دراسات

التحديات التي يواجهها ذوو الإعاقة في مجال العمل

3068 07:21:00 2013-10-23

 

تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين من خلال القوانين والتشريعات الملزمة و شيوع نمط من الوعي والثقافة السياسية و الاجتماعية التي لا تقصي أحدا لأسباب تتعلق بالقومية أو الجنس أو المؤهل الجسدي هو بلا شك أهم ركائز بناء دولة عصرية يتمتع أبناؤها بكل حقوقهم و يتم تقليل الفوارق الطبقية بينهم وإلغاء التمييز والتهميش و الإقصاء في المجالات كافة، وإيجاد معيار واحد للتعامل مع الجميع باعتبارهم مواطنين من الدرجة الأولى يتمتعون بنفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وتلك هي روح المواطنة.

وتعتبر شريحة ذوي الإعاقة إحدى الشرائح الاجتماعية الكبيرة في بلد مثل العراق مر ويمر بظروف قاسية كانت بدايتها في حروب طاحنة و مرورا بحصار أسهم في تفشي العديد من الأمراض التي أوجدت أشخاصا معاقين بعاهات دائمة انتهاء بالإرهاب والتفجيرات التي خلّفت آلاف الجرحى سنويا ومنهم معاقون دائمو الإعاقة وفيهم بالطبع من لم يعد إلى عمله السابق أو فُصِل منه أو لم يعد قادرا على تأدية العمل ذاته مرة أخرى، في بلد كالعراق إذن تبدو المشكلة مستفحلة تزيد وطأتها لما يجاورها من مشكلات وأزمات معروفة على أكثر من صعيد. ومع هذا فإن أزمة توفير فرص عمل لذوي الإعاقة و معاملتهم على قدر المساواة مع غيرهم من الأشخاص ليست مشكلة العراق فقط بل هي مشكلة عالمية، حيث هناك مليار معاق بحسب إحصائيات الأمم المتحدة حول العالم يعاني الكثير منهم من عدم توفر فرص عمل تناسب أوضاعهم تصل نسبتهم إلى 80% يواجهون تحديات في مجال العمالة. بل أن المؤتمر الذي عقدته الأطراف الموقعة على الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة في دورته السادسة التي عقدت صيف هذا العام خلص إلى أن الأشخاص المعاقين يواجهون خطرا أكبر ممن يعيشون في فقر مدقع من غير ذوي الإعاقة.. وهو استنتاج يوضح مبلغ هذه المشكلة. ونتيجة لهذا الواقع و كل ما هو معروف عن أوضاع المعاقين في العديد من الدول مسّت الحاجة إلى تحرك أممي لحل هذه المأساة الإنسانية، وقد نتج عن هذا التحرك صياغة الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، و تنص هذه الاتفاقية في مادتها السابعة والعشرين أولا على أن: (.. تعترف الدول الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل، على قدم المساواة مع الآخرين؛ ويشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لهم لكسب الرزق في عمل يختارونه أو يقبلونه بحرية في سوق عمل وبيئة عمل منفتحتين أمام الأشخاص ذوي الإعاقة وشاملتين لهم ويسهل انخراطهم فيهما). وقد طالبت وألزمت هذه المادة الدول الأعضاء بسن قوانين وتشريعات تحقق أحد عشر غرضا يكفل تحسين وضع المعاقين في سوق العمل. ومن أهم تلك الأغراض والأهداف هو حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بقضية العمالة. والحقيقة أن هذه النقطة على مبلغ جسيم من الأهمية، ذلك أن (حظر التمييز على أساس الإعاقة) أبعد من كونه مجرد قانون يوضع من قبل المشرعين في أية دولة ليصبح كل شيء على ما يرام. فالمسألة تتعلق قبل كل هذا بتلك النظرة النمطية لدى المجتمع تجاه ذوي الإعاقة، وتدني الوعي في التعامل معهم. فلو استثنينا القطاع الحكومي في مجرى تقييم وضع المعاقين العاملين في القطاع الخاص أو شبه الخاص مثلا لكان بالوسع العثور على سلسلة من الحكايات المحزنة التي تدل على مدى التشوه النفسي والإنساني الذي يعتري نفوس العديد ويجرفهم في مسارات تعامل غير إنسانية ومخزية إلى أبعد الحدود مع أناس أصيبوا بلا اختيار منهم بعاهة حددت كثيرا من قدرتهم في مزاولة حياتهم بشكل طبيعي فيتم غمط حقوقهم و التمييز الواضح في التعامل معهم و شعور رب العمل بإدراك و وعي أو بدون ذلك أنهم جزء مكمل وليس أساسيا مهما كان العمل الذي يؤدونه نوعا وقيمة، تتفاوت كذلك الأجور التي تدفع لذوي الإعاقة بحيث تقلّ عما يتقاضاه غيرهم من الأصحاء، والمسألة في النهاية مرتبطة ليس بالجشع التقليدي لدى رب العمل بل وبأزمة ضمير و فقدان للتحلي بالقيم الإنسانية النبيلة. وتشير الإحصائيات والدراسات أن هذا النوع من التمييز متفشٍّ بشكل واسع النطاق في الدول النامية التي تتراجع فيها قيم أساسية للتعامل البنّاء و تشوب التعاملات الاجتماعية الكثير من العلل والمظاهر السلبية المعبرة عن مدى الجهل والتخلف اللذين تغرق فيهما بعض المجتمعات ومنها بطبيعة حال مجتمعنا العراقي. إلا أن الوضع في الدول الغربية وإن كان أفضل بشكل عام غير أنه لا يخلو أيضا من مشكلات وتحديات تواجه ذوي الإعاقة ما يشير إلى عالمية الأزمة وسعة نطاق المشكلة.

جاء قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة الذي تحدثنا عنه في مقالة سابقة والذي أقرّه البرلمان ليفرد في مادته الخامسة عشرة دور الوزارات المعنية في تنفيذ القانون، وقد ورد في الفقرة الخاصة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية أنها تتولى ما يلي:

أ‌-التدريب المهني المناسب لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة وتطوير قدراتهم وفقاً لحاجات سوق العمل وتدريب المدرسين العاملين في هذا المجال.

ب‌-توفير فرص متكافئة في مجال العمل والتوظيف وفق مؤهلات ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة .

ج- إلزام دوائر الدولة والقطاع العام والمختلط وتشجيع القطاع الخاص بتشغيل ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة وفق نسب معينة مع مراعاة نوع الإعاقة والعمل .

د- توفير أنواع معينة من الأعمال تتناسب مع نوع ودرجة العوق للموظف الذي يصاب بالعوق أثناء الخدمة أو من جرائها إذا كان قادراً على الاستمرار بالخدمة بعد الإصابة وتأهيله للقيام بهذه الأعمال الجديدة.

والحقيقة تبدو هذه النقاط كافية في حال تطبيقها لتحسين وضع ذوي الإعاقة في مجال توفير فرص عمل مناسبة لهم.. لكن ثمة تحديات تواجه تنفيذ هذه المهام الموكلة على عاتق وزارة العمل وأهم تلك المشكلات:

أولا نحن بحاجة إلى بنية تحتية في مجال تدريب وتأهيل المعاقين و توفر عناصر الخبرة العلمية والأخصائيين في هذا المجال، و واقعنا في هذا الجانب يبدو متواضعا حاليا.

ثانيا توفير فرص متكافئة يصطدم بحقيقة أن نسبة البطالة في العراق ما زالت مرتفعة، فضلا عن كون هذه الفرص يجب أن تأتي في مجالات تناسب المعاقين. ثالثا إلزام دوائر الدولة والقطاع العام والمختلط وتشجيع القطاع الخاص بتشغيل ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة وتحديد نسبة لذلك (هذه النسبة حددها القانون في المادة 16 أولا وثانيا) تتطلب متابعة و تقيّدا حقيقيا من قبل الدوائر كافة وهو أمر لم يحدث إلا نادرا في العراق الجديد حيث الفوضى الإدارية وتضارب الصلاحيات والتفسيرات المختلفة والكيفية للقوانين التي يتم إقرارها، ولاسيما أن مؤسسات الدولة مليئة بأولئك الأشخاص الذين ما يزالون يفكرون بعقلية بائدة وسط انتشار الفساد والوصوليين والانتهازيين، فضلا عن أن إجبار أرباب العمل في القطاع الخاص تبدو مهمة شبه مستحيلة في الوقت الحاضر، كما أن القانون لم يوضح ما هي السبل التي يمكن من خلالها تشجيع القطاع الخاص على تشغيل ذوي الإعاقة؟

رابعا توفير أنواع معينة من الأعمال تتناسب مع نوع ودرجة العوق للموظف الذي يصاب بالعوق أثناء الخدمة واحدة من النقاط المهمة لكن صياغة المادة تبدو غير ملزمة وقابلة للتلاعب في تأويلها وتفسيرها، وكان من الأولى القول بوجوب نقل الموظف الذي يتعرض للإعاقة أثناء الخدمة إلى مكان عمل يناسب وضعه بعد الإعاقة ضمن دائرته أو الوزارة التي يعمل فيها إن كان قادرا على تأدية وظيفته والاستمرار فيها.

هذه التحديات ماثلة للعيان ولا يختلف عليها اثنان.. الأمر الذي يصعّب تنفيذ الحلول والإجراءات التي طرحها القانون لإيجاد فرص عمل لائقة ومناسبة لذوي الإعاقة. وتبقى المسألة منوطة بمدى إخلاص المسؤولين و حرصهم على إحالة تلك الفقرات المذكورة إلى واقع ملموس يستطيع أن يتذوقه المعاقون الذين ترزح غالبيتهم تحت وطأة العديد من المشكلات الحياتية و غياب الضمانات المناسبة ليعيشوا حياة كريمة.. و يبقى الشك هو الحاكم على تحقيق تلك الغاية فالكثير من التشريعات ما تزال حبرا على ورق، و بعضها للأسف صار رهينا للصراعات السياسية والحسابات الانتخابية و الأمثلة كثيرة لا حاجة لذكرها..وفوق هذا كله أن القانون لم يتح لذوي الإعاقة أنفسهم في التصدي لإدارة شؤونهم كونهم الأعلم والأعرف بما يعاني منه أبناء شريحتهم.

16/5/131023/ تحرير علي عبد سلمان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك