دراسات

شهيد المحراب وريادته لحقوق الانسان في العراق....تأليف:أحمد الحمد الخزعلي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ  (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ   (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) }. 

صدق الله العلي العظيم

من سورة آل عمران

الإهداء:

   الى روح أُستاذنا وقائد مسيرتنا،شهيدنا الغالي آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم"قدس سره الشريف"، ووفاءً منّا لحبِّه الأبوي لنا و نحن في المهجر،و تضحياته الجسام من أجل إنقاذ شعبنا الأبي من سطوة الطاغية صدام حسين و أزلامه القساة الذين أهلكوا الحرث و النسل في بلاد الرافدين أرض الحضارات الراقية، والمقدسات البهيّة؛ أهدي هذا النتاج المتواضع الموسوم بـ "شهيد المحراب و ريادته لحقوق الانسان في العراق" بمناسبة الذكرى التاسعة  لإستشهاده الأليم في النجف الأشرف يوم 30/8/2003م المصادف 1رجب 1424هـ.

                                   راجين من الله سبحانه وتعالى حسن القبول .

أحمد الخزعلي

بغداد- 1433هــ/ 2012م   

التوطئة:

إنَّ مصطلح حقوق الإنسان  مصطلح جديد النشأة في المجتمع الدولي الحديث ،وان كانت جذوره تمتد الى أعماق التاريخ لتصل بأفكار وفلسفات و تطبيقات قديمة ،و اليوم أصبح لهذا المصطلح دور فعال في إزالة حكومات فاشية مستبدة وبناء حكومات وطنية ديمقراطية على أنقاضها،لذا نهضت حقوق الإنسان بتحمل هذه الأعباء لإنقاذ شعوبها من نير الدكتاتورية البغيضة الى نور التحرر و الإنعتاق.. و عملت المنظمات الدولية على إسناد تلك الشعوب في هذا المجال بإصدار لوائح و مواثيق لتأييد هذه الحقوق و صيانتها،فأمسى مقياساً لوطنية هذه الحكومة،أو عكسها،لذا عملت بعض الحكومات المتردية على تدجين هذه المسألة لصالحها دون مراعاة مصالح الشعب الحقيقية، و شعبنا العراقي المظلوم كان من بين تلك الشعوب المقهورة على امرها،من هنا أدرك شهيد المحراب الغالي آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم"قدس سره" في وقت مبكر أهمية هذه المسألة من بين قادة المعارضة العراقية،ومنذ خروجه من البلاد عام 1980م،بمحاضراته و توجيهاته ودعمه و إسناده لإنشاء مؤسسات عديدة بهذا الخصوص ، وتأكيده على خوض هذا الميدان وأن نرفع سلاح حقوق الإنسان في العراق لندافع عن حقوقنا المهدورة وفق المصطلحات والأسس الحديثة المعمول بها في أوساط الأمم المتحدة و لجانـها و مؤسساتها،و بذا أصبح شهيد المحراب الرائد في ترسيخ مبادئ حقوق الانسان في العراق، و إرساء قواعدها ،من الوجهتين "الاسلامية العريقة ـ والعالمية الحديثة"،و ما أنجزه أو ينجزه الشعب مستقبلاً من ممارسات الديمقراطية و المجتمع المدني و المؤسسات الحضارية ما هو الّا من ثمار تلك الجهود و التضحيات الجسام التي قدّمها شهيد المحراب"قدس سره"منذ نعومة أظفاره،لا سيما خلال سنوات المهجر من 1980م ـ 2003م،و أخيراً توجت تلك التضحيات الجسام بإستشهاده الأليم بسيارة مفخخة عند مرقد جده أمير المؤمنين  الامام علي "ع" في النجف الأشرف يوم 30/8/2003م المصادف "1/رجب/1424هـ، و هو في معترك مهامه و مسؤولياته الدينية و الوطنية لبناء عراقنا الجديد،و الامة بأمسِّ الحاجة الى وجوده المبارك بين  ظهرانيها، وما نلاحظه  في هذا البحث المتواضع، دليل على ذلك ،و القاء الضوء على تلك الجهود والتحركات التي بذلها سماحته لتعزيز هذه المسألة و النهوض بها الى المستوى المطلوب ،لإنقاذ شعبنا الجريح من بين براثن الطاغية المستبد في بلادنا.

 لقد كان الهاجس الدائم لسماحة السيد شهيد المحراب "قدس سره" هو تحقيق السُبل الكفيلة بانقاذ الشعب العراقي من ظلم نظام صدام.. وكان هذا الهاجس واضحاً كل الوضوح في تفكير وحركة سماحته، فهو لم يغفل لحظة واحدة في بيان المأساة التي يعانيها هذا الشعب في ظل نظام صدام، وكان يرفع صوته ويبرق برسائله ومذكراته الى الامم المتحدة وأمينها العام، وملوك ورؤساء البلاد العربية و الاسلامية في كل مناسبة، يطالبهم فيها باتخاذ التدابير اللازمة برفع الظلم عن الشعب العراقي وتمكينه من التمتع بحقوقه المشروعة وفق الموازين الشرعية و المواثيق الدولية.

إضافة الى ذلك كان يسعى دائماً الى إيجاد قنوات لتحمل أعباء هذه المسؤولية الانسانية ،فتم فعلاً تأسيس و إنشاء وعقد عددٍ من المراكز و المؤسسات و الندوات بهذا الخصوص،ففي هذا الفصل نشير بايجاز الى أهم تلك المجالات التي تحرك فيها سماحة السيد شهيد المحراب "قدس سره"دعماً لحقوق الإنسان في العراق و تثبيتاً و تعزيزاً لها ،نذكرها هنا حسب التسلسل الزمني؛ لنلاحظ مبادرات سماحته في هذا المضمار الانساني، و ريادته لحقوق الانسان،وما بانت لتلك التحركات من نجاحات باهرة و أصداء مهمة في تفعيل القضية العراقية و إفهام المجتمع الدولي عما يدور في بلادنا العزيزة وما تفعله ماكنة الانتهاكات من خروقات فظيعة لحقوق الإنسان في العراق، فظهرت بذلك نتائج حسنة لتلك الفعاليات "سنذكر قسماً منها لاحقاً" نحو تحرير الانسان من بين براثن الجور والإستبداد الى عالم النور والتحرر،وكما جاء في صدر المقال نمرّ بأهم تلك المحطات:

شهيد المحراب وحقوق الانسان

مما لا شك فيه أن السيد شهيد المحراب"قدس سره" كان مفكراً إسلامياً  كبيراً و سياسياً بارعاً مهيباً ،وكان له برنامج متكامل و مفاهيم واضحة لإنقاذ عراقنا الحبيب من لججِ الظلم وتباريح الجور الى برِّ الأمن والأمان ؛و أمسى إسمـه مرادفاً لتطبيق تلك المفاهيم بالتضحية و الفداء و الإيثار نحو يوم الخلاص من بين براثن الطاغوت الجاثم على صدر الشعب منذ أكثر من ثلاثة عقود من الكبت و هدر الحقوق المشروعة،و اقتضام الدستور،و الأعراف المحلية و الدولية.

وبذا سما السيد شهيد المحراب"قدس سره"الى أرقى درجات الدفاع عن حقوق الانسان في العراق بغرسه تلك المفاهيم و تطبيقاتها في أعماق الجماهير بعد تطبيقه العملي لها ..فجاءت النتائج سليمة و مؤثرة،و تحملها بكل هدوء و رحابة صدر بفقد الأحبة الأعزاء ،وآلام الغربة ، و قبلهما الإعتقال و ألوان التعذيب"سيأتي مفصلاً في مادة تجربتي مع حقوق الانسان"، وأرسى شهيدنا  الغالي السيد الحكيم "قدس سره" بذلك قواعد  حقوق الانسان في بلادنا على أسس سليمة. هذا ما نراه  في مواد بحثنا المتواضع هذا ،الذي يتكون من خمسة موارد رئيسية، وهي:

المورد الاول :شهيد المحراب و آراؤه في حقوق الانسان بنى شهيدنا  الغالي السيد الحكيم"قدس سره" نظرته في حقوق الانسان في العراق على ثلاث آليات رئيسية ألف :الآلية العمومية

كان شهيد المحراب"قدس سره" ينظر الى الشعب العراقي نظرة عمومية ككل، و كجسد واحد بجميع مكوناته، دون تمييز طائفي أو قومي أو مذهبي لنيل حقوقه المشروعة،كان يؤمن "قدس سره" بضرورة احترام الاقليات القومية والدينية وحقوقها العامة وضمان وحدة العراق وبالطرق الدستورية، ويؤمن بضرورة إعطائها حقها في ممارسة معتقداتها الدينية، كما انه يدعو الى الوحدة الاسلامية بين المذاهب والطوائف الاسلامية (1، 2)  وهو يقف ضد كل جهد يدعو الى الطائفية السياسية أو الدينية.

كما شجع على إرسال الشهود و الضحايا و الوثائق المرتبطة بالسجناء و المعذبين الى مؤسسات الامم المتحدة المعنية وبذلك تحركت الوفود على منظمات حقوق الانسان في البلدان الأوربية  وفي بعض البلدان الآسيوية ، و كانت هذه الوفود من مختلف شرائح المجتمع العراقي منهم: العرب ،و الاكراد ،و التركمان،و المسيحيون ،و الشيعة ،و السنة أي كل إنسان عراقي منتَهك حقه و تساعده الظروف على السفر لطرح مظلوميته على الجهات المعنية بحقوق الانسان ،و ذات تأثير على المتغيرات الدولية ، فكانوا يرون الدعم الكامل من قبل سماحته  في هذا المجال على الصعيدين الشخصي و المؤسساتي(3)  " كما ان سماحته كان يولي اهتماماً خاصاً بقضايا اللاجئين العراقيين في كل مكان لا سيما في إيران و السعودية ودول المنطقة و العالم، و أهتم أيضاً بالأسرى العراقيين في ايران "الذين سيقوا الى أتون الحرب قسراً" لقضاء حوائجهم و غمرهم بالحنان الأبوي حباً و إرشاداً ،لذا كانوا يرونه الأمل و المنقذ لهم في تحريرهم من أسوار الأسر خارجاً؛وإنقاذ أهليهم من براثن الدكتاتورية داخل العراق. 

باء :الآلية الإسلامية

في كل مقطع و مشروع تحرك فيه آية الله الشهيد السيد الحكيم "قدس سره"،كانت مصلحة الاسلام هي العنوان الرئيسي و الأول الذي يتحرك من أجله،و بذا كان يؤمن بان الاسلام هو الإطار الأفضل الذي يمكنه ان يوحد حركة الشعب العراقي، ويضمن الحقوق الكاملة لجميع القوميات والمذاهب و الأقليات، وانه يمثل هوية الشعب العراقي المسلم ويحترم الأقليات وقد حافظ على وجودها منذ الصدر الأول للاسلام وحتى اليوم.انظر كتابه"حقوق الانسان من وجهة نظر اسلامية" ،ومن محاضراته القيمة في هذا المجال محاضرة " كرامة الانسان " ألقاها في مؤسسة الشهيد الصدر"رض" عام1983م (4) منطلقاً من الآية الكريمة:"

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك