التقارير

الحرب الاميركية الصهيونية على السودان والامن القومي العربي


محمد صادق الحسيني ||

 

لا شك ان الاوضاع في السودان تتسم بضبابية كبيرةٍ ، ما يجعل المراقبين والمحللين ، السياسيين خاصةً ، يعانون من صعوبات كبيرة في توضيح الصورة للمشاهد او القاريء لما ينشر حول الصدام العسكري الجاري في السودان ، بين قوتين عسكريتين هما :

– الجيش الحكومي السوداني ،الذي تمتد جذوره الى مائة عام خلت ، وهو الجيش الرسمي للجمهورية السودانية ، بغض النظر عن نظام الحكم في البلاد .

– اما القوة الثانيه فهي ميليشيا مسلحه يطلق عليها اسم :قوات الدعم السريع . علماً ان معظم منتسبي هذه الميليشيا هم من قبائل الرزيقات السودانيه ، التي تسكن ولايات دارفور وكردفان السودانيه والتي ينتمي اليها قائد هذه الميليشيا ،المدعو  : محمد احمد ديقلو ( المتعارف عليه باسم :حميدتي) ،وهو الشخص الذي تطلق عليه بعض وسائل الاعلام لقب : الجنرال .

علمان هذا الشخص ليس له اية علاقه بالعلم العسكري او المدني وانما هو في الاصل تاجر مواشي ،تحول الى مقاول عسكرًي إبان عهد الرئيس عمر البشير  ، الذي استعان بميليشيات قبلية في ولايات دارفور خلال الحرب هناك .

وقد اقام هذا الشخص والعديد من اعوانه علاقات مبكرة مع الكيان الصهيوني ، حتى قبل انفصال جنوب السودان عن الوطن الام  ،  مستغلاً هذه العلاقات لتقوية سيطرته على المناطق القبليه في غرب السودان  ،  وهي المناطق الغنيه جدًا بالثروات المعدنيه بشكل خاص .

حيث تتركز فيها ( دارفور وكردفان خاصةً كميات كبيرة من الذهب والحديد والفوسفات واليورانيوم والكوبالت والزنك والالومينيوم والبوتاسيوم والكروم والنيكِل والمنغنيز  ، وجميعها معادن تتمتع بأهمية فائقة ،  خاصة بعد التطورات والازمات والحروب التجاريه والعسكريه ، التي يشهدها العالم منذ حوالي عقد من الزمن .

ولا بد من التشديد على ان جهود الولايات المتحدة ، للسيطرة على الثروات المعدنية ، في افريقيا بشكل عام وليس فقط في السودان  ،  لم تبدأ مع بدء التمرد المسلح لميليشيا حميدتي ، وانما هي بدأت فعلياً وبشكل مكثف منذ هزيمة داعش في الموصل سنة ٢٠١٧ ، وقيام الجيش الاميركي بنقل فلول هذا التنظيم الارهابي المهزوم الى ليبيا وولايات دارفور في السودان وتشاد ، غرب السودان ،  وصولاً الى جمهورية مالي وبوركينا فاسو والنيجر والكونغو الديموقراطية ،  وربط هذه الميليشيات مع تنظيم بوكو حرام الارهابي في نيجيريا ، عملاً على تكريس الهيمنة الاميركية على القارة الافريقية وأملاً في محاربة التعاون الاقتصادي الروسي الصيني مع العديد من الدول الافريقية ، التي عانت الكثير من الويلات من جراء السياسات الاستعمارية القديمة والحديثة .

كما ان هزائم الاستعمار الاوروبي الاميركي في كل من افغانستان والعراق وسورية ولبنان وسقوط مشاريع الهيمنة الاميركية ، المغلفة بما اطلق عليه الربيع العربي ، كذلك ادى الى ازدياد ثقل هذه الهزائم وتداعياتها الاستراتيجية على السياسات الاميركية الاطلسية ،  مما حدا بالولايات المتحدة بتحريك ميليشيا الدعم السريع السودانية ، المدعومة من الكيان الصهيوني ومشيخة محمد بن زايد النفطية ، في محاولة منها لتحقيق مجموعة اهداف ، اهمها :

١) محاولة افتعال حرب اهلية واسعة النطاق ، في السودان ، وتوريط الجيش المصري فيها ، بهدف استنزافه وضمان عدم وجود اية امكانية لمشاركته في اي حرب عربية اسرائيلية مستقبلاً  .

وما الاعتداء الاجرامي وغير المبرر ، على مجموعة من ضباط وجنود الجيش المصري ، في  قاعدة مروي الجوية السودانية ،الا خير دليل على ذلك  .

٢) وبناءً على ما كان يمكن ان يترتب على الفوضى الشاملة ، التي ستنتج عن استمرار القتال بين الميليشيا المتمردة وقوات الجيش النظامي السوداني ، كانت الولايات المتحدة الاميركية تخطط لاستصدار قرار من مجلس الامن الدولي ، تحت الفصل السابع  ، الامر الذي سيتيح لها احتلال السودان ، تحت مسمى قوات متعددة الجنسيات او قوات تابعة لحلف شمال الاطلسي ، كما فعلت سنة   ١٩٩٩  ،. في يوغسلافيا ، التي اقتطعت منها محافظة كوسوڤو  وسلمتها لقوات الاطلسي والتي لا زالت تحتلها حتى الآن .

٣) الالتفاف على المتغيرات الهامة ، في البيئة الاستراتيجية الاقليمية ، بعد المصالحه الايرانية السعودية والتوجهات السعودية لوقف حربها على اليمن ، وما سينتج عنها من عودة سيطرة قوات حكومة صنعاء على مضيق باب المندب والجزر والموانئ اليمنية  ، الى جانب المصالحة السورية السعودية الاماراتية ، وما سيتبع ذلك من تنسيق وتعاون ،  بين المجموعه العربية الجديدة الناشئة وبين روسيا والصين وايران من جهة اخرى ، وهو التنسيق الذي سيؤدي الى تقليص الهيمنة الاميركية التقليدية على الشرق الاوسط ،  ويخلق اجواء استقرار سياسي توطئة لازدهار اقتصادي كبير .

٤) خلق منطقة عمليات ، مترابطة جغرافياً ، لما يسمى بقيادة افريقيا / Africom /  في الجيش الاميركي ، تمتد من سواحل نيجيريا على المحيط الاطلسي ، في الغرب ، عبر النيجر وتشاد ، في الوسط ،وصولاً الى سواحل السودان على البحر الاحمر ، في الشرق ، الامر الذي سيعطي الولايات المتحدة حزاماً استراتيجياً   ،. في وسط افريقيا ، يفصل جنوبها عن شمالها .

كما ان الولايات المتحده تخطط لان تعطيها السيطرة على سواحل السودان على البحر الاحمر  ، امكانية السيطرة غير المباشرة على مضيق باب المندب ، ما يسمح لها باغلاقه في وجه الحركة التجارية الصينية باتجاه الغرب ، في حال وقوع صدام عسكري اميركي صيني ،  او حتى قبل ذلك ، في اطار فرض حصار تجاري غربي ضد الصين .

٥) لكن الرياح لم تجرِ كما شاءت سفن المخططات الاميركية ، حيث ان ان نجاح هذا المشروع كان يرتبط ،بشكل اساسي ، بسيطرة ميليشيا الدعم السريع  على كامل العاصمة السودانية الخرطوم وعلى مدينة الابيض ، الواقعه جنوب غرب الخرطوم ، وتشكل عقدة الربط بين ولاية دارفور والعاصمة الخرطوم ، وبذلك تكون العامل الحاسم في استمرا… تدفق الامدادات البشرية والتسليحية  لميليشيا الدعم السريع  من ولايات دارفور في غرب السودان ، وهي المناطق القبليه التي ينتمي لها تاجر الماشيه حميدتي .

وقد شكل فشل هذه المليشيا في السيطرة السريعة على العاصمة الخرطوم ونجاح الجيش النظامي السوداني في تطهير مدينة الابيض ، من عصابات حميدتي التي دخلتها في اليوم الاول من اندلاع القتال ، شكل ذلك ضربة للمشروع الاميركي الصهيوني الهادف الى السيطرة العسكرية  المباشره على السودان وتحويله الى قاعدة عسكريه لتهديد الامن القومي لكل دول المنطقه ، وعلى رأسها مصر  والسعوديه .

 

بعدنا طيبين قولوا الله

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك