دراسات

عاشوراء دروس وعِبر.. الدرس الأول: مبايعة الفاسد خيانة للناس والبلد


عباس الكتبي

 

أقبل علينا شهر محرّم الحرام،وهو عند أئمة أهل البيت"عليهم السلام"،من أفجع الشهور،التي تدخل على قلوبهم الحزن والألم والوجع،فيستقبلونه بالبكاء والنحيب،وإقامة العزاء،حين يستذكرون واقعة كربلاء،تلك المصيبة الراتبة،التي قتل فيها جدهم الإمام الحسين عليه السلام،مع أهله وعياله والكوكبة الطاهرة من اصحابه،سلام الله عليهم أجمعين.

يروي الشيخ الصدوق-رضوان الله عليه- في أماليه، بسند صحيح عن الإمام الرضا عليه السلام،قال:(إن المحرم شهر كان اهل الجاهلية يحرمون فيه القتال،فاستحلت فيه دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا،وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران مضاربنا وانتهبت ما فيها من ثقلنا،ولم ترع لرسول الله- صلى الله عليه وآله-حرمة في أمرنا، ان يوم الحسين أقرح جفوننا،وأسبل دموعنا،وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء ،فعلى مثل الحسين عليه السلام، فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام. 

ثم قال:كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً،وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام،فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه،ويقول:هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلى الله عليه.

انطلاقاً من القول:(الحسين عَبرة وعِبرة)،واحداهما مكملة للأخرى،أمّا العَبرة،فجزى الله المؤمنين خيرا،فهم يقومون بها على أحسن وجه،من إقامة العزاء،وترديد أناشيد الشعر الحسيني،والبكاء،واللطم،على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام. 

أمّا العِبرة،فهي واجب العلماء، والخطباء،والمثقفين،والكتاب، ليعرّفوا الناس منهج وسلوك وآداب الإمام الحسين عليه السلام، ويوضحوا لهم ماهي أسباب وأهداف وغايات النهضة الحسينية،بشكل فعّال ومؤثر في المجمتع،وبأسلوب حديث،يربط المسيرة الجهادية للإمام الحسين عليه بواقعنا السياسي والاجتماعي والاخلاقي، ليتعظ ويعتبر منها المجتمع الانساني.

كثيرة هي الآيات القرآنية التي تؤكد على السنن، وعلى النظر والتدبر في الحوادث التاريخية، من أجل استكشاف هذه السنن والإعتبار بها،كقوله تعالى:(قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُالْمُكَذِّبِينَ)،وقوله:(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا)،وقوله:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)،لو تأملنا في هذه الآية،لوجدنا ان ألافعال الفاسدة التي تصدر من الانسان،تتجاوز حدود بقعته الجغرافية،أَليس هذه دليل على ان الفساد يؤثر حتى في النواميس الطبيعية!؟ وإلاّ ما علاقة البحر بفساد الناس، هل هم يسكنون ويعيشون في قاع البحر؟!

أَليس القنابل الذرية والنووية من صنع الأنسان،تشكل خطر كبير على البشر والطبيعة الكونية!؟أَليس كثرة المعامل والمصانع في المدينة،تزيد من ارتفاع حرارة الجو،وتلويث الهواء!؟وإلاّ لماذ عقد مؤتمر باريس الدولي- قبل أشهر-حول التلوث البيئي؟!

المجتمع الصالح،والعمل الصالح للانسان،أيضاً له تأثيراته الايجابية التي تتعدى حدود مكان الفعل،قال تعالى:(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)،وعلى كلّ فالفساد والاصلاح،لهما مراتب في الشدة والصعف،فإذا كان حجم الفساد في المجتمع كبير،فلابد نحتاج الى قوة وتضحية كبيرة لمواجهتة والقضاء عليه،من هنا نعرف حجم الظلم والطغيان والانحراف، الذي وصل اليه المجتمع الاسلامي في خلافة يزيد بن معاوية-عليه لعنة الله-حتى تطلّب ان يكون الاصلاح،ان يضحي أزكى وأطهر وأطيب الناس،مثل الإمام الحسين عليه السلام،بنفسه واصحابه وأهل بيته.

ابن خلدون،رغم تعصبّه وعناده،ودفاعه وتعذّره لأفعال يزيد-لعنة الله عليه- الذي حكم ثلاث سنين،سنة قتل فيها الحسين عليه السلام،وسنة أحرق الكعبة بالمنجنيق،وسنة أستباح فيها مدينة النبيّ"ص"،حتى وِلد ألف مولود غير شرعي،فهو-ابن خلدون-يقر ويعترف في مقدمته،ان يزيد بن معاوية،كان يتجاهر  بالفسق،والفجور،وشرب الخمور،كما أقر بهذه الحقيقة كثير من المؤرخين والمحدثين.

أرسل الوليد أمير المدينة،خلف الامام الحسين عليه السلام في منتصف الليل،وطلب منه الحضور عنده الساعة، ولما دخل الإمام على الوليد،فرأى مروان عنده،أعلم الوليد الإمام الحسين عليه بموت معاوية،وطلب منه البيعة ليزيد بن معاوية،وبعد حوار  بين الحسين والوليد تارة،وبينه وبين مروان تارة أخرى،في حادثة طويلة نقلها المؤرخين،وبعد انتهاء الحوار بينهم، اقبل الحسين عليه السلام على الوليد، فاخبره عن عزمه وتصميمه على رفض البيعة ليزيد،قائلاً:(أيها الأمير،إنّا أهل بيت النبوة،ومعدن الرسالة،ومختلف الملائكة،ومحلّ الرحمة،بنا فتح الله،وبنا ختم،ويزيد رجل فاسق،شارب الخمر،قاتل النفس المحرّمة،معلن بالفسق،ومثلي لا يبايع مثله،ولكن نصبح وتصبحون،وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة).

(مثلي لا يبايع مثله)،كلمة يجب ان نتوقف عندها،ونتعظ بها،ونأخد العِبرة منها. 

الأنتخابات،مصداق من مصاديق البيعة، وهي عقد بين طرفين،بين المنتخِب والمنتخَب،بعض الفقهاء قال:هي تدخل ضمن عقود الإجارة،وبعض قال:هي من نوع الوكالة، وعلى أي حال،ان كان المنتخَب أجير أو وكيل، فهو حمّل أمانة، وتقلّد عمل،ينبغي عليه ان يأتي به بشكل جيد،ولا يجوز له خيانة وسرقة المؤجر والموكل.

كم مسؤول فاسد،وسارق في الدولة العراقية؟خان الناس والبلد،فهل يصح ان ننتخبه مرة أخرى؟! فلا العقل،ولا الشرع،ولا العرف، يسمح بذلك.

نحن إذا كنا حسينيون فعلاً،فيجب علينا التمسك بنهج الامام الحسين عليه السلام،واتباع سيرته وأخلاقه وآدابه، فالبكاء،واللطم على الحسين عليه السلام-وان كان ثوابه عظيم-لكن وحده لا يكفي،يحب علينا القيام بالاصلاح والأمر بالمعررف والنهي عن المنكر،والتصدي للفاسدين،ورفض  مبايعتهم وانتخابهم،فخراب الأمم السابقة كان من وراء الفاسدين!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك