دراسات

حـروب الظـل الامـيركـيـة

2698 07:13:00 2012-08-13

 

 “إننا نخوض صراع أجيال… في المستقبل المنظور سيكون لزاما على الولايات المتحدة الأميركية أن تتعامل مع أنواع مختلفة من التطرّف ومصادر تهديد متنوّعة. ولكي تتولّى القيام بعمليات ناجحة بمختلف أنحاء المعمورة، على قواتنا السرّية الخاصة أن تتأقلم".

لم يكد الأسبوع ينقضي عن إعلان وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا Leon Panetta عن إنشاء ما سُمّي بـ"الجهاز الدفاعي السرّي Defense Clandestine Service" الجهاز الاستخباراتي الجديد الذي سيعمل على "إعادة تنظيم العمل والتنسيق بين الهياكل والمراكز الاستخباراتية الأميركية وتعزيز جهودها"، حتى كُشف النقاب عن مشروع مخطّط جديد، يهدف إلى توسيع مجال ونفوذ ومسارح وحدات العمليات السرّية الأميركية Special operations units. وزارة الدفاع الأميركية، التي باتت تعمل وفق مقاربات استراتيجية جديدة، تستهدف التصدّي لما يسمّيه استراتيجيوها "الأهداف الاستراتيجية الكبرى" بعيدا عن "الاعتبارات التكتيكية للعراق وأفغانستان"، وتعمل على تعزيز جهود الاستخبارات العسكرية خارج مسارح الحروب، والتنسيق مع وحدات القوات الخاصة تحاول جاهدة التأقلم مع مسارح الحروب غير المتوازية Asymmetric warfare والحروب الخاطفة الاستباقية.

 تقرير صحيفة لوس أنجلس تايمز The Los Angeles Times التي تمكنت من الإطلاع على وثائق تابعة لوزراة الدفاع الأميركية، كشف أنّ الأدميرال وليام ماك رافين William McRaven القائد الأعلى لقوات العمليات الخاصة¡ Special Operations Command التابعة للبحرية الأميركية، تقدّم رسميا بطلب قصد المصادقة على مشروع خطة تهدف إلى المد في صلاحيات فرق العمليات الخاصة والتوسيع في مجالاتها لتطال مختلف المسارح بمختلف أنحاء العالم من أجل "التصدّي للتهديدات المتنامية" التي قد تضرّ بأمن ومصالح الولايات المتحدة الأميركية. ماك رافين الساعي إلى الحصول على جملة من الصلاحيات والسلطات الجديدة والراغب بتشكيل وحدات عملياتية خاصة عابرة للقارات، عالية التدريب، سريعة الحركة، سرّية الانتشار، ما يجعلها بحق "القوة الأنسب Force of Choice" كما يوصّفها، هو ذاته من يقوم بإدارة قيادة العمليات الخاصة المُتكتم عليها والمشرفة على ما لا يقل عن 60 ألفاً بين عسكري ومدني. فمن "أكثر كفاءة من القائد وصاحب الخبرة الطويلة والتجربة الغنية والمختصّ بحروب المغاوير الخاطفة، على تحديد المسرح الأمثل والانتشار الأفضل؟"، كما يسأل بإعجاب أحد مساعدي الأدميرال. وليام ماك رافين، لمن لا يعرفه، هو من طينة "الجنود المثقفين" من أمثال دافيد بترايوس David Petraeus صاحب رسالة دكتوراه، نُشرت في كتاب سنة 1995، تمحور موضوعها حول حرب العمليات الخاصة، النظرية والتطبيق. وقد خلُص في أطروحته مؤكدا على 6 عناصر ضرورية لخوض الحروب الخاطفة التي تتولاّها فرقة مغاوير أو ما يسمّيها بفرق النخبة الخاصة، نسردها تباعاً: المفاجأة، السرعة، السريّة، السلاسة، الغاية أو الهدف، والإعادة. وكان أن أضاف لها الدقة، عنصراً جديداً، إبان إعداده لعملية مهاجمة وتصفية أسامة بن لادن بباكستان، في مايو 2011. يومها تولى قيادة العملية التي نفذتها فرقة DEVGRU  كما أشرف على إعداد وتطوير مجموعة من الخطط بغية الحصول على صلاحيات تخوّل له تشكيل وحدات أو فرق عمليات خاصة ستتصدى لما يسمّيه "التهديدات المتنامية" في المستقبل المنظور. تتناغم خطط الأدميرال ماك رافين ومقاربة الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي أوصت بخفض الموازنة من جهة مع التركيز والعمل على ترفيع عدد القوات الأميركية غرب المحيط الهادي للجم واحتواء التنين الصيني مع توسيع مجالات وحدود ونفوذ فرق العمليات الخاصة.

ليس جزافا أن تصنف، صحيفة "لوس أنجلس تايمز"، مشروع الأدميرال، كــــ"أوّل مخطّط علني" يُفعّل ويتبنى الخطوط العريضة التي ركزت عليها الوثيقة التأسيسية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي أوباما. مع أنّ مسؤولي إدارة أوباما ما انفكوا يؤكدون على توصّلهم إلى "دحر وانحسار" التنظيمات والجماعات المسلّحة التي تشكّل مبرّر الوجود وهدف القوات التي يعتزم ماك رافين تشكيلها ونشرها وتوسيع مجال حركتها، إلاّ أنّ مقاربته للمناخ الجيو ستراتيجي ونظرته لطبيعة وحجم مصادر الخطر ورؤيته للأسلوب الأمثل لخوض الحروب غير المتوازية Asymmetric warfare تجعل من مشروعه صدى لتوصيات المراجعة الاستراتيجية، أو ما أُصطلح على تسميته بالاستراتيجية الدفاعية الأميركية الجديدة. الوثيقة الرسمية التي وردت في 8 صفحات، وحملت العنوان التالي: "تعزيز قيادة الولايات المتحدة للعالم: أولويات دفاع القرن الواحد والعشرين Sustaining U.S. Global Leadership: Priorities for 21st Century Defense ".

لعلّنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أنّ تلك الاستراتيجية نقطة مفصلية في تاريخ العسكرية الأميركية، ليس لأنها تتكيّف مع واقع جيو- استراتيجي متقلّب، وتستجيب للتحوّلات الجوهرية في طبيعة الحروب ومسرحها وأدواتها، وتستأنس بخارطة تهديدات تتوالد داخل مناخ أمني وفضاء سيبيري محفوفين بالخطر، فحسب، بل لأنها تقطع مع الحروب التقليدية الثقيلة وما كان يُعرف ببناء الأمم¡ Nation Building ومكافحة التمرّد -Counter Insurgenc¡ لتؤسّس لحروب ما يسمّيه، وزير الدفاع ليون بانيتا بالـ"تحوّل التاريخي إلى المستقبل"، أو "الحروب الذكية Smart Wars".

يعلّل الأدميرال، كما يرد بإحدى الوثائق التي يجري تداولها بوزارة الدفاع الأميركية، بقوله: "إننا نخوض صراع أجيال! إنّ الولايات المتحدة ستجد نفسها مُلزمة بمجابهة مصادر مخاطر مختلفة ومصادر تهديد ظاهرة وكامنة للأمن القومي والمصالح الحيوية، ممّا يُحتم عليها أن تعجّل بتأهيل وإعداد قواتها الخاصة تحسّباً". لعلّ أخطر ما ورد بخطة المشروع دعوته لخلق ما يسمّيه "مراكز تنسيق¡ Coordinating Centers" ستتولّى الإشراف والتنسيق مع السفارات الأميركية والحكومات "الصديقة" ومختلف فروع وكالات الاستخبارات من أجل "رصد وتحديد والتعامل مع الأهداف"! لسائل أن يسأل، بعد فضائع عمليات التصفية الاستباقية، والسجون العائمة، ومراكز "المناولة" للتعذيب Black Sites وفي ظلّ رئاسة حامل لجائزة نوبل "للسلام"، بأي عقلية يفكر رجالات العسكرية الأميركية؟ ألا تكفي فضائح الاستخدام غير القانوني لهجمات الطائرات من دون طيار؟ استراتيجية الدفاع التي هلّل لها بعضهم، هي التي تفتح الأبواب على مصراعيها على "حروب الظلّ Covert Warfare" التي كانت تُشنّ في تكتم وسرّية وتنفّذها جماعات مرتزقة أو عملاء الطابور الخامس، يُشرّع لها اليوم بتعلّة ما تشير له إحدى المذكرات غير الموقّعة والمصاحبة للوثائق، جاء فيها: "إن الجماعات والتنظيمات المارقة Non-State Actors التي تنشط داخل ساحات ما تبقّى من الدول الفاشلة Failed States¡ كتنظيم "القاعدة"، ستشكل تهديداً متنامياً للأمن القومي، خصوصاً وهي التي تقيم قواعدها خارج مناطق السيطرة السيادية وتذوب داخل النسيج المجتمعي، مما يجعلها خطرة وقادرة على توظيف هشاشتنا". لئن لم تكشف وثائق مشروع وليام ماك رافين عن وجهة محدّدة ومسارح معيّنة لعمليات القوات الخاصة، إلاّ أنّ تقرير دافيد كلاود David Cloud ينقل عمّن يسمّيهم "ضباطاً ومسؤولين مطّلعين على الوثائق وعلى دراية بما يقود تفكير استراتيجيي البنتاغون"، ترجيحهم أنّ المسارح المحتملة للععمليات الخاصة هي "مناطق الفوضى" و"بقايا الدول الفاشلة في الشرق الأوسط مثل اليمن وأجزاء من شمال أفريقيا، مروراً بالصومال إلى نيجيريا فالمغرب العربي، بالإضافة إلى آسيا وأميركا اللاتينية".

باعتماد ذات المقاربة واستئناساً بها، وكلّ ما سيفرزه هذا التشظّي الذي يعصف بما تبقّى من الدول القطرية. وإذا علمنا أنّ هذه فرق قوات العمليات الخاصة تنشط وتتدرّب وتُنفّذ خططها في أكثر من 71 دولة، من دون احتساب باقي الدول التي لا تعلم بعد بالاختراق، يمكن أن نتصوّر بسهولة ما سيحدث من مضاعفات، إذا نجح ماك رافين في إقناع الجنرال مارتن دمبسي Martin Dempsey باعتماد الخطة وتبنيها. في حال إقرار المشروع، فإنّ قوات العمليات الخاصة ستُمنح مجالات حركة أوسع وسلطات إضافية تجعلها قادرة على نقل ونشر وحداتها الخاصة من مكان إلى آخر، بل والإشراف على تدريب وحدات عسكرية أجنبية أينما قرّر عسكريو الولايات المتحدة الأميركية أنّ هناك "شبكات إرهابية" أو فقط ما اعتبروه "تهديداً للأمن القومي"! حتى الآن لم يعترض أحد، حليفاً كان أو من صُنّف مارقاً Rogue بما في ذلك من انتهكت سياداتهم الوطنية واستبيحت مجالاتهم الجوية واغتيل مواطنوهم من دون محاكمة عادلة، وفي امتهان موصوف للقانون الدولي وقانون ومعاهدات الحروب! فقط بعض مسؤولي البنتاغون والخبراء العسكريين من خارج المؤسسة العسكرية الأميركية من يقرعون جرس الإنذار، محذرين من مغبّة منح صلاحيات وسلطات أوسع تخرج عن السلّم الطبيعي للقيادة Chain of Command يُنذر بحصول تجاوزات.

من خوصصة الحروب إلى ضمّ مرتزقة الشركات "الأمنية" الخاصة داخل مسارح القوات النظامية، إلى إنشاء ما سُمّي بـ"الجهاز الدفاعي السرّي Defense Clandestine Service" فتشكيل قوات العمليات الخاصة التي ستعمل خارج منظومة سلسلة القيادة وفي مسارح بعضها مستعر والآخر قابل للانفجار، بمجرّد تعارض مصالح الإمبراطورية ومصالح القوى الصاعدة، يحاول استراتيجيو العسكرية الأميركية "التأقلم" و"الاستفادة من دروس" العشر العجاف! إلاّ أنّ مشروع الأدميرال يُغيّب أو يتجاهل ردة فعل باقي القوى ويُنذر بتعجيل المواجهات المؤجّلة! في زمن تراجع الإمبراطورية المترنحة، صاحبة الدين العام ذي الرقم الفلكي البالغ: 15,033 تريليون دولار، حسب تقديرات وزارة الخزانة الأميركية، بفعل تمدّدها الاستراتيجي والعسكري العالي الكلفة، يظلّ السؤال الجوهري الملحّ، هو ما مدى قدرة وإمكانية الولايات المتحدة الأميركية على التكيّف العاجل لتكون حاضرة بأكثر من ساحة، وأن تقيم التوازن الضروري على مسارح متحرّكة وأن تحافظ في ذات الوقت على دفة القيادة؟ هل يكفي تحذير هيلاري كلينتون وهي تصرّح: "ما سيحدث في آسيا خلال السنوات المقبلة سيترك أثراً كبيراً على مستقبل بلادنا. لا يمكننا أن نجلس على الهامش ونترك آخرين يحدّدون مستقبلنا نيابة عنا"؟ إذا كانت السيدة هيلاري لا تسمح بأن يُحدّد مستقبل بلادها بدلا عنها، فحريّ بنا نحن، ومنطقتنا هي صاحبة النصيب الأوفر من بؤر التوتر التي ساهمت وتساهم في زرعها، إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة، أن نتصدّى لهذه الحرب المعلنة، قبل أن تجتاحنا جحافل قوات عملياتهم الخاصة.

من ينتابه بعض من الشك، فليطّلع على البرامج التدريبية التي فضحتها مجلة "وايرد¡ wired " الأميركية كاشفة عروضاً لكلية القيادة والأركان المشتركة وتقارير تبيّن خطة "للحرب الشاملة" على المسلمين، في وقت يُقال لنا إن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، دمبسي يستهجن بعضها ويأمر بإزالة بعضها الآخر. نذكر منها على سبيل الحصر، البرنامج المسمّى: "وجهات نظر حول الإسلام والتشدد الإسلامي"، الذي يُدرّسه منذ 2004، العقيد ماثيو دولي Michael A. Dooley موصياً ضباطه "أنّ الولايات المتحدة في حالة حرب مع الإسلام"، مدرجاً فرضيات "تدمير المدن المقدسة للمسلمين مثل مكة والمدينة من خلال هجمات نووية أو بقصف مكثف على غرار ما تعرضت له مدينة دريسدن الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية، ما دامت معاهدات جنيف الخاصة بالصراعات المسلّحة لم تعد صالحة للتطبيق في وقتنا الحالي!"، هذه تعاليم الجيش النظامي، فما بالك بأشباح لا نراها؟

28/5،/813

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك