دراسات

دراسة ـ صناعة الشائعات وتحريف الاتجاهات ـ القسم الثاني

2346 2019-07-12

علي عبد سلمان

 

مروجوا الإشاعة

أن الحالة التي تشجع على انتشار الشائعة يمكن تحسسها في كل من الجو العام للجماعات الاجتماعية ، وكذلك في الاحتياجات الشخصية للأفراد الذين يؤلفون هذه الجماعات .

تنتشر الشائعات في الوسط المتجانس بمنتهى السهولة ، لأن الاحاسيس تكون متشابهة كما ان اجواء الحرب او الممهدة لها ، تساعد على انتشارها اكثر ، لانها تخلق انفعالات حارة بين افراد المجتمع الواحد ، ولاسيما اولئك الذين يرتبطون بشكل مباشر بظروف الحرب واجوائها ، لانهم يشاطرون آمال النصر وخشية الهزيمة وألم فراق محبيهم ومخاصمتهم للعدو وجميع من يهددهم بالفشل . لهذا ، ان الاشاعة التي تعبر عن تلك الانفعالات هي سهلة القول والتداول ......

ومما يشجع على انتشار الاشاعات ، هو عدم توفر المعلومات حول قضايا مصيرية مهمة تهم افراد المجتمع الذين يسعون وراء المعلومات التي تهمه اكثر . وكلما زاد اهتمامه كلما احتاج الى معلومات اكثر .

وفي ظروف الحرب عندما تكون الرقابة المدنية مشدودة والاخبار قليلة ، يزداد تهافت افراد المجتمع على سماع آخر الاخبار التي تلجأ وسائل الاعلام للاسهاب في عرضها لكي تلبي رغبات الجمهور . لهذا تنتشر الاشاعات بسهولة ، لأن افراد المجتمع يحبذون سماع الاخبار مهما كان نوعها . كما انه يتقبل أي تقرير اخباري لأن افتقاره للمعلومات الحقيقية يحول دون التصدي للاشاعة الكاذبة .

ان مما يشجع الاشاعة على الانتشار هو الاستياء والاخفاق والملل الكسل . لهذا نرى ان الاشاعات تنتشر بمنتهى السهولة في الوحدات الاجتماعية الصغيرة .

في الواقع ، يقتضي ان يكون الافراد نشطين لأن الكسل يجعلهم في وضع متوتر . والاشاعة تؤمن المناخ المناسب للتفتيش عن هذا التوتر ولو انه غير شافي ، لهذا يتطلب من الدولة محاربة الاشاعة والضجر بجعل افراد دولتها منشغلين حتى لو كانوا يؤدون أي عمل .

ان افراد المجتمع مستعدون لتصديق ما هيأتهم الاحداث والتجارب السابقة التي مروا بها لتصديقه ، وانهم يرفضون القصص التي تخالف توقعاتهم . فأفراد المجتمع يختلفون بخصوص الاشاعات التي يصدقونها واحتمال تداولها ، فالمتشائمون يتقبلون اشاعات القلق بينما يتقبل المتفاءلون اشاعات التمني .

ان الشخص القلق حول قضية مـا يتأثر بسرعة بالاشاعات التي تسبب قلقه من قضايا اخرى . اما الشخص العاطل والمتضجر والمرتبك فإنه يتقبل الاشاعة وينشرها في سبيل خلق الاثارة والتنفيس عن ملله واضطرابه.

 ان الدافع لنقل الاشاعة معقد الا ان هناك طرق نموذجية متعددة تحتم على الفرد اتباعها ، بالاضافة الى الاحقاد والمخاوف والرغبات :-

1- الاظهار ، محاولة لفت الانظار لذات الشخص . قد يروي الشخص اشاعة لكي يزيد من قيمته الاعتبارية بحيث يجعل الآخرين على اعتقاد بأنه شخص مهم وعلى علم بمجريات الامور ، وربما يروي اشاعة لمجرد جذب شخص آخر اليه .

2- تأكيد الثقة بالنفس والمساندة العاطفية ، تروى الاشاعة في هذا المجال على امل ان بأستطاعة السامع نفي او دحض الاشاعة او ان نقلها قد يضعف من توتر الشخص الراوي عن طريق مشاركة الآخرين بنفس العبء . وفي هذه الحالة ، ينشد الشخص العطف وليس الرفض .

3- الاسقاط ، قد يروي شخص اشاعة تجسد المخاوف والرغبات والاحقاد المتأصلة في نفسيته ولا يشعر بوجودها .

4- الاعتداء ، قد يروي شخص اشاعة بدافع جرح شعور الآخرين ولربما انه متورط في فضيحة او وشاية.

5- المحاباة ، يمكن نقل الاشاعة بقصد التودد الى السامع وكسب رضاه . وتبدأ الاشاعة بملاحظة اطرائية لا تستند الا على جزء قليل من الحقيقة او بدونها تقريباً ثم تتحول الى حقيقة راسخة .

 ترويج الاشاعة = مقياس نفسية الفرد

تشكل الشائعات مقياساً مهماً للحالة النفسية والادراكية للفرد طالما ان ترويجها يشبع بعض رغبـات الشخص الراوي ، فالاشاعات المتشائمة التـي تروج حول هزيمة او كارثة او خيانة – كأشائعات داقة الاسفين او الشائعات المروعة – هي تلميح من طرف خفي بأن بعض افراد المجتمع الذين يتداولونها ، اما قلقين او عدائيين .

شائعات التشائم او التفاؤل تدور عادة حول قضايا حياتية / معيشية / مهنية ... اشاعات خيالية تشير الى قناعة ذاتية او ثقة متزايدة . يمكن ان تؤدي هذه الى اضعاف الحالة المعنوية للمواطن .

وتشير اشاعات القلق على الدوام الى هبوط الحالة النفسية للمواطن كما تشير اشاعات الثقة المتزايدة لنفس الشيء ايضاً .

ان الثقة المتزايدة تجعل المرء اكثر تقبلاً للاشاعة الخيالية واقل تقبلاً للحقائق الواقعية . لهذا نرى ، ان الاطلاع على الاشاعات المتداولة في أي وقت قد يؤمن دليلاً لاحتياجات ومشاعر افراد المجتمع الذين تتداول الشائعة بينهم .

وتعتبر الاشاعات مقياس الحالة النفسية لجماعات معينة ايضاً . وما دامت الاشاعات تنقل عموماً عن طريق الكلام فإن الشخص الذي يسمعها يحتمل ان يرددها امام اصدقائه او ضمن محيطه الاجتماعي او المهني . ولما كانت الاشاعات تتداول على الاكثر عن طريق شبكات قائمة فإن بعضها يسري في جماعة معينة بينما يسري البعض الآخر في جماعات اخرى ، تصدق بعض هذه الجماعات الاشاعات ذات الطابع الانفعالي ، بينما تصدق الاخرى اشاعات من لون آخر .

ان احتياجات الجماعات المختلفة – رغباتهم ، مخاوفهم ، خصوماتهم – تنكشف من خلال الاحاديث غير المؤكدة والمتداولة فيما بينهم . فعدد الاشاعات المتداولة في جماعة معينة هو مقياس الدرجة التي تلبي فيها وسائل الاعلام الرسمية احتياجاتهم للمعلومات . فأذا كانت نسبة الاشاعات عالية جداً فهذا يعني بإن افراد المجتمع لا يحصلون على معلومات كافية من مصادرها الرسمية . كما يعني في الوقت نفسه بأن هذه الجماعات لا تثق بوسائل الاعلام الرسمية  .

اذا كانت الدولة بوسعها تعقيب الاشاعات المتداولة بين افراد مجتمعها ، فسوف تعرف الكثير عن مخاوفهم وتطلعاتهم ، كما ستتوفر لديها قياس بواسطته يمكن معرفة ارتفاع وهبوط حالتهم النفسية . وفي سبيل ذلك يتطلب منها الاجابة على التساؤلات الثلاثة :-

1- بين أي الجماعات تسري الاشاعات ؟

هناك فرق بين أي الجماعات تروج هذه الحكايات .

2- حول أي المواضيع تدور الاشاعات ؟

هنا تكمن الاشارة الى أي المواضيع يفكر بها الافراد ونوع مخاوفهم وتطلعاتهم .

3- أي الانفعالات تعبر عنها الاشاعات ؟ هل تشجع على الكآبة والحزن او هل تبعث السرور ، هل تنم عن صراع ؟

ان الدولة التي تستطيع الاجابة على هذه الاسئلة سنتعرف حتماً على الكثير بخصوص معنويات افراد مجتمعها.

ــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك