دراسات

نوستالجيا المجتمع العراقي والأجندات السياسية .. 

2666 2019-07-05

حسين فرحان


( الحنين إلى الماضي ) هو التعريف المناسب لمصطلح النوستالجيا ، حيث يلجأ الأنسان الى استذكار مراحل مضت من حياته محاولا استرجاع ماتناثر من تفاصيل للماضي حيث المنزل القديم والزقاق واصدقاء الطفولة والمغامرة وحتى الاشخاص الذين فقدهم بالموت أو بالهجرة .
القضية طبيعية - ضمن هذه الحدود - لكنها تحولت عند البعض الى حالة مرضية حيث يقع الأفراط في أن يصبح الشخص جزء من الماضي وقد عزاه بعض المختصين بهذا الشأن الى الهروب من الواقع السيء والغرق في هموم هذه الحياة أو بسبب تقدم العمر ، فالماضي بالنسبة لمن أفرط بالتعلق به يعد حياة تم اكتشاف تفاصيلها ولم يعد فيها ما يخيف أو يسبب قلقا ، بخلاف الحاضر ومشاكله والمستقبل وما يخفيه .
لم تكن النوستالجيا ذات يوم ظاهرة تمارس بشكل جماعي بقدر ماهي حالة طبيعية يعيشها كل إنسان وتختلف حدتها من شخص لآخر بحسب الظرف الذي يعيشه ، ولكن وبعد تطور وسائل الإعلام بصورة عامة ومواقع التواصل الاجتماعي عبر الانترنت بصورة خاصة ظهرت النوستالجيا بشكلها الجديد الذي يتيح للجميع ممارستها بطريقة أخرى تتخذ شكلا جماعيا تتقارب فيه الرؤى والانفعالات ، حتى أننا شهدناها بهيئة لم نعهدها سابقا - حين كان استذكار الماضي يتم بشكل فردي- وهي أن المادة الاعلامية المصدرة لها صنفت الماضي الى عقود زمنية أطلقت عليها ( ذكريات جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وغيرها.... ) ، مما سهل على المتلقي أن يعيش ذروة ذكرياته بيسر ودون خلط بين العقود والسنوات .
أشتهرت هذه العاصفة الأعلامية بأسماء من أشهرها ( ذكريات الزمن الجميل ) و ( ذكريات جيل الطيبين ) وكل يرى الجمال والطيبة في زمانه دون زمان غيره رغم أن بعض الأزمنة حملت الويلات والحروب والكوارث ، لكنها تبقى قناعات شخصية يضفي عليها الإعلام صبغة هو يريدها.
المجتمع العراقي كأي مجتمع آخر دخل في متاهة مواقع التواصل الاجتماعي واتجه الى نوستالجيا مخطط لها تخطيطا محكما قد وضع فيها السم في الدسم ولكن قبل أن نخوض في بعض التفاصيل ينبغي التعرف على تصنيف من نوع آخر أشارت إليه «سفيتلانا بويم»، في كتابها «The Future of Nostalgia»، حيث قسمت النوستالجيا إلى نزعتين:
(( الأولى: نزعة استعادة (Restorative Nostalgia)، وتجعل من مفهوم «Nostos» أو العودة، المحرك لها، وتركز على إعادة بناء المفقود، ولا يفكر أصحاب هذه النزعة في أنهم يمتلكونها، بل يعتقدون أن مشروعهم السياسي يدور حول «الحقيقة». ونجد هذا جليًّا في الحركات السياسية والقومية خصوصًا في أنحاء العالم، والتي تتشارك محاولة إعادة صنع التاريخ واستلهام الرموز الوطنية والأساطير والحكاوي، وأحيانًا نظريات المؤامرة.
صعود الحركات القومية التي تدعو إلى استعادة الأمجاد في أوروبا وأمريكا، كمثال، يأتي نتيجةً مباشرةً لاقتناع الناس بأن الأحوال كانت أفضل في الماضي، رغم الحروب العالمية والأهلية والعنصرية ضد الأقليات والمهاجرين، التي بدأت تعود من جديد لتتصدر المشهد. وحتى على الجانب الآخر من العالم، لا يزال الروس يبكون أيام الاتحاد السوفييتي .
النزعة الثانية: اجترارية (Reflective Nostalgia)، وتدور حول «algia» المتمثلة في ألم الفقد، وهي نظرة أكثر شاعريةً نجد تأثيرها في الفن والأدب والشعر، وأيضًا حياتنا الخاصة.
ترتبط هذه النزعة، بشكل وثيق، بمحاولة الهروب من إحباطات اللحظة الراهنة وتسارع وتيرة التحديث والاستهلاكية. وتتحدث «سفيتلانا بويم» عن حركة التحديث والثورة الصناعية التي فرضت إيقاعًا جديدًا للوقت لا يترك للإنسان المعاصر فرصة للتفكير، والذي يأخذ حيزًا من الوقت لم يعد متاحًا.)) .
الذي يهمنا من هذا الاقتباس هو النزعة الاولى ( نزعة الاستعادة ) وشواهدها - كما ورد - حيث تقوم بعض الحركات السياسية والقومية بمحاولات أعادة بناء المفقود واستعادة الامجاد ومحاولة إعادة صنع التاريخ وقد اتضح أن مصاديق هذه النزعة كانت حركات قومية في أمريكا وأوربا وبكاء روسي على إتحاد سوفيتي سابق ، ولاننسى أن دونالد ترامب رفع شعار «اعيدوا أمريكا عظيمة كما كانت»، في انتخابات الرئاسة، وهو يعول على تأثير النوستالجيا وقدرتها على خداع الجماهير .
عودا على بدء ، السم الذي وضع في الدسم لمجتمعنا العراقي هو أن منشورات الزمن الجميل وجيل الطيبين التي تحاكي آلام هذا الشعب لم تخل من إشارات لحركات وجهات سياسية تدعو لنفسها ضمنا وتحلم بالعودة مجددا كالبعث ومن على شاكلته حين يصور للناس أن الجمال والطيبة كانت في زمانه ولن تعود الا بعودته.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك