عبد الحسين الظالمي
منذ التغير في العراق عام ٢٠٠٣ والى اليوم المتابع لهذه الفترة الزمنية والتي بلغة ما يقارب سبعة عشر عام ومع اختلاف الحكومات التي تولت الامور التنفيذية في العراق وتركيزنا على الجانب التنفيذي يعود الى ان سبب الفشل الان ومايجري هو الذي يتحمله في راي المواطن وهذة الفترة يمكن تقسيمها الى ثلاث مراحل .
الاولى مرحلة الدكتور علاوي والدكتور الجعفري والتي كانت امريكا هي الامر الناهي احد غيرها ان يفرض رأي وكان المجلس الوطني في وقتها قليل التاثير في المشهد السياسي لعدم تبلور وجود الكتل السياسية ومنها التيار الصدري الذي كان منهمك في الخلاف مع الامريكان ومع الخصوم السياسين وكان شبه رافض للمشاركة في العمل السياسي الذي كان يقودة الامريكان، مع ما صاحب هذه الفتره من عدم استقرار وتحكم قوي من قبل الامريكان في مجريات الامور .
ثم بدءت المرحلة الثانية للعملية السياسية منذ الدورة الاولى للسيد المالكي مع بداية عام ٢٠٠٧ الجمعية الوطنية والتحالف الوطني
واستمرت الى عام ٢٠١٤ هذه المرحلة التي فرض فيها المالكي قوة السلطة التنفيذية وحجم الى قدر ما دور السلطة التشريعية ومنعها من التدخل في مجريات التنفيذ وحكم سطوته على البرلمان من خلال فوزه الساحق وتمكنه من ايجاد كتلة كبيرة داخل البرلمان (التحالف الوطني) الذي كان عمود وجودة دولة القانون من جهة وشخص السيد عبد العزيز الحكيم الذي حاول خلق نوع من التوازن بين الاطراف المختلفة (المجلس الاعلى) رغم تمرد المالكي في بعض الاوقات والحالات وخصوصا في قضية المركزية ولا مركزية وكان سبب هذا يعود الى قوة المالكي في البرلمان والذي منع خصومه من اي محاولة للتاثير على سير ادارته للحكومة رغم امتعاض الاكراد من هذه السيطرة من جهة وعدم رضى التيار الصدري الذي كان بينه وبين المالكي شبة عداء واضح على اثر عملية صولة الفرسان في البصرة التي حجم فيها المالكي الوجود المسلح للتيار الصدري (والذي بدأ يميل الى المشاركة في العملية السياسية نتيجة تقليص دور الامريكان في الوضع العراقي) ما نقل الصراع الى داخل العملية السياسية بين الطرفين والذي كان نار تحت الرماد.
كانت في هذه الفترة الكتل السياسية الشيعية اقل تاثير من الكتل السنية والكردية على الجانب التنفيذي حتى داخل قبة البرلمان .
بعد وفاة السيد عبد العزيز الحكيم برزت الخلافات على اشدها بين التيار الصدري ودولة القانون ما جعل الطرفين يسعيان الى مهاجمة كل منهم الاخر وبدأ الصراع على اشده في الاعلام وتحت قبة البرلمان، ونشر الغسيل الذي وجد فيه اعداء العملية السياسية مادة دسمة لمهاجمة العملية السياسية وفي نفس الوقت كان كل من قادة دولة القانون والتيار الصدري لا يرون في المرجعية الدينية مصدرا للنصح او التقويم ما خلق فجوة كبيرة بين الطبقة السياسية الحاكمة والمرجعية تراكمت مع مرور الوقت وتراكم الاخطاء وازدياد الصراع السياسي.
وقد اشتد الصراع بين الكتل السياسية الشيعية في الدورة الثانية للسيد المالكي وخصوصا في الربع الاخير من السنة الثالثة وبداية السنة الرابعة لحكومة المالكي وقد حاول التيار الصدري مع الاكراد ابعاد المالكي (بدافع التفرد بالسلطة) وبذلوا كل قواهم في سبيل تحقيق هذا الهدف الذي كان محط امال السيد نوري المالكي للفوز بدورة ثالثة كارئيس وزراء.
في هذه الفترة بلغ الهجوم الاعلامي بين الطرفين مستوى خطر كشف المستور وخصوصا من خلال الجيوش الاكترونية، والتي ينشط فيها كل اطراف الصراع وخصوصا على منصات التواصل الاجتماعي ما اتاح فرصة ذهبية لاعداء العملية السياسية والديمقراطية في العراق من تنفيذ مخطط اسقاط شامل للعملية من خلال تجنيد داعش وهجومة على المناطق الغربية (طبعا لم يكن السبب الرئيسي بل سببا مساعدا لتنفيذ المخطط) والذي كاد ان ينهي كل شىء ولكن دخول المرجعية طرف في المعادلة قلب الامور على المخطط وساعد في نفس الوقت على تخفيف حدت الصراع بين الكتل الشيعية التي رأت في ذلك تهديد جدي لوجودها وخصوصا ان الصدرين والاكراد نجحوا في ابعاد المالكي والتوافق على شخصية اخرى من الدعوة لتخفيف الرفض الداخلي والاقليمي.
ورغم انشغال الكل في تحرير الارض العراقية من داعش بقت حدت الخلافات بين الكتل السياسية تنشط وتزاد قوة وحدة خصوصا بعد ان حقق الصدرين مكانة برلمانية قوية مقابل ضعف وانشطار لدولة القانون نتيجة تداعيات انتخاب السيد العبادي بدلا عن السيد المالكي التي دشنت المرحلة الثالثة للعملية السياسية (مرحلة السيد العبادي والسيد عبد المهدي) مما جعل الكفة شبة متقاربة بين الكتل في البرلمان من حيث القوة سواء في زمن العبادي او عادل عبد المهدي وهذا بالضبط ما ميز هذه المرحلة عن سابقتها.
ما جعل التعامل بين السلطة التشريعية والتنفيذية ياخذ منحى التداخل ولاحتكاك والصراع، وشتد التنابز الاعلامي ولم يترك عورة للعملية السياسية الا وتحدث فيها وربما لفق لها او اجتهد في تضخيمها مع سعي الاطراف للاستفادة القصوى من موارد الدولة والموارد الذاتية في الوزرات التي تتحكم بها اطراف الصراع سواء كانت شيعية ام سنية ام كردية ودخول المال السياسي في ادوات الصراع لتغطية النفقات الكبيرة لهذا الصراع والذي كان على حساب مجالات الحياة الاخرى
ومع انشغال الدولة في الحرب ضد داعش والتي ساهمت في هدر امكانيات كبيرة من الموارد العراقية مع ما ينفق لتغذية الصراع والذي فوت فرص كبيرة للبناء والاعمار ومع ذلك كانت هناك حرب مشتعلة من الداخل بين اطراف العملية السياسية ما خلق جوا من الامتعاض والرفض وعدم القبول من الناس لكل ما يجري من خلال ما يطرح من الاطراف المتصارعة في الساحة ومع نهاية داعش وتحقيق الانتصار الكبير عليها والذي اعطى العراق دفعة معنوية كبيرة وفرصة ذهبية للنهوض واستغلال تعاطف العالم.
ولكن من سوء الحظ ان ذلك تزامن اواقترب من استحاق انتخابي للبرلمان مما اعاد الصراع الىاوجه بين الاطراف وخصوصا الكتل الشيعية والتي انقسمت الى محورين محور المقاومة ومحور (الولاء العربي او التوجه العربي او التوجه الوطني) ومع تمكن التيار الصدري من تحقيق فوز قوي بعد فوز قائمة سائرون مقابل الفتح ودولة القانون والحكمة والنصر والتي تبلور من ذلك تحالفين الاصلاح والبناء (سائرون و الحكمة والنصر مع قوائم وشخصيات سنية) و تحالف البناء (الفتح والقانون وقوائم وشخصيات سنية) ونتيجة الصراع والخلافات الماضية وتفسير الامور والخلافات على ضوء هذا الصراع الذي كان يحبط كل جهد للاتفاق على خطوة تخدم العراق ما عرقل تشكيل الحكومة.
وبعد صراع مارثوني تم الاهتداء الى اختيار دكتور عادل عبد المهدي كشخص مستقل عن الطرفين ليكون رئيس الوزراء ورغم حل العقدة الاولى من هذه المعضلة بقت بقية العقد محكمة لا تقبل ان تتزحزح خصوصا في اختيار الكابينة الوزرارية التي تحكمت فيها الكتل خلاف ما يدعون مما اجج الصراع بشكل ظاهري او مخفي بين الكتل جميعها سنية او كردية او شيعية (والمشكلة طبعا ليس في المحاصصة بين المكونات التي يفرضها الواقع العراقي بل المحاصصة بين المكون نفسة والاختلاف على الحصص ولكن خلاف الكتل الشيعية كان اكثر خطورة وتأثير على الوضع العام سواء ما تركة هذا الصراع من تركة ثقيلة او من خلال ما يدار خلف الكواليس والذي تسبب في تعطيل برامج الجانب التنفيذي الذي يعد من مسؤولية المكون الشيعي والذي يلامس حياة ومصير المواطن.
كل هذا الذي ذكر يدور وعامة المواطنين يتفرجون وهم يعيشون حالات النقص في الخدمات واسباب العيش الكريم وكثرة الروتين ولانفلات هنا وهناك والأثرة المفرطة في الامتيازات ويسمعون ما يطرح من المتخاصمين، بل وصل الامر الى النزول الى الشارع بمظاهرات من بعض الكتل، كل ذلك خلق جوا مشحونا والذي تمت تغذيته بشكل مدروس من اطراف مصلحتها تكمن في افشال الكل، امام عامة الناس لذلك سرعان ما تفجر خارج دوائر الصراع التقليدي سواء من الشباب الذين يعيشون اجواء الحرمان ويسمعون سيل من الفضائح من اطراف العملية السياسية نفسها او الاعداء والخصوم والمتربصين وسلاح الكل يقول (من فمك ادينك) (وشهد شاهد من اهلها) كل مايثار بالشارع الان هو ما صدر من لسان الطبقة السياسية الحاكمة، لان الناس لا تسمع في البرلمان غير نشر الغسيل ولااتهام والتمزيق ومحاربة الفساد شماعة الكل ونقص الخدمات السلم الذي يتبارى الكل على تسلقه بدون ان يرى المواطن طحين من خلف الجعجعة.
مما جعل المواطن يطلق عليهم (انت السارق وانت القاضي ومن فمك دليلك) وخلاصة ما نريد الوصول اليه في هذا العرض المختصر ان اسس مشكلة العملية السياسية واسباب ما رافقها من فشل سوى على المستوى الاتحادي او المحلي هو الصراع السياسي بين الكتل السياسية المتحكمة في البرلمان والتي يحاول بعضها افشال البعض الاخر مما انعكس ذلك على الحكومات المحلية واخذت تتصرف بنفس اسلوب كتلها في المركز مما جعل الفشل نتيجة هذا الصراع يعم جميع مناحي الحياة وينعكس على نفسية المواطن واثأر غضب وامتعاض المرجعيةوالتي كان سلم تشخيصها دقيق جدا لمسببي الفشل حيث وضعت البرلمان والكتل السياسية في المرتبة الاولى وكانت جدا صائبة وكذلك اثار امتعاض ابناء الشعب.
لذلك نقول العلة الحقيقية ليس في شخص رئيس الوزراء فهذا الاخير اما ان ينهج نهج السيد المالكي والنتيجة معروفة وما ان يخضع فيبتز ويضعف وهذا ما كشفته استقالة وزير الصحة السابق وسبب تاخير بعض الوزارات وعدم التوافق على اي شخصية تطرح لتسنم هذه الوزارات الا من خلال التوافق الذي يجري وفق (هذا لك وهذا لي مما يجعل التوافق يحصل على اوهن الاختيارات او يفشل افضل اختيارات رئيس الوزراء من خلال عدم منح المرشح المطلوب الثقة).
ويمكن استدراك الملاحظة التالية وهي (اننا شعب ذات تركة ثقيلة من الحكم الديكتاتوري المركزي وتقاليد اجتماعية تميل الى الشخصنة والجاهية والرمزية، شعبما يعيش الازدواجية في التعاطي في عملية اختيار ممثليه،شعب ينقد السلطة ويسعى لمجاملة اصحابها ويحب اصحاب المال ويتاثر بهم رغم انه كريم ويبذل، ينقد الفساد واغلبهم يصوت لهم بدافع القربة او المال او المنصب او عدم ادراك لدورة في عملية التغير.
لذلك نقول تجربة النظام البرلماني الديمقراطي كنظام حكم هي في غير محلها في الوقت الحاضر لعدم وجود ارضية مناسبة تساعد في نجاح هكذا نظام لذلك نرى ان يكون نظام رأسي محكوم بدستور مقنن بشكل يتلائم مع ظروف العراق الحالية وهذا النوع من الانظمة يحكم مايقارب ٧٧ دولة في العالم من اعرق الدول الديمقراطية.
والعملية لا تحتاج دماء وتدمير بل تعديل دستوري يسمح للناس بالاختيار المباشر على المستوى المركزي والمحلي علما ان سبب اختيار النظام البرلماني قد اختفى (عقدة النظام الفردي) لان العالم تغير بكل تفاصيلة واساليب.
هذا الطريق الوحيد الذي يحفظ الدماء والاموال والممتلكات ويصون كرامة الناس ويمنع من المندسين من الذهاب بنا نحو الفوضى ويقلل من فرص هدر المال العام وتفشي الفساد ويضبط حالة الانفلات علما انني في هذا المقال ليس بصدد تقيم حقانية اطراف الصراع بل بصدد عرض الحقائق والقارىء هو الذي يتولى تقيم الاطراف وتحميلها المسؤولية وما الت اليه الامور والتي سوف يكون وكان ضحيتها الوطن وابناء الوطن في كل توجهاتهم ومشاربهم لان الوطن هو السفينة وعندما تغرق سوف يغرق الكل ولات حين مندم .والله من وراء القصد .
https://telegram.me/buratha