حازم أحمد فضالة ||
تحتفل الشعوب العربية، وبعض الشعوب الإسلامية؛ باليوم العالمي للغة العربية (لغة القرآن الكريم ومحمد وآله -صلى الله عليه وآله-)، وهو اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ذو العدد: 3190 (د-28) المؤرخ في: (18-كانون الأول-1973)؛ إذ أُدخِلَت اللغةُ العربية مع اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة. (مع تحفظنا على المناسبة).
نحن اليوم نريد معالجة خطأ، زحف إلى لغتنا من الكلمة الإنجليزية (By)، يكاد يفتك بأساليب اللغة العربية، وقد انتشر انتشارًا واسعًا، متوغِّلًا إلى الكتب والمؤلفات، وصارت أرقى دور الطباعة وأكثرها رصانة تطبعه! أي: انحدر عميقًا في اللغة، ويكاد العفن ليصيبَ الجذر! ونستثمر هذه المناسبة لمعالجته، ونوصي بذلك المؤسسات: التربوية، التعليمية، الإعلامية، الثقافية، الفنية والأدبية، ونوصي مراكز الدراسات والترجمة والطباعة، والكُتَّاب والنُّخب والمدونين والمثقفين، وإعلام وسائل التواصل الاجتماعي… أن يلتفتوا إلى هذا الأسلوب الخطأ ويعالجوه؛ على وفق تصويبنا اللغوي العلمي.
1- الأسلوب الخطأ
(مِنْ قِبَل، عن طريق، بواسطة، من خلال)
التفصيل:
يكتبون ويقولون مثل هذه الجمل: (القصيدة التي كُتِبَت مِنْ قِبَل علي)، (المقال المكتوب من قِبَل مريم)، (اللوحة المرسومة بواسطة زيد)، (الجائزة الممنوحة عن طريق زهراء)، (الجسر المبني من خلال الحشد الشعبي).
التقويم: هذه الأساليب كلها خطأ.
2- من أين جاء هذا الأسلوب؟
الجواب: من الترجمات الخطأ، من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.
التفصيل:
أولًا: الكاتب الإنجليزي يكتب هذه الجملة، وأي جملة نظيرة لها:
(The poem was written by Ali)
وهي جملة صحيحة في قواعد اللغة الإنجليزية. لكن! جاء المترجم العربي فترجمها على وفق الأساليب الآتية: (القصيدة كُتِبَت مِنْ قِبَل علي)، (القصيدة المكتوبة بواسطة علي)، (كُتِبَت القصيدة عن طريق علي)، (القصيدة المكتوبة من خلال علي)، أي: تتعدد أساليب الصياغة، لكن مع ثبات وجود إحدى صور شبه الجملة: مِنْ قِبَل، بواسطة، عن طريق، من خلال. هي شبه جملة تتكون من (الجار والمجرور).
ثانيًا: هذه الترجمة فتكت بأسلوب: (المبني للمجهول في اللغة العربية - Passive voice)
السبب: المترجم العربي، لم يستطِع أن يتجاوز كلمة (By) في الجملة الإنجليزية، وتصور أنه ملزم بترجمتها، فاضطر إلى تعدد الصياغات مثل: مِنْ قِبَل، بواسطة، عن طريق، من خلال. هذه الصياغات (شبه الجمل) كلها جاءت من ترجمة (by) إلى العربية! كان واجبًا على المترجم ألّا يتقيد بأسلوب اللغة الإنجليزية وصياغته النحوية، بل عليه أن يصهر الأسلوب الإنجليزي بالأسلوب العربي صهرًا.
ثالثًا: أمثلة من الأسلوب الخطأ، وتصويبه:
الأسلوب الخطأ:
(القواعد الأميركية المقصوفة بواسطة كتائب حزب الله)، (تحالف آل سعود المهزوم مِنْ قِبَل أنصار الله)، (بيت التعايش الغربي للفاحشة المدعوم عن طريق بلاسخارت)، (مصطلح المجتمع الدولي الغربي المؤسَّس مِنْ خلال ألينا رومانوسكي).
التصويب اللغوي:
(القواعد الأميركية التي قصفتها كتائبُ حزب الله)، (تحالف آل سعود الذي هزمه أنصارُ الله)، (بيت التعايش الغربي للفاحشة الذي تدعمه بلاسخارت)، (مصطلح المجتمع الدولي الغربي الذي أسَّستْه ألينا رومانوسكي).
3- المعالجة
أولًا: الجملة: (The poem was written by Ali)
نترجمها إلى: (كُتِبَتِ القصيدة)
فنحن هنا لسنا بحاجة إلى ترجمة (الفاعل -Ali)؛ لأنَّ الجملة أسلوب (المبني للمجهول - Passive voice).
ثانيًا: اللغة العربية لا تعرف هذه الأساليب المشوَّهة بشبه الجمل: مِنْ قِبَل، بواسطة، عن طريق، من خلال. نعم، فهي غير موجودة في اللغة العربية الأصيلة، وتستعمل أحيانًا حروف الجر وحدها مثل: (على، مِن، الباء… ) دون (شِبْه الجمل)، وإقحام شبه الجمل خطأ يجب منعه من التوغل إلى ميادين اللغة التي يسرح بها الجمال الآسر.
ثالثًا: اللغة العربية أسلوبها مفهوم وبيِّن غير معقد، فهي تتناول الفعل والفاعل والمفعول به، مع التقديم والتأخير بحسب الغرض، إذ يمكن القول في الجملة محل البحث: (كتبتْ زهراءُ القصيدةَ) ولا نُقحِم: مِنْ قِبَل، بواسطة… وهذا الأسلوب يسري في الجمل المشابهة كلها.
4- الأصالة القرآنية
ذُكِرَ في القرآن الكريم:
أولًا: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي﴾
ثانيًا: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾
وليس: بواسطتها، عن طريقها، من خلالها.
ثالثًا: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾، من هذه الآية (1) إلى الآية (13) ﴿وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾؛ يتجلى أسلوب المبنى للمجهول بأبهى صوره الخلَّاقة المتلألئة، ولا تجد صورة (الفاعل) حاضرة، وهذا هو الأسلوب الأصيل في اللغة العربية.
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha