناول الظواهر الاجتماعية بالنقد والتوجيه والتغيير  ، وحتى المجتمعات الايمانية فانها لطالما تعرضت للتهديد والوعيد من القرآن وحذرهم انهم فيما لو لم يقوموا بما يجب عليهم شرعا فانهم سيتعرضون للاستبدال وجعل هذا الامر سنة باقية تجري في المجتمعات البشرية عموما مجرى الليل والنهار . ((وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم)) (38) محمد(ص) ولو تمعنا في الايات البينات لوجدنا أن القرآن يعتمد لفظ الامة في الحالات التي يريد التعبير فيها عن المجتمع المنسجم والمترابط والمتكامل . يقول الشهيد محمد باقر الحكيم (رض) في كتابه المجتمع الانساني  إن لفظ الامة هو اللفظ  القرآني الاقرب مضمونا الى مصطلح المجتمع)) بل على مايبدو أن القرآن يريد لهذه المجتمعات ان يكون لها اطارها الايماني والعقائدي الذي تحتفظ فيه بكامل خصوصيتها لكنها تجتمع فيه على عقيدة واحدة وسلوك ايماني مشترك وهو (الامة) ((ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف)) لكن هذا الاطار ليس اطارا جامدا او مجرد علاقات معاطاتيه لتمشية المصالح بين افراد المجتمع بل هو اطار مفعم بالروح ووشائج المودة العميقة    ((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) الانفال (63) وكأن القرآن  قد اراد من ذلك ان يلفت عنايتنا الى ان اهم خاصية في المجتمع القرآني الذي هو الامة كما اسلفنا انما هي الحب والمودة والتراحم بين افرادة . وهذه الخاصية من الصعب تحقيقها في اي مجتمع آخر غير المجتمع الاسلامي . نعم يمكن للمجتمعات ان تنظم شؤون العلاقة بينها على اسس قانونية تضمن علاقات هادئة بين افراد المجتمع كما في الغرب  حينما تقيمها على اساس الحقوق والواجبات فحسب ،ورغم اهمية ذلك الا ان منظومة العلاقات في المجتمع (القرآني)الاسلامي مبنية على اسس روحية عاطفية وعضوية  كما في الحديث الشريف ((إن مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) وعليه يمكن ان نستعرض اهم خصائص المجتمع الاسلامي وفقا لما تقدم اولا: انه يقوم على اساس التوحيد الالهي والوحدة الروحية والمعنوية بين افراده ثانيا: العلاقة بين افراده تكسب طابعا اخويا يفوق العلاقة النسبية بين الاخوان ((انما المؤمنون اخوه)) ثالثا :ان هذه العلاقة لها مردودات أخروية من الثواب والجزاء الجميل ولها انعكاسات دنيوية مهمة عرفت بمصطلح الاثار الوضعية للحسنات والسيئات على حياة المجتمع رايعا: ركز الاسلام على اهمية صلة الارحام واعطاها اولوية كبيرة ((الاقربون اولى بالمعروف)) خامسا فرض الاسلام حقوقا مادية وعينية على من ينتسب لهذا المجتمع كالزكاة والخمس والصدقة والنذر ليرتقي بالفقراء الى مصاف الاغنياء او ليخفف من معاناتهم سادسا: لم يقتصر الاسلام على تحريم الاذى المادي رغم انه وضع له حدود وديات وغيره لكنه حرم الايذاء المعنوي كالغيبة تحريما شديدا سابعا:في المجتمع الاسلامي للكبير حق على الصغير ثامنا:في المجتمع الاسلامي وجوبات عينية لكل فرد على الفرد الاخر كغسل ودفن الميت وغيره وتركه تاسعا :ان من خصائص هذا المجتمع انه منفتح قوميا عاشرا :المجتمع الاسلامي الافضلية فيه لاكثرهم تقوى وورعا على العكس من المجتمعات الغربية التي يكون فيها النبل للاثرياء فحسب هذه لمحة سريعة عن المجتمع في القرآن
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك