التقارير

لماذا الانتصار الإسرائيلي مستحيلا في غزة؟!


د.عبد القهار المجمعي ||

 

أيام قليلة ربما تفصلنا عن بروز المؤشرات الكبرى للعدوان على غزة، وهل يستطيع الكيان الصهيوني الاستمرار في رفضه وقف إطلاق النار، أم أنه سيضطر في الأخير وبافتعال تحقيق أهداف معنية إلى إنهاء الحرب على غزة؟

التشخيص الميداني، يؤكد خلاصتين اثنتين: 

⭕عدم تحقيق العدو الصهيوني أيا من أهدافه المعلنة، بالقضاء على حماس وبنيتها العسكرية واستنقاذ الرهائن والأسرى من جنود الاحتلال، وتفاقم المعاناة الإنسانية ووجود الدولة العبرية في حالة عزلة دولية، بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد المدنيين من الأطفال والنساء واستهداف المؤسسات الخدمية بما فيها تلك التي تشرف عليها الأمم المتحدة.

⭕مرور أكثر من خمسة أسابيع على الحرب، تشير إلى عشرة تعقيدات، لم يستطع الكيان الصهيوني أن يفكها، وهي في الواقع معادلات دقيقة، نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية في الإمساك بخيوطها وتوجيه مخرجاتها ضدا على مصالح العدو الصهيوني.

🛑التعقيد الاول 

تتعلق أول هذه المعادلات، بالعملية العسكرية الميدانية، بأهدافها، وزمنها، وكلفتها، فالكيان الصهيوني، بعد طوفان الأقصى، رفع سقف أهدافه عاليا، وعبأ الرأي العام الداخلي على عنوان كبير للحرب، هو إنهاء حماس، الفكرة، والحركة، والمقاومة العسكرية، ثم استنقاذ الأسرى من جنود الاحتلال والرهائن الإسرائيلية المحتجزة في السابع من أكتوبر.

لم يحدد العدو الإسرائيلي زمنا لهذه الحرب، فهيأ رأيه العام الداخلي على إمكانية أن تستغرق شهرا أو سنة، وتحدث عن أثمان لا بد من دفعها لتحقيق أهدافها، لكنه في الواقع، لم يأخذ بعين الاعتبار أن لهذه المعادلة طرفين رئيسين، وأن تحقيق الأهداف، مرتبط أساسا بالعملية البرية، وأن نتائجها لحد الآن، تسير في اتجاه معاكس للاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، وأنه لهذا السبب، بدأت تتغير رؤية الولايات المتحدة الأمريكية، سواء للعملية العسكرية، أو لوقف إطلاق النار، أو للهدف الإنسانية، أو لسيناريوهات ما بعد الحرب على غزة.

🛑التعقيد الثاني 

يرتبط التعقيد الثاني، بوحدة القيادة السياسية والعسكرية، ووجود هدف مشترك يرام تحقيقه، وهي المعادلة المعقدة، التي لم يستطع الكيان الصهيوني الإمساك بخيوطها حتى وهو يعلن الحرب، ويعتزم الانتقام من طوفان الأقصى، ما يفسر ذلك هو تصريحات نتنياهو إلى الصحافة بشأن مسؤولية الشاباك عن طوفان الأقصى قبل أن يضطر لسحبها، ثم تصريحاته الأخيرة بشأن جاهزية جنود الاحتياط، التي سحبها هي الأخرى، دون أن نغفل الشكل الفردي الذي يقدم به القادة الثلاثة ندواتهم الصحافية، بما يعكس انفصام القيادتين، والصراع المحموم بينهما، فكل طرف يريد كسب الرهان والقاء المسؤولية على الآخر، لتحقيق نصر انتخابي وشيك، أو تكبيد خصمه هزيمة انتخابية.

🛑التعقيد الثالث.

ويتعلق التعقيد الثالث، بعدم قدرة الكيان الصهيوني على معادلة استدرار الدعم الدولي بحجة «حقه في الدفاع عن النفس» وذلك بسبب من نتائج التعقيد الأول، أي واقع المعركة على الأرض، إذ نتج عن الفشل العسكري الإسرائيلي، رهان على استهداف المدنيين وتجويع الشعب الفلسطيني، لإرغام المقاومة على الاستسلام، وهي المعادلة التي فشلت وأثمرت نتائج معكوسة، فأضحى الكيان الصهيوني معزولا دوليا، ومتهما بارتكاب جرائم حرب، بل نشأت أزمة بين الأمم المتحدة وأمينها العام وبين الكيان الصهيوني على خلفية استهداف الأطفال والنساء ومنع الشعب الفلسطيني من حاجيات الحياة الأساسية، وحرك المجتمع الدولي كله في اتجاه الضغط على واشنطن، التي باتت تسير وبشكل متدرج نحو إخراج ورقة ما بعد نتنياهو وتحميله المسؤولية الكاملة عما جرى بما في ذلك السابع من أكتوبر.

باتت أمريكا تدرك أن تحميل نتنياهو الفشل في الحرب وأيضا السابع من أكتوبر أهون من الاستمرار في حرب تفقدها صورتها الأخلاقية أمام العالم، وفي المقابل، بات الحزب الديمقراطي موقنا أنه سيخسر الانتخابات في حال عدم قيام واشنطن بدور سريع في إنهاء الحرب

🛑 التعقيد الرابع

أما التعقيد الرابع، فيرتبط بالمعادلة العربية، التي سابقا، تركز في أقصى جهدها على البعد الإنساني، مع تحميل «الطرفين» مسؤولية العنف والتصعيد، لكنها اليوم، بسبب انكشاف استراتيجية التهجير الصهيوني، تتحرك على أرض سياسية، وتعتبر ـ مصر والأردن على الأقل- أن أمنها القومي أضحى مهددا، وهو ما يعني أنها أضحت ملزمة بالاعتقاد بأن استمرار المقاومة العسكرية للفصائل الفلسطينية أمرا حيويا لأمنها القومي، وأن أي إجهاز على قدراتها يعني وضع مصر والأردن أمام واقع قبول تهجير الفلسطينيين إلى أراضيهما.

🛑 التعقيد الخامس

فيرتبط بمعادلة الصراع الإقليمي، ومدى قدرة الكيان الصهيوني، من خلال الدعم الاستراتيجي له (الولايات المتحدة الأمريكية) على تحييد جبهات الصراع الأخرى، ومنع قيام حرب إقليمية، تنخرط فيها كل محاور المقاومة، فعلى الرغم من تحريك الولايات المتحدة الأمريكية لحاملتي طائرات وغواصة نووية إلى البحر المتوسط، إلا أن عدم ثبات قواعد الاشتباك على الجبهة اللبنانية، يؤكد ألا شيء مضمونا في تأمين شروط هذه المعادلة، وأن القاعدة التي تحركها هي الاستنزاف، الذي لا يخدم بأي حال من أحوال الاستراتيجية الإسرائيلية في حربها على غزة.

🛑التعقيد السادس.

يخص تأمين الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وذلك من ثلاث واجهات: أمنية، وتتعلق بمدى قدرة الداخل الإسرائيلي على اعتياد سماع صفارات الإنذار والاستجابة لنداء القوات الإسرائيلية بالدخول إلى الملاجئ والصبر على هذه «الحياة» الاستثنائية، فاستمرار دك المدن الإسرائيلية بصواريخ المقاومة، سيكون الحجة الأكثر قوة في فشل القيادة العسكرية في تأمين الداخل الإسرائيلي وتحقيق أهداف الحرب في إخماد صواريخ حماس. ثم عسكرية، وإلى أي حد تستطيع الرواية الإسرائيلية الإقناع بأنها تحقق أهدافها المعلنة، خاصة، وأن رواية الإعلام العسكري لحماس، يبث بالصوت والصورة الحقائق المؤلمة على الأرض، من تدمير الآليات العسكرية وقتل الضباط والجنود وأسرهم أيضا، ثم سياسية، والتي تتوسع كلما طال الزمن، وعجزت القيادة العسكرية على تحقيق أهداف ملموسة، خاصة ما يتعلق باستنقاذ الأسرى والرهائن.

تستطيع القيادة السياسية أن تناور لبعض الوقت، وتقدم وعودا لأسر المحتجزين والأسرى، لكنها أبدا، لن تستطيع أن تمنع تحويل الفشل إلى عنوان سياسي كبير يُحَمل نتنياهو مسؤولية طوفان الأقصى وتعرض الجنود والضباط للخطر بسبب الدخول للحرب من غير جهوزية ولا استراتيجية واضحة.

🛑التعقيد السابع،ط.

ويتعلق بالعلاقة مع الحلفاء، مع أمريكا وبريطانيا ودول بالاتحاد الأوروبي، فهذه الدول التي تدفق مسؤولوها على تل أبيب لتقديم الإسناد والدعم، أصبحت مجبرة على إدانة جرائم الحرب الصهيونية، وشجب قتلها للمدنيين، بما يخفف من الضغط الدولي الذي أصبح يستهدف دورهم.

🛑 التعقيد الثامن.

بكلفة الحرب ومدى قدرة الكيان الصهيوني وحلفائه على تقديمها لوقت أطول، فحجم الإنفاق العسكري على الحرب، وبشكل خاص طلعات الطائرات وغاراتها الجوية وحجم الذخائر التي أسقطت على غزة وخسائر إعطاب الآليات العسكرية في الحرب البرية، تكلف الاقتصاد الإسرائيلي مبالغ خيالية لا تستطيع تحملها لفترة طويلة، ناهيك عن الركود الاقتصادي الناتج عن توقف الإنتاج، وانخراط جنود الاحتياط (حوالي 360 ألفا) في الحرب، وهم يشكلون عصب الاقتصاد الإسرائيلي.

يركز كثير من المحللين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين على «أمد الحرب» ويدفعون إلى أن تكون المدة أقصر، لأنهم يدركون أن عدم قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على التحمل، بات يشكل محددا أساسيا في الاستراتيجية الحربية الصهيونية، بدليل أن أغلب الحروب التي خاضتها كانت تتأرجح بين 6 إلى 8 أسابيع في الأقصى.

🛑 التعقيد التاسع والعاشر،ط.

بالدواعي الانتخابية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فنتنياهو يريد أن يطيل أمد الحرب، لأنه يدرك أنه لن يحقق أهدافه منها سريعا، وأن ذلك سيرتد عليه، ولن يخسر فقط الانتخابات، بل سيخرج بالمطلق من السياسة الإسرائيلية، بينما باتت أمريكا تدرك أن تحميل نتنياهو الفشل في الحرب وأيضا السابع من أكتوبر أهون من الاستمرار في حرب تفقدها صورتها الأخلاقية أمام العالم، وفي المقابل، بات الحزب الديمقراطي (بايدن) موقنا أنه سيخسر الانتخابات في حال عدم قيام واشنطن بدور سريع في إنهاء الحرب، وأنه سيفقد قاعدته الانتخابية الواسعة من الجنسيات المختلفة، بسبب تعريه الأخلاقي وفقدانه لقيمه الإنسانية في دعم حرب إجرامية ضد الأطفال والنساء بغزة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك