عباس الكتبي
قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
ان الناس في جميع المجتمعات البشرية لهم الحق في أن يسمعوا مقالة الحق،وهم أحرار في قبول دعوة الأنبياء،فلو تصدى فرد أو جماعة لسلب هذا الحق المشروع للناس،وحرمانهم منه ومنعوا صوت الحق من الوصول الى الناس،ليحررهم من قيّود الأسر والعبوديّة الفكرية والإجتماعية،فلأتباع الدين الحق في الأستفادة من جميع الوسائل لتهئية هذه الحرية،ومن هنا كان الجهاد في الإسلام وسائر الديانات السمّاوية ضرورياً.
وكذلك إذا استخدم البعض القوّة في حمل جماعة من المؤمنين على ترك دينهم،والعودة الى الدين السابق لهم،فللمؤمنين الحق في الأستفادة من جميع الوسائل لرفع هذا الإكراه والإرهاب
الإعلام الصليبي المسموم،حاول بكل الوسائلً ان يحرف مفهوم الجهاد،من خلال الحروب الإسلامية ان يثبتوا مقولتهم:( إن الإسلام أنتشر بالسيف)،نسوا أو تناسوا الاعلان القرآني الصريح:(لا اكراه في الدين)،مع ان حروب الاسلام كانت إمّا دفاعية عن النفس، وإمّا تحريرية لإنقاذ فئة مستضعفة من سيطرة الطواغيت،ولم تكن هذه الحروب بهدف السيطرة والتوسعة.
يا ترى وهل العلمانية انتشرت وتوسعت بنثر الورود؟! ولعمري ان ظلم العلمانية أشد من ظلم الكنيسة! وما مبدأ( الغاية تبرر الوسيلة)إلاّ دليل على ذلك،أو مبدأ( نفّذ ثم ناقش) دليل آخر.
يقول آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم"قده"ما مضمونه:ان العدو الألد للطغاة هو الجماهير، فالطغاة دائما يخافون منهم، وكيف ذلك سيدنا؟ يقول بما معناه:ان اي شي يكون تجمع للجماهير تخاف منه الطغاة وتعاديه،كالشعائر الحسينية، أو المرجعية الدينية،أو الإمام المعصوم.
الإمام الحسين عليه السلام،كان مهوى لأفئدة المؤمنين،وكان محط اجلال وإكبار واحترام عند كافة المسلمين،فهو سبط النبي"صلى الله عليه وآله"وريحانته، لذلك بمجرد موت معاوية،طلب يزيد-عليه لعنة الله-مبايعته بالقوة،أو قطع عنقه، وليس مثل الحسين من يبايع يزيد الفاجر الفاسق،وقد أطلق صرخته الخالدة في الوجود،لكل من يريد الحرية والعدالة والمساواة:(لا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون،وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية،ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام،على مصارع الكرام).
ان الله ورسوله والمؤمنين،وكل العقلاء والشرفاء وأصحاب الغيرة والحمية،يحبّذون السلة على الذلة، والخروج بالسيف على الطغاة والظالمين، بدلاً من الخنوع والرضوخ لهم،وقد ذكرنا في الدرس السابق، الاسباب التي من أجلها خرج وثار الإمام الحسين عليه السلام،من حيث ان الامة في عهد يزيد ومعاوية،كانت جثة هامدة لا وعي فيها ولا اختيار، سدّث في وجهها منافذ النور والوعي، لقد أستولى عليها معاوية بالقهر، فأصبح المسلمين أذلاء صاغرين تحت وطأة سياطه وبطشه، فشّل فكرهم وخدّرهم،وكانت قلوبهم مع الامام الحسين عليه السلام.
من أهم الاسباب التي ثار من أجلها، ابو الأحرار عليه السلام،يذكرها لنا أحد المؤرخين:هو ان الحكم الاموي قد جهد على محو ذكر أهل البيت عليهم السلام،واستئصال مآثرهم ومناقبهم، وقد استخدم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل:(أفتعال الاخبار في الحط من شأنهم-استخدام أجهزة التعليم لتربية الناشئن على بغضهم-معاقبة من يذكر مناقبهم-سبّهم على منابر خطب الجمعة)،وعانت الشيعة في عهده ضروب المحن والبلاء، وفتك بهم فتكاً ذريعاً، وراح يقول للإمام الحسين عليه السلام:يا أبا عبدالله،علمت أنّا قتلنا شيعة أبيك فحنّطانهم وكفنّاهم، وصلينا عليهم ودفناهم.
الثورة على أي حاكم مثل معاوية ويزيد-عليهما لعنة الله-وإراقت الدماء الزكية في سبيل ذلك،هي من تعبّد الطريق لمجتمع ذي إرادة وأختيار، ينشد الحرية،ويطلب العدالة،وتحقيق المساواة بين أبنائه،وصدق الشاعر في قوله:(لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يراق على جوانبه الدم).
ها هي اليوم، الحركات المتطرفة التي فرّختها السعودية الوهابية، تحمل عقيدة،وفكر،وسلوك المنهج الأموي، تريد ان تعيد تراث يزيد ومعاوية،من الظلم وسفك الدماء وإستعباد الناس، وسلب خيراتهم،والسيطرة على ثرواتهم،فقد صرح التكفيري عرور عبر فضائية(صفا ووصال)قائلاً:يتهموننا اننا ننتمي لمعاوية بن أبي سفيان! نعم نحن ننتمي الى معاوية ونفتخر بانتمائنا هذا ! وقال:لابد من إعادة دولة الخلافة الاسلامية في بلاد الشام كما كانت عليه سابقا،وعندها سنحاسب كل من وقف ضدنا! خاصة الشيعة الخونة، وسنزحف نحو الكوفة لقتل أولئك الرافضة!
صرح أيضاً، المجرم التكفيري طه الدليمي،عبر قناة وصال الوهابية مخاطباً شيعة العراق:سنأتيهم بألف أبي سفيان،وكلنا أبو سفيان! ودعا الى تشكيل الجيش العراقي الحر على غرار ما يسمى بالجيش السوري الحر!
وأيضاً هناك تصريحات مشابهة،لسعد البريك،وناصر ابن سليمان العمر،ومحمد الحسان،ومحمد بديع موسى،وشيخهم المنجد،رؤوس التكفير والضلال.
بما ان في كل عصر يزيد، يوجد فيه حسين أيضاً،فإذا كانت داعش تمثل معسكر يزيد بقيادة أبي بكر البغدادي، فالحشد الشعبي يمثل معسكر الحسين بقيادة المرجع الأعلى الامام السيستاني،وإذا كان هناك شخص مثل الحر الرياحي مع الحسين عليه السلام، الذي ترك المنصب في قيادة جيش يزيد وألتحق بالحسين،رافضاً ظلم يزيد وفجوره وعبوديته،محامياً عن الدين وأهل البيت عليهم السلام،وطالباً للحرية،حتى قال فيه الامام الحسين عليه السلام، وهو يمسح الدم عنه:(أنت حر كما سمتك أمك، وأنت الحر في الدنيا والآخرة).
عندنا اليوم في الحشد الشعبي،قادة أشباه الحر الرياحي،كالشهيد السعيد السيد صالح البخاتي رضوان الله عليه، أحد قيادي حركة حزب الله، الذي أفنى عمره في جهاد النظام البعثي المجرم،رافضاً ظلمهم ومبايعتهم،محامياً ومدافعاً عن مذهب أهل البيت عليهم السلام،وطالباً تحقيق العدالة للشعب العراقي،كان بإمكانه ان يكون مسؤولاً كبيرا في الدولة، بعد سقوط الطاغية صدام، ويعيش مترفاً،لكنه زهد في كل ذلك، وحين صدرت فتوى الجهاد،كان من المسارعين في تلبيتها.
شارك شهيدنا صالح البخاتي في أغلب المعارك،التي حررت من قبضت داعش، وكان قائدا في بعضها،فأذاق الدواعش شرّ هزيمة،والنصر حليفه دوماً،الى ان أصابه قناص في معركة تحرير الفلوجة،فذهب الى ربه ملطخاً بدم الشهادة،حراً أبياً كالحر الرياحي، رضوانه الله تعالى عليه، ففاز فوزاً عظيما. ً
https://telegram.me/buratha