عباس الكتبي
عُرف أهل العراق بالغدر والتذبذب والاضطراب في سلوكهم،كما ذكرنا ذلك في الدرس السابق،إذاً لماذا اختار الإمام الحسين عليه السلام الهجرة الى الكوفة؟
هناك كثير من الصحابة الذين عرفوا برجاحة الرأي والعقل،اعترضوا على الامام الحسين عليه السلام بخروجه الى العراق، كعبدالله بن العباس،وجابر بن عبدالله الانصاري،وعبدالله بن حعفر بن ابي طالب،وأخيه محمد بن الحنفية، وغيرهم،فكانوا مشفقين وناصحين له، لكنهم لم يستطيعوا ان يثنوه عن عزيمته بالخروج.
كان الامام الحسين عليه السلام، يجيب كل واحد منهم بجواب مختلف، ويشكرهم على النصيحة،ويردهم بالقول الحسن،نظرة الصحابة كانت بعدم الخروج،نظرة صحيحة ولكنها آنية ،بخلاف نظرة الحسين التي كانت بعيدة المدى،فالحسين عليه السلام، كان يعلم بسلوكيات اهل الكوفة،من الغدر والجشع والطمع والتذبذب وما الى ذلك.
أشار بعض من الصحابه على الامام الحسين عليه السلام ان يبدأ بثورته من الحجاز،وبعض قال من مصر، وهناك من قال له اذهب الى اليمن فأن لك فيها شيعة، وآخرون قالوا له اذهب الى البصرة، أو بلاد فارس،لكنه عليه السلام أعرض عن ذلك كله وأصرّ على القدوم الى العراق.. فلماذا العراق؟
من الأسباب المهمة في إعراضه عن كل المدن التي ذكرت له، هو انه لم يرد عليه أي كتاب من أهالي أو زعماء تلك المدن، ولو كانوا فعلاً شيعة له لجاءته الكتب منهم بالمولاة والنصرة والبيعة له،بخلاف أهل الكوفة التي وردت إليه منهم آلآف الكتب والرسائل تطلب منه القدوم عليهم.
يقول بعض المؤرخين:إن العراق في ذلك العصر كان قلب الدولة الاسلامية، وموطن المال والرجال،وقد أنشئت فيه الكوفة حامية الجيوش الاسلامية،وقد لعبت دوراً خطيراً في حركة الفتح الاسلامي،فقد شاركت في فتح رامهز، والسوس،وتستر،ونهاوند،وكان عمر بن الخطاب يستنجد بها،فقد كتب الى واليه سعد بن أبي وقاص:ان ابعث الى الاهواز بعثاً كثيفاً مع النعمان بن مقرن.
يذكر صاحب كتاب"تاريخ الامم والملوك" ،ان عمر كان يثني على الكوفة ويقول: جزى الله أهل الكوفة خيراً يكفّون حوزتهم، ويمّدون أهل الأمصار.
يذكر أيضاً صاحب"مختصر كتاب البلدان": ان العراق كان قاعدة حربية،فأنه اشتهر منذ القدم بثرائه،فهو قلب الارض،وخزانة المُلك الأعظم،وما قد خص الله جل وعلا به أهل الكوفة من عمل الوشي والخز،وغير ذلك من حاصلات أنواع الفواكه والتمور.
يقول مؤلف"فتوح البلدان":كان الأمويون قد أتخذوا العراق مورداً مهماً لبيت المال في دمشق.
الكوفة،كانت مركز القوة في العالم الاسلامي،يقول الشيخ القرشي-رحمه الله: ان الكوفة كانت البلد الوحيد في الاقطار الاسلامية،التي تفقه قيم الأحداث ومغزى التيارات السياسية، فقد ساد فيها الوعي الاجتماعي الى حد كبير،وقد كان الكوفيون يفرضون آراءهم على حكامهم، وإذا لم يحققوا رغباتهم سلوا في وجوههم السيوف وثاروا عليهم.
الدليل على هذا الكلام،ان الكوفة كانت منطلقاً للثورات عبر التاريخ، بدءاً من ثورة مالك الأشتر ضد الخليفة الثالث،مروراً بثورات العلويين والشيعة في العصر الاموي والعباسي،فالكوفة كانت موطن المال والرجال والقوة، وهي المتقدمة على سائر البلدان في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع، لذلك تهافت عليها جميع الثائرين، بالاضافة الى انها كانت مركز التشيع، والمعارضة ضد الحكم الاموي والعباسي.
يقول عبد المتعال الصعيدي في مجلة الغري،العدد 11 السنة التاسعة:(لم يخطئ الامام الحسين عليه السلام، حينما أزمع على الهجرة الى العراق، لأنه المركز الصالح لقيام حكم عام يجمع أمر المسلمين،ولهذا أختاره من قبله،وقد حققت الأيام للعراق هذا الحكم فقامت به الدولة العباسية التي حكمت المسلمين نحو خمسمائة سنة).
الاسباب التي ذكرناها، من اهمية الموقع الاستيراتيجي للكوفة، وقوة المال والرجال فيها، ومركز الشيعة، والمعارضة للحكم الأموي،هي التي حفّزت الامام الحسين عليه السلام الى الهجرة نحوها،بالاضافة الى المطالبة من أهلها بالقدوم، كما ان هذه الاسباب،جعلت من أمير المؤمنين الامام علي عليه ان ينقل الخلافة والحكم فيها.
يقول الامام علي عليه السلام:(( الكوفة كنز الأيمان،وجمجمة الاسلام، وسيف الله ورمحه يضعه حيث يشاء، وأيم الله، ليُنصرنّ الله بأهلها في مشارق الأرض ومغاربها،كما انتصر بالحجاز))،وهنا يشير الامام عليه السلام ،الى دولة العدل الألهي بقيادة الامام الحجة-عجل الله فرجه الشريف- حيث ان الكوفة سوف تكون عاصمة العالم ومقر حكمه.
العراق،قلب الوطن العربي،والعمق الأستراتيجي للشرق للأوسط، وأستقراره من عدمه له تأثيره على المنطقة برمتها، فحين نقول ان الحشد الشعبي والقوات الأمنية العراقية،يقاتلون نيابة عن العالم،فنحن صادقون بقولنا، لما للعراق من أهمية كبرى،لذا يجب على دول العالم والجوار بالذات،ان تساند العراق في حربه ضد الأرهاب، وتخرحه من محنته، فأن في أستقرار العراق يعم الأمن والسلامفي المنطقة.
https://telegram.me/buratha