سعد الزيدي
ولا تقُولوُا لِمن يُقتلُ في سبيلِ اللهِ أمواتٌ بل أَحياءٌ ولكن لا تَشعُرونَ (١٥٤ البقرة )٠
ولا تحسبنَّ الَّذين قتلوا في سبيلِ اللهِ أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يٌرزقونَ (١٦٩ ال عمران )
يؤكد العلماء أن المعنى الاصطلاحي للحياة الإنسانية يتحقق بالعطاء الذي ينتفع به النوع الإنساني ولذالك اُصطلح على من لا عطاء له (بميت الإحياء وأنه قبر يمشي)، من هنا نفهم تعبير السماء في هاتين الآيتين الكريمتين حيث تجاوز مفهوم الحياة فيهما الأداء اليومي للوظائف الحياتية ،والعطاء الدنيوي الذي يدفع بالنوع الإنساني إلى عالم القيم و التحرر من قيود المادة وبالتالي تحقيق هدف السماء في استعمار الأرض ، تجاوزه الى ما وراء الموت نظرا لتواصل التأثير الايجابي لهذا العطاء الدنيوي المتميز وهو حصرياً في أولاك الذين كانت حياتهم وقفاً على مرضاة الله ، في تنفيذ المشروع أللاهي لتحقيق إنسانية الإنسان في أبعادها كافة، وتبصيره بالرسالة التي حملها الأنبياء إليه ،ولذالك فأن دم هؤلاء لا بد أن يراق لأن أزالت المعوقات لا تتم بدونه،وإلا فهي تحول دون نشر تعاليم السماء ورقي الإنسان٠أن العطاء الإنساني المتميز يرقى ويسمو في النوعية ويتفرع ويتشعب في الاختصاصات والاهتمامات تعبا للملِكات التي تشتمل عليها النفس البشرية ،
من هنا نفهم عطاء الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم لماذا غطاء مساحات واسعة في ميادين شتى وبدرجة نوعية متميزة (لأنه هيئة شخصيته لتحل فيها ملكات المعرفة والتضحية )،ولذالك كان شهيد المحراب يمثل في القيادة الإستراتيجية للأمة مفكر استراتيجي وقائد ميداني وداعية،ومن الحقائق المشخصة لدينا هو منذ بواكير شبابه كان صاحب مشروع يدعو له من على منابر مدارس النجف وكلية أصول الدين ومجلة رسالة الإسلام النجفية، ثم منابر التجمعات والمؤتمرات الإسلامية ثم دول العالم في الأمم المتحدة وغيرها سفير للقضية العراقية ،وأما في ساحات المنازلة العسكرية كان الشهيد يتقدم بفيلق من المقاتلين ،وهذا هو ما تفرد به في الساحة العراقية ، خصوصاً بعد شهادة آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، حيث بقى رضوان الله عليه متفرد في مواصلة قيادة العمل الجهادي رغم شدة البطش والملاحقة البعثية الصدامية ومتفرد في رفض المهادنة والقبول بأنصاف الحلول بل متفرد في تطوير الممارسات النضالية.
كان شهيد محراب الجمعة قدس سره من بين القلائل الذين وطنوا أنفسهم في ساحات المنازلة وهم يحملون بصدق شعار (النصر أو الشهادة ) لتبقى نظرية الإسلام السياسية دون ما تلويث من الإرهاب الفكري وتحريف لمنهج السماء في العدالة الاجتماعية وحتى تبقى راية الإسلام يراها العالم في سماء الثقافة الإسلامية شاهدة على صدق المشروع الإسلامي كما حملته الثورة الحسينية الخالدة .
أن جريمة اغتيال المفكر الإسلامي والقائد الميداني محمد باقر الحكيم كانت جريمة بحق الإنسانية بكل قيمها السماوية وأعرافها وأخلاقها الاجتماعية، ارتكبها أعداء الإنسانية الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وانتهى بهم طريقهم إلى خلاف ما ظنوا واعتقدوا (والحمدُ لله )،فلقد ضنوا بأنهم قادرون على تغيب دوره القيادي لأنهم لا يعو قول الله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون) وضنوا أنهم قادرون على اغتيال دور النجف الاشرف في تنظيم وقيادة الوسط الجماهيري لنشر المشروع التربوي الاسلامي الذي يضع الجماهير أمام مسؤولياتها،ويتقدمون جموع الموحدين المبشرين بالغد الأفضل،وما عرفوا أن النجف تهدي وتسير على نهج أمير المؤمنين في الحفاظ على ثوابت الاسلام وتستحضر مفردات والآليات النهضة الحسينية في برامجها العملية للتواصل مع المسيرة الخالدة، ولذا كان واضحاً أن شهيدنا الحكيم رحمه الله يستمد العون الإلهي بعمق قناعة وتفاعل صميمي مع التضحية الحسينية ويأمر أتباعه بأن يستنيروا بوهجها حتى أن كتاباته في إحياء شعائر الطف كانت توحي بذلك .
يا سيدي يا أبا صادق لو علم هؤلاء الحمقاء أعداء الله بأن شعاركم (نحن قوم القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة)لفكروا ألف مرة قبل أن يقدموا على جريمة اغتيالك ، لأنه ما أن تتهادى أجسادكم مضمرة بدم الشهادة وترتفع أرواحكم الى عليين حتى تصبح تضحياتكم مشاعل تضيء درب المجاهدين من أجل حرية الشعوب ،ومصادر للمعرفة ينتهل منها طلاب الحقيقة من مختلف الأديان والقوميات دروس التضحية لأجل إيصال المشروع الإلهي عملياً إلى بني الإنسان ٠ لقد تألق الشهيد السعيد في ساحات العطاء الفكري والثوري ولا عجب أن يكون شهيداً للقلم والسيف ،وهو قد تربى على ذالك منذ طفولته فهو سليل الدوحة المحمدية ووريث العلوم العلوية والحكمة الحسنية والتضحية الحسينية،وهو ابن أسرة العلماء والشهداء ،ففي التاريخ المعاصر وليس البعيد يوم كانت ثورة العشرين من القرن العشرين كان الحكيم الأول ،القائد الميداني للمجاهدين،ودم جراحاته في الشعيبة إلى اليوم يفوح عطر التحرر والاستقلال ، فلا غرابة أن يكون ولده البار مجدداً لمشروع التحرر من سيطرة الطغاة أعداء المبادئ الإنسانية وأن يعلن توجهاته في برنامج عمل من خلال خطاب( ثوري تحرري استقلالي وحدوي انتخابي ديمقراطي) يوم قبَّل أيدي المرجعية في النجف الاشرف عائداً من المهجر ألقصري ويوم أصبح شهيداً للحرية والاستقلال،ليست هكذا فقط كان شهيد المحراب ،لكن هكذا كان المشروع الذي يعالج الواقع السياسي والاقتصادي للعراق ويضمن التعايش السلمي ويحترم حريات ومعتقدات الآخرين ويرفض العصبية مهما كان منشئها والدكتاتورية وحقوق المواطنة للجميع ،أن مشروع آل الحكيم وآل الصدر وأعني المنهج العملي للنظرية السياسية الاسلامية في أدارة الحكم الذي أسس له المقدس سيد محسن الحكيم في ستينيات القرن المنصرم يوم أفتى بتحريم قتال الأخوة الكرد ،ونظر له الشهيد الصدر الأول ، قد بلوره بصيغته العملية وكتب خطوات تنفيذه الشهيد الحكيم مستفيداً من التجربة العملية للثورة الإسلامية في الجمهورية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني قدس سره، فكان يؤكد على المساواة والعدالة والوحدة الوطنية وحكومة الشراكة الخدمية للشعب والاستفادة القصوى من الثروات وتقليص الفجوات ،ويتصدى لحملة الأفكار المنحرفة ويدعو إلى شيوع الثقافة الإسلامية المنفتحة على الآخرين ٠لقد تنوع عطاء الشهيد الجهادي بتنوع ساحات المنازلة فهو في غياهب السجن يعطي الدروس العملية في الصبر والتحمل وقوة الإيمان في العقيدة ورسوخ اليقين في الدعاء وفي المهجر وما أدراك ما هي انجازات الحكيم في المهجر كانت على مستوى يغطي كل الطيف العراقي ليست في مساحة العراق فقط بل في الساحة العالمية من منطلق القيادة الحكيمة فكان يعتبر ذالك من تكليفه ، وكان للمهجر آلياته المتميزة وأدبه وثقافته ولسعة انجازات المهجر وتنوعها اختصر في متعلقات الساحة العراقية ولما لها من أولويات في اهتمامات الشهيد الحكيم حيث لم تترك للشهيد يوم واحد لنفسه وعائلته المصغرة ، كانت قضية الشعب العراقي تلح عليه ليسابق الأيام لأنه كان يرى ما لا يراه غيره في القتل والدمار اليومي على يد طاغية القرن العشرين كان يرى جريمة بحق الإنسانية تتجدد كل يوم يجب إيقافها اليوم قبل الغد٠ ففي المهجر مارس الشهيد عملية التشكيل العسكري حيث كانت ضرورة في حسابات الزمن والأحزاب الثورية التحررية وعملية التصدي للنظام ألبعثي الإرهابي الدموي المتحجر،وكانت هذه المبادرة قد أعادة للحوزة العلمية مكانتها المفتقدة في التصدي العسكري ، فكان لفيلق بدر وغيره من التشكيلات بقيادة الشهيد الحكيم الحضور الفاعل الذي كان يغشاه العدو حتى بعث الوسطاء من السفراء العرب إلى الحكيم ،ومن منجزات المهجر تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في مطلع الثمانينات ليكون المجلس قيادة علياء لتنسيق أنشطة المعارضة الإسلامية في الداخل والخارج والتواصل المبرمج مع الآخرين من الدول والمنظمات من جهة والمعارضين العلمانيون والليبراليون في الثوابت المشتركة من جهة ،وكان تشكيله مثال لعمق الأيمان بضرورة مشاركة الآخرين في القيادة الديمقراطية،وفي المهجر كان الحكيم الملاذ والمضيف لكل المناضلين المعارضين لنظام العفالقة وعلى مختلف مشاربهم فكان مشاوراً لهم تارة وموحداً للصفوف والآراء أخرى،وأخرى مبددا للخوف واليأس ومؤازرا لهم ٠ان هذه النتاجات لم تكن لولا تمتع الحكيم بالرؤيا الثاقبة والنظرة الشمولية للعراق بكل قومياته ودياناته واليقين بالقضية التي نذر نفسه لها رضوان الله عليه والفهم العميق لنظرية الشراكة ، وتواجده المستمر في ساحة الجهاد ٠لقد حدد الحكيم مواقع القيادة في العمل المشترك ووزع الأدوار على حملة شرف المسؤولية في مشروعه التحرري للعراق بروحية شفافة ومتجردة من كل ضغينة ٠وعلى نفس النهج سار عزيز العراق قدس سره ، واليوم يجدر بنا أن نصغي للسيد عمار الحكيم دامت بركاته وهو يبرهن من خلال تحليل الواقع بدراسة عميقة وتدبر واستيعاب لكل المتغيرات على صحة تطبيق مشروع الحكيم ، ولم يتوقف السيد عمار ولا ييئس لأنه سليل الحكمة وهو يدعوا بل يعمل جاهدا عل جمع الطيف العراقي على مشروع الحكيم ٠ولكن (دعوة قومي فلم يستبينوا إلا ضحى الغدِ... ) وما إنا إلا من غزية أن ترشد غزية أرشدوا )
https://telegram.me/buratha